نشر جون بولتون الباحث في معهد اميركان انتر برايز والسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة ونائب وزير الخارجية الأمريكي ( سابقا ) مقالة بصحيفة نيويورك تايمز ، وهي مقالة تفسر ما تقوم به الولايات المتحدة حاليا وما ترمي إلى تحقيقه لا حقا ويمكن أن تجيب هذه المقالة عن العديد من التساؤلات ، وقال فيها إن خطة الرئيس اوباما الحالية تفتقر إلى النظرة الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في حال هزيمة داعش ، إذ لا توجد أية إجابة للسؤال البسيط ماذا بعد داعش؟ ، و جون بولتون ولد في 1948 وتخرج من كلية الحقوق بجامعة ييل وعمل كمحامي لفترة من الزمن وتدرج في مناصب حكومية عدة منها السفير الأمريكي في الأمم المتحدة من أب عام 2005 إلى تشرين الثاني عام 2006 كما عمل نائبا لوزير الخارجية الأمريكية ، ويعد من المحافظين الجدد وأحد صقور إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ، ويقول بولتون في مقالته ، إننا نحتاج إلى منظور واضح نتشارك فيه مع حلفاء الناتو و غيرهم عن البديل لداعش ، وان من الضروري أن نحل هذه المسألة قبل الشروع باتخاذ أية حلول عملية قبل القضاء على هذا التنظيم ، إذ إن الاستراتيجية لا تبنى من الأساس إلى الأعلى ، فالواقع اليوم هو إن الدولة الإسلامية عملت على ( نحت) كيان جديد من مستعمرات ما بعد الإمبراطورية العثمانية ، باستقطاب المعارضة السنية ضد الرئيس الأسد والمعارضين للحكومة العراقية والراغبين في استقلال فعلي لكردستان ، وأوضح بولتون بأنه ليس من الممكن القضاء على داعش وتقديم ذلك كمكافأة في الإبقاء على الأسد وتزايد المد الإيراني في العراق ، فالبديل الأفضل للدولة الإسلامية في كل من شمال شرق سوريا و غرب العراق، هو تأسيس دولة سنية مستقلة .
وقال إن هذه الدولة ( سنستان ) ستكون ذات ثقل اقتصادي كدولة منتجة للنفط و حصنا ضد كلا من نظام الأسد في دمشق و بغداد ( الموالية ) لإيران ، و إنها سوف تستحق دعم دول الخليج و الذين لابد إنهم قد استوعبوا الدرس من دعمهم للتنظيمات الإرهابية في سبيل استقرار بلدانهم ، و أيضا على تركيا أن تدرك بأنها ستنعم باستقرار اكبر على حدودها الجنوبية إذا ما سمحت بنشأة هكذا دولة ، وبين إن الاستقلال الفعلي لكردستان يساهم في تفعيل هذا التوجه ، فالكرد قد أصبحوا قوة لاعبة في المنطقة ولا يمكن لبغداد أو دمشق أن يستهينوا بها و سوف لن يكون بالإمكان إرغامهم على التخلي عن الأراضي التي يسيطرون عليها سواء من قبل الأسد في سوريا أو من قبل الميليشيات الشيعية في العراق ، وقال انه برغم ذلك فان هناك الكثير من التحديات التي تواجه الكرد خاصة مع تركيا ولكن بوجود كردستان مستقلة تحظى بقبول دولي سيصب ذلك في مصلحة الولايات المتحدة ، وأشار أيضا ، كما فعلنا في العراق عام ٢٠٠٦ مع صحوات الانبار حيث نجحت عمليات مكافحة التمرد في طرد القاعدة من معاقلها في تلك المحافظة العراقية ، فعلينا نحن و حلفائنا أن نمكن قادة السنة العمليين، بما فيهم رؤساء العشائر الذين يحظون بقبول اجتماعي وأعضاء البعث السابقين في العراق و سوريا والقادة المعتدلين من المعارضة السورية ، فجميعهم يشكلون خيارات مفضلة وممن الممكن أن يحظون بالمقبولية أفضل من الإسلاميين المتطرفين ، وعلى الممالك العربية كالسعودية أن لا يدعموا هذه الدولة في بداياتها فحسب بل عليهم أن يساهموا في تأكيد استقرارها والتصدي للقوى الراديكالية .
