13 أبريل، 2024 9:08 ص
Search
Close this search box.

تفاعل الثقافات الافروبرازيلية وأمهات اللبن

Facebook
Twitter
LinkedIn

شهدت القرون الأخيرة ظهور عدة تيارات ورؤى نقدية حول التفاعل الثقافي والحضاري بين الأمم ، و لعلنا لا نجانب الصواب إذا ذهبنا إلى أن تفاعل الثقافات حتميّة حضاريّة تفرضها أقانيم الجغرافيا و التاريخ و الحضارة ،إذ لنا أن نشبه الحضارة أو الثقافة بالكائن الحي ، فعملية الانتشار والتوسع لأي ثقافة من الثقافات تحتاج الى جملة من المقومات والعوامل الداخلية التي تمنحها القدرة على المحافظة على وجودها هذا من جهة، والتأثير في المحيط الثقافي الآخر من جهة اخرى. فظهور الاسلام في بلاد العرب ونزول القران الكريم بلغتهم العربية؛ ساهم في تمكين عملية البناء والصيرورة للثقافة العربية الاسلامية وأعطاها القوة والقدرة على التوسع والانتشار على حساب ثقافة المشرق ( الفارسية ) وثقافة الغرب ( الاوربية ) من خلال التوسع في توظيف أدواتها الثقافية كالدين واللغة.
واما الثقافة الاوربية فقد كان للثورة الصناعية والتكنلوجية فيما بعد الاثر الكبير والواضح في بناء هذه الثقافة وانتشارها وتوسعها خصوصا بعد حالة الخمول والجمود وفقدان الابداع التي أصابت الثقافة العربية والاسلامية، وقد كانت القارة الأفريقية تمثل مجالا حيويا لكلتا الثقافتين العربية والغربية – الاوربية، وتبادلتا المواقع في الثقافة الافريقية
فالثقافة العربية وخصوصا بعد ظهور الاسلام كما تقدم شهدت حالة من التوسع والانتشار في القارة الافريقية ولمدة ربما تجاوزت الخمسة قرون تقريبا، وقد ظهرت ملامح التاثير للثقافة العربية الاسلامية في إقامة الممالك والإمارات، وتبني الانظمة السياسية الاسلامية وخصوصا في الجزء الغربي من القارة كامارة الهوسا وامبراطورية غانا ، اضافة الى الطراز العمراني في بناء المدن والمساجد، وظهور المراكز العربية التي تتبنى الثقافة العربية الاسلامية كما في مدينة تمبكتو في شمال جمهورية مالي الحالية. والقيروان في المغرب العربي.
و نناول المفكر الكيني ذات الأصول العربية – عمان – على مزروعي في كتاباته الاختلاف السامي العظيم حيث يتناول مزروعي في أحد كتاباته ؛ كيف اندمج اليهود على مر العصور تدريجيا مع أوروبا والغرب ، وعلى الجانب الآخر ، كيف اندمج العرب على مر العصور تدريجيا مع أفريقيا. الاختلاف السامي العظيم هو أوروبنة لا هوادة فيها لليهود بالتزامن مع الافراط الجزئي للعرب.
مشيرا في ذلك إلى إرث إبراهيم (ع) على الأقل بالنسبة لبعض المسلمين ، والإذن الذي تلقاه من الله في اللحظة الأخيرة للتضحية بحمل بدلاً من ذلك. تتم مشاركة هذه القصة بين القرآن والإنجيل وفيما يتعلق بابني إبراهيم (ع) إسحاق واسماعيل، يعتبر البعض إسحاق كجد لجميع اليهود المعاصرين ، وإسماعيل كجد لكل العرب المعاصرين. الكتاب المقدس أكثر تأكيدًا أن أم إسماعيل كانت مصرية. كما ان مصطلح “الأديان الإبراهيمية” الذي ظهر مؤخرا يشير الى التداخل الثقافي بين الاديان السماوية التوحيدية والتي تعترف باجمعها بالنبي إبراهيم (ع) كأب مؤسس للديانات التوحيدية العظيمة الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام.
وانتقل المزروعي في كتاباته من أوربنة اليهود إلى حلم أفرقة العرب والعكس في نظريته الشهيرة ” أفرابيا- Afrabia” ” والذى استند في تأسيسها بشكل أساسي على فكرة هدم فكرة الجغرافيا ، ويقول ان القارة الافريقية وشبه الجزيرة العربية كانتا اقليما جغرافيا واحدا قبل حصول التغيرات الجيولوجية في المنطقة والتي تسببت بظهور البحر الاحمر الذي احدث انقساما جغرافيا جزئيا اكتمل في القرن التاسع عشر بعد شق قناة السويس ليفصل بين القارة الافريقية والجزيرة العربية.
ويرى المزروعي بان هنالك تشابها عرقيا ولغويا بين العرب والافارقة اذ ان اللغة السامية تعد أصلا للغة العرب والامهرية الافريقية اذ تنتشر المجتمعات الافريقية الناطقة بهذه اللغة في الساحل الشرقي للقارة الافريقية وشمالها ( الصومال وارتيريا وقبائل البجا) اذ تشتمل هذه اللغة على العديد من المفردات العربية، اضافة الى وحدة الانتماء النسبي بين العرب والافارقة الذي يؤكد على وحدة الانتماء العرقي.
