يحسد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، احيانا، على تفاؤله وتبيان ثقته وقدرته على “إيجاد الحلول لجميع الازمات وبناء مستقبل افضل” وان “يعود العراق مركزا للحضارة وللعلم والمعرفة لإمتلاكه مقومات وخصائص النهوض»، وهو الذي اعلن عن دخوله في “منازلة كبيرة” مع الفساد، معتبرا ان: “الفساد عدو آخر لا يقل شراسة عن الارهاب وهدفه تخريب العراق وتبديد المال العام ومن واجبنا جميعا حكومة وشعبا واجهزة قضائية وامنية التصدي له وملاحقة المجرمين المطلوبين للعدالة وسارقي قوت الشعب”.
ترى على ماذا يتكئ عادل عبد المهدي، ومن اين يستمد قوته وعزمه، وهو الذي لا يمتلك جهة او كتلة برلمانية داعمة. وقد عرقلت الصراعات والتنابز بين الكتل والاحزاب مهمته في استكمال التشكيلة الوزارية طيلة الاشهرالماضية، خاصة السيادية منها: الداخلية والدفاع والعدل؟ وهو الذي قال : «كانت لنا حرية اختيار ثمانية او تسعة وزراء، أما البقية فهي نتيجة اتفاقات سياسية». ويعني بالبقية 13- 14 وزارة.
يعتبر ملف الفساد من اكبر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، إذ ان هنالك 13 الف ملف فساد مكدس على رفوف “هيأة النزاهة”. وفي اروقتها. الفساد الذي ادى الى خسائر مالية تقدر بنصف مليار دولار. وان تصريح وزير النفط العراقي ثامر الغضبان في “إن من قام بسرقة مصفى بيجي، اتصل بالوزارة لبيعها عليها من جديد” مؤكدا ” ان وزاراته لا تستطيع توجيه التهم الى اي جهة، كون هذا الموضوع تم ابان مدة الحكومة السابقة” يشكل وجها حقيقيا للفساد المنفلت في عراق اليوم، ويؤكد على صعوبة التعامل معه او مواجهته عبرالقنوات الرسمية والقوانين المعمول بها في الدولة العراقية.
ان التركة الثقيلة التي توارثها عبد المهدي تعود الى ست عشرة سنة الماضية، وتتمثل بمديونية تقدرباكثر من 112 مليار دولار، وملفات كبيرة من فساد ينخر بجسد الدولة ومؤسساتها، اغلبه فساد النخب السياسية، وتنتشر ظاهرة الرشوة والبيروقراطية وتضخم الجهاز الحكومي والمحسوبية والمنسوبية، التي افرزتها، في الغالب الاعم، الاوضاع الاقتصادية والظروف المالية المتدهورة لموظفي الدولة على جميع المستويات والغبن الوظيفي الذي لحق بهم وقلة اجورهم، إضافة الى سوء الخدمات وتدمير البنية التحتية وكثرة المشاريع الوهمية وتدني مستوى التعليم وعدد هائل من الموظفين والتعيينات المنفلتة والفائضين والفضائيين الذين يثقلون كاهل موازنة الدولة بمرتباتهم ويضعفون من روح المبادرة ويشلون التناسق والتفاعل بين اجهزة الدولة.
وقد قدرت وزارة التخطيط عديدهم ب 3.5 مليون موظف يشكلون نسبة 40 في المئة من اجمالي القوى العاملة في العراق، ما يمثل ثلاثة اضعاف الحاجة الفعلية لهم في مؤسسات الدولة مجتمعة. في وقت يعيش 3 ملايين مواطن عراقي في تجمعات واحياء فقيرة ومساكن عشوائية. وكانت منظمة الشفافية الدولية قد عدت العراق، في تقريرها الصادر في عام 2009 من اكثر البلدان فسادا في العالم. كما جاء العراق خارج التصنيف السنوي في مجال الابتكارات، حسب تقرير وكالة بلومبيرغ حول اقتصادات دول العالم الصادر في 22 كانون الثاني 2019 ووضع مؤتمر دافوس العالمي، العراق خارج التصنيف من حيث جودة التعليم في 140 دولة في العالم.
لقد قدر عدد الراسبين من تلاميذ المرحلة الابتدائية لعام 2017- 2018 بما يقارب المليون تلميذ، ولم يلتحق اكثر من 131 الف تلميذ بالمدارس الابتدائية ولم يصل 47 في المئة منهم الى المرحلة الثانوية. وهم في دولة العراق الغنية، يفتقرون الى مدارس لائقة بهم ويداوم الكثيرون منهم في مدارس طينية او يفترش الارض في العراء. كما ان البعض منهم يقطع مسافات طويلة، مشيا على الاقدام، للوصول الى المدرسة في ظروف جوية غيرمناسبة.
في تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2017 احتل العراق موقع الصدارة من بين الدول الاكثر فسادا في العالم، وصنف في مؤخرة قائمة الدول العاملة لمكافحة الفساد. واعتبرت منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تقريرها الصادر في آب (اغسطس) 2017 ان 5.1 مليون طفل عراقي بحاجة الى مساعدات صحية ومعالجات. وكانت منظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة قد وصفت الوضع الصحي في العراق ب “السيئ ويزداد سوءا وانهيار بعض مؤسساته الصحية”. هذا اضافة الى تآكل البنى التحتية ومشكلة الكهرباء المستعصية وتلوث البيئة وانحسار الخدمات.
وكان فريق استقصائي من دائرة الوقاية التابعة لهيأة النزاهة قد كشف عن وجود مغالاة باحتساب الكلفة التخمينية لطبع 148عنوان كتاب مدرسي تصل الى 15 مليار دينار ورصد مخالفات في عقد شركة بريطانية بلغت قيمته اكثر من 23 مليون دولار امريكي، مؤكدا على ضرورة الوقوف على الاسباب الحقيقية التي تؤدي الى تغيير المناهج الدراسية بشكل مستمر.
ترى، هل سيتوفق عادل عبد المهدي في حل البعض من هذه الملفات العالقة والشائكة والمزمنة، خاصة في مجال محاربة الفساد ومعاقبة المفسدين واعادة العقارات المتجاوز عليها والتي تقدر باربعة الآف عقار، الى الدولة او الى اصحابها الحقيقيين، وتحسين الخدمات الاساسية والاوضاع المالية؟ أم سيصل غضب الشعب الى ذروته ويفور كالتنور؟
ولن يبقى الشعب مأخوذا بتفاؤل رئيس حكومته وآماله العريضة في حل الازمات وبناء مستقبل افضل، ولن ينتظر ان تبدأ خطوة الالف ميل بخطوة، بل من الارجح ان يتعالى صوته مرددا ما ورد في القرآن الكريم: “والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء”.