وأوضح إن مقترح الدولة السنية هذا يختلف جدا عن رؤية المحور الروسي – الإيراني وأصدقائهما فهدفهم هو استعادة السيادة السابقة لحكومتي سوريا و العراق على كامل الأراضي ، ويختلف جوهريا عن المصالح الأمريكية و الإسرائيلية ومصالح الدول العربية الصديقة ، و بالتالي فان الرأي القائل بتحالف أمريكي – روسي ضد الدولة الإسلامية يعد غير مرغوب فيه لأجل ذلك ، وعلى أمريكا أن تسعى للهدف الأبعد بقيام دولة سنية بعد القضاء على الدولة الإسلامية فعلى الرغم من صعوبة تحقيق ذلك في المستقبل القريب ، إلا أنها و بمرور الوقت ستؤدي إلى ترتيب و استقرار المنطقة ، وأشار أن خلق حليف أمريكي معادٍ للدولة الإسلامية بدلا من مقترح التحالف مع موسكو يتطلب جهدا سياسيا و دبلوماسيا كبيرين فالقوات القتالية البرية الأمريكية لا بد أن يتم إرسالها لتوفر القيادة والانسجام ، و ذلك هو المطلوب لهزيمة الدولة الإسلامية حتى لو كانت الغاية من تواجد القوات هو إعادة الوضع إلى ما كان عليه ، وأضاف إن نجاح صحوات الانبار و الجيش الأمريكي عام ٢٠٠٧ وفرت نموذجا يحتذي به كما فعل نجاح الكرد في التصدي للدولة الإسلامية ، حيث يمكن تدريب مقاتلون محليون بإشراف أمريكي و بالمشاركة مع قوات تقليدية أمريكية وعربية ، وبين إن العمليات العسكرية ليست الجزء الأصعب من هذه الرؤية لما بعد الدولة الإسلامية ، بل يتطلب الأمر رعاية و متابعة أمريكية آذ ليس من الصحيح أن نترك الأمر كما فعلنا عام ٢٠١١. وقال إن ( سنستان ) لن تصبح كسويسرا لأنها ليست مبادرة ديمقراطية ، بقدر ما هي عبارة عن معالجة باردة تتلاءم مع الهدف الاستراتيجي في محو الدولة الإسلامية نتشارك مع حلفائنا في تحقيقه كما انه هدف ممكن تحقيقه .
ورغم إن ما ذكره ( بولتون) قد لا يعبر بالضرورة عن خطة الإدارة الأمريكية في التعامل مع موضوع داعش في سوريا والعراق ، باعتباره من الصقور الجمهوريين وهو ينشر مقالة تعبر عن وجهة نظره ، إلا إن جزءا مهما من آرائه يتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية في التعامل مع مواضيع عديدة ومنها التحالف الروسي ونشر قوات برية أو خاصة في المنطقة ، وسبب التقارب في التوجهات والأفكار هو إن السياسات الأمريكية لا تتقاطع مع بعضها ولذلك فان السياسيين لا يختلفون مع بعضهم لأجل مصلحة الأمة ، وهم بذلك يختلفون عن اغلب السياسيين تماما لان البعض قد يتقاطع ويتحالف لمصالحه الذاتية أو الفئوية ، وتلك ليست شتيمة للسياسيين هنا أو مدحا للأمريكان ، لان الفرق هو في العقيدة والتجربة والتجرد عن الذات وحجم وتأثير الاختلاف الفعلي وهي من السمات الأساسية للممارسات الديمقراطية التي لا يمكن أن تولد فتطبق في ليلة ويوم ، وكما هو معروض فان الآراء الأمريكية لا تختلف من حيث الجوهر بشان استراتيجياتها في العراق رغم إنه يمثل مصلحة لهم و( لأصدقائهم ) وليست مسألة مصير ، ولكننا نحن أصحاب الشأن والخطر والمصير ، نختلف اختلافات جوهرية في أساسيات وجزئيات مواضيع حساسة ومهمة رغم وضوح الأخطاء في بعض الأفكار ، فداعش ليس احتمالا وإنما أمرا واقعا ويحتل ثلث أراضينا ويرتكب يوميا أبشع الجرائم بحق أهلنا في كل مكان ، كما انه خطرا يتم إبعاده عن بغداد والمدن والقصبات الأخرى بدماء الشهداء وبأغلى التضحيات وبأموال الشعب ، مما يتطلب أن نفهم كيف يفكرون وما يجب أن تكون أفعالنا دون مجاملات ما دامت تصب في مصلحة الوطن والشعب بالفعل .