وفي منتصف القرن الخامس عشر ومع بدايات الحركات الاستعمارية المدعومة بالعامل الثقافي المتمثل بنشر اللغات الاوربية ( البرتغالية والانكليزية والفرنسية والبلجيكية وغيرها ) وبقيادة الكنيسة، كانت الثقافة العربية تشهد حالة من الجمود والتراجع بعد سقوط الامارات الاسلامية في كانو، وغانا، وغيرها تمكنت الثقافة الاوربية من التوسع والانتشار على حساب الثقافتين العربية الاسلامية والثقافة المحلية.
ان تراجع الثقافة المحلية على حساب الثقافة الاوربية وتاثرها بها لايعني بان الثقافة الافريقية ضعيفة وغير قادرة على التاثير، فبالرغم من قوة الثقافة العربية الاسلامية وتاثيرها في الثقافة الافريقية الا ان هذا لم يمنع من ظهور الأفرابيا والذي يشير الى وجود تاثير متبادل بين الثقافتين العربية والافريقية، وأيضا على مستوى العلاقات الثقافية الاوربية الافريقيةـ فلقد توصل المستعمر الفرنسي في علاقته الخاصة بأفريقيا إلى مفهوم يوروفريكا كأساس للتعاون الخاص.
ومن بلاد العرب والغرب إلى أمريكا الاتينية ينطلق التفاعل الثقافي بين الثقافة الافريقية والثقافات الاخرى حيث التفاعل هذه المرة مع الثقافة البرازيلية الذي تمكن من بناء وصياغة مفهوم – الافروبرازيلية- والذي يشير الى عمليتي التاثير والتاثر بين الثقافتين الافريقية والبرازيلية. فبالرغم من خضوع البرازيل الى الاحتلال البرتغالي، وقيام البرتغال بنقل الافارقة من الساحل الغربي والجنوبي للقارة الافريقية الى أمريكا اللاتينية والبرازيل تحديدا والقيام بعملية بيع وتوزيع وتقسيم للملايين الافريقية المنقولة عبر المحيط كقوى عاملة في مجالات الزراعة وغيرها ، الا ان الافارقة تمكنوا من استعادة تنظيماتهم الاجتماعية في البرازيل فكانت لهم مناطقهم الخاصة، وتقاليدهم وأعرافهم التي تميزهم عن المجتمع الاصلي للبرازيل، وبدأ المجتمع الافريقي في هذه البلاد يسعى الى المحافظة على ثقافته الموروثة عن الاباء والاجداد.
لم يقتصر دور الافارقة في البرازيل بالمحافظة على ثقافتهم وانما تمكنوا من التاثير في الثقافة البرازيلية ومن خلال عدة طرق، فعلى مستوى الفلكور البرازيلي فان بعض الدراسات العلمية تشير الا ان المجتمع البرازيلي قد تاثر بالثقافة الافريقية سواء المتعلقة باللغة او الزواج او الطلاق او الاطعمة او الفنون او الاحتفالات او غيرها. ففي مجال الفنون نجد ان العديد من عناصر الفلكور البرازيلي الحالي ترجع اصوله الى الثقافة الافريقية، وايضا الاطعمة فان اشهر طبق للطعام في البرازيل اليوم ويدعى ( الفيجوادا ) هو طبق افريقي، هذه الثقافات كانت مرفوضة في المجتمع البرازيلي الا انها ونتيجة للتقادم الزمني عليها، واصرار الافارقة على المحافظ عليها تحولت فيما بعد الى جزء من الثقافة المشتركة بينهم وبين السكان الاصليين والذي اصطلح عليها بالثقافة الافروبرازيلية.
لقد سلك الافارقة طرقا متعددة في عملية نقل الثقافة الافريقية الى المجتمع البرازيلي، ومن ابرز الطرق المعروفة والتي تنبه اليها العديد من الباحثين والعلماء البرازيليين هي ما يعرف ( بامهات اللبن او الامهات المرضعات ) وهذا المصطلح يطلق على النساء الافريقيات اللواتي يمارسن عملية الارضاع لأطفال السكان البرازيليين مع غض النظر عن الشروط غير الانسانية التي يفرضها السكان المحليين عليها للقيام بهذه المهمة والتي منها التخلي عن اطفالها.
وقد كانت هذه الامهات تقوم من خلال عملية الارضاع بالتأثير في الأطفال في الجانب السلوكي والذي ساهم فيما بعد بظهور جيل مختلط الدماء، يجمع بين الدماء الافريقية والدماء البرازيلية، هذا الجيل تاثر بالثقافة الافريقية من ناحية الاختلاط العرقي والذي يشكل امتدادا للجيل المحلي المتاثر بالثقافة الافريقية عن طريق الرضاعة.
إنه لأمر رائع أن نتمثل الماضي ونعتبر به ونحن نعيش حاضرنا فالماضي والجغرافيا والدين والعادات والاعراف ثوابتنا، فمن الماضي ولد حاضرنا فالعروبة والإسلام قيمتان نستمد منهما كينونتنا وماهيتنا هما قيمتان من الماضي كانتا بكل ما تحملان من معاني الأخلاق والتعاليم والأعراف. وماضينا حافل بالأمجاد والعراقة والعظمة والازدهار. لكن علينا أن نراجع هذا الماضي لا أن نرجع إليه…
وكذا يصح القول على المعاصرة : ليس أروع من أن نكون أمة منفتحة على الآخر ، تعيش حاضرها بكل مافيه من عادات وأعراف واحترام الاخر والتناغم معه دون الذوبان .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب