7 أبريل، 2024 11:48 ص
Search
Close this search box.

تـأسيس العراق الملكي وتجربته البرلمـانية تحت الانتداب البريطانـي

Facebook
Twitter
LinkedIn

يتنـاول الموضوع بالوثائق والتحليل ، الجهود الذي بذلت خلال الانتـداب البريطاني لوضع الأسس السياسيـة والدستورية للدولة الملكيـة الجديدة عن طريق المجلس التأسيسي والبرلمان ، وأثر فيصل بن الحسين والمندوب السامي البريطاني والنخب العراقية في تلك المسيـرة .
يـرتبط تأسيس الدولة العراقية الحديثة فـي العراق بمظاهر سياسية واجتماعيـة ذات أبعاد وطنيـة وقومية عاشها العراقيون بعد الحرب العالمية الأولـى حيث كان للقوى (النخب) الاجتماعية والسياسية دورها الفـاعل في تأسيس الدولة وتجربتها البرلمانية . فعنـدما أجرى البريطانيون استفتاء عـام 1918-1919 ، لمعرفة رأي العـراقيين بمستقبلهم ، جاء جـواب هذه القوى في بغداد والمدن العراقيـة الأخرى بما فيهم رجال الديـن في المدن المقدسة بـالمطالبة بحكومة عربية يرأسها احد أنجال الشـريف حسين على أن تكـون مقيدة بمجلس وطني منتخب من قبـل الشعب ، فقـد تمسك العراقيون في مطلبهـم الأساس بانتخاب مؤتمر عراقـي عام يقرر شكل الحكم فـي العراق سمي فيما بعـد بـ (المجلس التأسيسي) الـذي وضع أسس الدولة العراقية ، وهـو القانون الأساسي وقـانون انتخاب النواب والمعاهـدة العراقية ـ البريطانية التـي ضمنت بنود الانتداب وأجبرت بـريطانيا المجلس التأسيسي وفيصل بن الحسيـن على قبولها أولا وعدم مخالفة القانون الأساسي (الدستـور) لبنودها مما خلق تقاطعـاً وتصادماً بين الطرفين كان له تأثيـره على مسيرة دولة العراق الفتيـة وتجربتها البرلمانية خصوصاً فـي مرحلة التأسيس والانتـداب البريطاني الذي استمر للأعـوام 1920ـ1932 .
وقـد شهدت هذه الفترة صراعاً حـاداً بين البريطانيين والملـك فيصل ، وصلت إلى درجة التفكيـر بإقصائه عن العـرش لاعتقادهم بوقوفه ضد مصالحـهم في العراق بمطالبته بإلغاء الانتداب وتحقيق الاستقلال التـام . ووقف إلى جـانب الملك نخبة السياسيين الذين كان لهم تأثيرهم الفاعل داخل البـرلمان حتى وان لم يشكلوا الغـالبية ومنهم المحامون والمدرسون والأطبـاء والضباط الذين كانــوا قد خدموا فـي الجيش العثماني وفـي الثورة العربية وحكومتها العـربية برئاسة فيصل بن الحسين في دمشق . كمـا جاء من هذه النخبة معظـم الوزراء وقادة الأحزاب السياسية فـي البرلمان ، والى جانـب هـؤلاء جميعاً كان لشيوخ العشائر ورجـال الدين المسلمين ورجال الإعمال والتجـار دورهم المهم والمؤثر في هذه التجربـة .
مـن جانب آخر لم تكن النخبة السياسيـة ضد أقامة علاقة متينة مع بريطانيـا وإنما كانوا بمعظمهم ضد الهيمنـة البريطانية على الحكم في العراق من خلال نظام الانتـداب . ولذلك اختلفـت نظرتهـم من مجموعة تقف ضد العلاقـات والمعاهدات المقيدة للاستقلال مع بريطانيـا وتتدرج إلى أولئك الذين يعتبـرون هذه العلاقة والمعاهدات قاسيـة ويجب تعديلها في الحال والذيـن شكلوا المعارضة في المجلس التأسيسـي والبرلمان ووصولاً إلى المجاميع التـي ترى أن أوضاع العراق الداخـلية والخارجية لا تسمـح بتغيير فوري في الأسس التـي تقوم عليها علاقة العراق ببريطانيا في ظل الانتداب ، ولذلك يحتـاج العـراق إلى الصبر والتضحية وتقديـم بعض التنازلات والتسويات للحصول على الاستقلال التام . وقد أطـلق على هذه المجاميع بـالمعتدلين أو الموالين لبريطانيـا .
كـان تشكيل الحكومة العراقيـة المؤقتة عام 1920 ، بعـد إعلان الانتداب البريطاني على العـراق بحوالي ستة أشهر خطوة علـى طريق طويل صعب لتأسيـس الدولة العراقية الحديثة ونظامهـا الملكي ، وكـانت إحدى تلك الصعوبات انتخـاب مؤتمر عراقي أطلق عليـه (المجلس التأسيسي) كان السياسيون العراقيـون قد طالبوا بـه ووافق عليه البريطانيـون ، ولكن كـان لكل طرف هدف معيـن منـه يتقاطع مع الآخر مما زاد فـي المشاكل والصعوبـات .
كـانت مهمة المجلس التأسيسي هـي مناقشة وإقرار دستور للبـلاد وقانون لانتخاب مجلس النـواب ، ومن ثم منـاقشة مسودة المعاهدة العراقية ـ البريطانيـة حسبما أعلن الملـك فيصل الأول فـي خطاب تتويجه يـوم 23/ أب /1921 ، وكانـت المعاهدة مرفوضة من العراقيين بما فيهم الملك فيصل الأول لأنهـا تضمنت بنود الانتداب الذي يريدون إنهاءه ألا أن بريطانيا أرادت مناقشة ومصادقة المعاهـدة أولا ومن ثم أقرار الدستـور للبلاد وقانون للانتخاب لتضمن استمرار سلطتها الانتدابية من خلال المعاهـدة ، لذلك واجهت انتخـابات المجلس التأسيسي معوقات ومصاعب كبيـرة يأتي في مقدمتها مقاطعة الانتخابات ومشكلة الموصـل .
دفعـت مقاطعة الانتخابات وتوقفها ، بـريطانيا والحكومة العراقية إلى بذل أقصى الجهود لاستئنافها وقـد نجحوا في ذلك ، وعنـدما اجتمع المجلس التأسيسي في آذار /1924 ، رفض غالبية أعضـاؤه تصديق المعاهدة لأنها تضمنت بنود الانتداب التـي تقيد استقلال العراق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، لـكن المجلس أجُبر على تصديقها بعـد أن هددت سلطة الانتداب البريطانـي بعدم تبني بـريطانيا حق العراق فـي ولاية الموصل أذا لم تصادق المعـاهدة وحل المجلس التأسيسـي وإعادة الوضع السياسـي إلى ما كان عليـه في العراق قبل انتخاب الملـك فيصل الأول . وبعـد مصادقته للمعـاهدة كان على المجلس أن يراعـي بنود المعاهدة الانتدابية عنـد مناقشة الدستور وإقراره .. استمرت بريطانيـا في الوقوف بوجه طموحـات العراقيين والملك فيصـل الأول في الحصول على الاستقـلال التام واستكمال بنـاء الدولة العراقية على أسـس صحيحة إلى أن تم دخوله عضـواً في عصبة الأمم عـام 1932 ، لينتهي الانتـداب ويعلن العراق رسمياً دولة مستقلة لكنـه بقي مقيـداً سيـاسياً واقتصادياً ببريطانيـا .
إن العـوامل التي أدت إلى فشـل التجربة البرلمانية في العراق كانت متعـددة ، وان فشلها يعود إلى كونهـا قد جاء بها البريطانيون وهـم الذين قاموا بتأسيسها ، إلا أن المـؤلف يختلف مع وجهـة النظر هذه قـائلاً : أن الدستور أصلا قد جـاء به السياسيون من اسطنـبول وكان للعراقيين تجربة انتخـابية نيابية خلال السنـوات الست التي سبقت الحرب العـالمية الأولى ، ولذلك كان السياسيون العراقيـون على معرفـه بمعنى الدستور والهـدف منه . وقـد ظهر هذا الوعي في استفتـــاء 1918- 1919 ، عنـدما طالبوا بحكم دستوري نيابـي ووقفوا ضد الانتداب البريطاني وردوا عليه بالمطالبـة بعقد مؤتمر عام منتخب يقـرر شكل الحكم في العراق . وعليـه فأن النظام البرلمانـي لم يقـدم للعراق من قبل السلطة البريطانيـة وان ساعدوا على ذلك بل أن السياسيين العراقيين والشرائح الاجتماعية هـم الذين تبنوا الدستور وطالبوا به فأصبح قانون انتخاب مجلس المبعوثان العثماني هو الأسـاس للانتخابات العراقية النيابية حتى عـام 1946 .
إن مظـاهر عديدة قد أثبتت أن البرلمان فـي العراق قد فشل في ممارسة حقوقـه بشكل صحيـح وكامل في الحيـاة السياسية العراقية خلال فترة الانتـداب البريطاني . فقد تـم التلاعب بالانتخابات وتـم حل البرلمانات الثلاث قبـل أن تكتمل دوراتها التشريعيـة والتي أمدها أربع سنـوات فقـد استمر البرلمان الأول لسنتـين ونصف ، والثاني لأقل من سنتـين ، والثالث لـم يتجاوز السنتـين ألا قليـلاً . وعليه كان البرلمان غير مستقـر ويفتقد إلى الثقة به لأنه لـم يشكل سلطة رقابية حقيقية على الحكومة . لقـد كان البرلمان بشكل عام وسيـلة أوجدت غطاءً شرعياً للمعاهـدات العراقية البريطانية والإجراءات السياسية فكـان مسرحاً يتحرك فيه بشكل خفي كل من الملك فيصل والمندوب السامي البريطانـي . فهذا الأخيـر عليه أن يضمن مصالح بريطانيـا وتنفيذ تعليمات حكوماتها فـي العـراق بينما بذل الملك فيصل جهوداً كبيـرة للحصول على استقلال العراق بإلغـاء الانتداب ودخول العراق عضواً في عصبة الأمـم دولة مستقلة . وقـد اشترك في هذا الخلاف رؤسـاء الوزراء والوزراء والنواب والأعيـان .
علـى الرغم من بعض الإخفاقات إلا أن البـرلمان العراقي كانت له منجـزات مهمة على طريق تأسيس دولة العراق الحديثة ، وقـد مارس حقه في الوقوف بوجه محاولات الوزراء تجاوز صلاحياتهم أو القانـون الأساسي . وكانـت هناك مناقشات ومجادلات حرة مارسها النواب دون أن يتعرضوا للمساءلة عنـد إدلائهم بآرائهم . كمـا استأثر البرلمان باهتمام الصحافة ، وحفـزت مناقشاته والقضايا التي طـرحت عليه رؤساء التحرير والصحفيين في كتابة المقـالات .. ألا أن ذلـك كان محصوراً فـي العاصمة بغداد والمـدن الرئيسية في العراق لان المجتمع كـان ما زال مجتمعاً بعيداً عن الثقافة بسبـب العهود الطويلة من التخلف التي عاشها في عهد الدولة العثمانية ، ومع ذلك لم تشكل الانتخابات جزءً من تقاليد المجتمـع وعاداته بالشكل الذي هـي عليه في الغرب مع أن البريطانيين كانوا أوصياء على العراق بتفويض دولـي ، ولذلك فهـم وحدهم يتحملـون وزر المسؤولية في عدم توجيه المجتمع العراقـي بالشكل الـذي جبلوا في ممارسة الحيـاة البرلمانية في بلادهـم .
قـسم المؤلف دراسته الى مدخل وبابين يحتـوي كل باب على ثلاثة فصول تعلقت بمقدمات تأسيس الـدولة الملكية وانتخابات ومناقشات المجلس التأسيسي العراقـي الذي وضع الأسس التشريعية لهـا وبانتخابات ومناقشات الدورات النيـابية الثلاث خلال فترة الانتداب البريطانـي .
فـي المدخل تناول المؤلف التجربة النيابيـة التي عاشها العراق في السنـوات الأخيرة من حكم الـدولة العثمانية بعد أعادة العمـل بالدستور واستـلام جمعية الاتحاد والترقـي للسلطة وتشكيل الأحزاب والجمعيات وظهور الصحافة فـي العراق وممارسة العراقيين للانتخابات لاختيـار نواب عنهم في مجلس المبعوثان العثمانـي في اسطنبول . وكـان لسياسة التتريك العنصري التي اتبعتها جمعية الاتحاد والترقي اثرها فـي تصاعد الوعي القومي العروبي فـي العراق وانعكاسه فـي الدعوة لانتخاب المرشحين العراقيين بدلاً عن المرشحين الاتـراك ، الا ان انتخاب المرشحين العراقيين كـان يتم على اساس العلاقـات العائلية والعشائرية . وكـان على النواب ان يسافروا الى اسطنبول لحضور جلسات مجلس المبعوثان العثمانـي لعدة اشهر بعيداً عن العراقيين حيـث تفصل بينهم مسافات طويلة من طرق المواصـلات البدائية والصعبة . مـن جانب آخر فان تلاعب الاتحـاديين بالانتخابات قد خلق شعـوراً لـدى العراقيين بان الدستور عبـارة عن قانون يمكن خرقـه وان الانتخابات يمكن تزويرها بسهولـة .
فـي الفصل الأول من الباب الأول ـ تنـاول المؤلف التطورات السياسية في العراق بعد الاحتلال البريطـاني وموقف العراقيين منه بمطالبتهم في استفتـاء 1918ـ 1919 ، بحكومة عربية يرأسها أحد انجـال الشريف حسين خلافاً لرغبة الحـاكم المدني العام ويلسون الذي اراد من الاستفتاء وسيلة لأضفـاء الشرعية على الوجود البريطانـي المباشر في العراق مما كان له اثره في تحرك الضباط والسياسيين العراقييـن الموجودين في الحكومة العربيـة بدمشق برئاسة الامير فيصل بن الحسين لتحرير العـراق فكانت معاركهم في تلعفر انطلاقاً مـن دير الزور احدى مقدمات ثـورة العشرين التي تفجرت في العراق اثـر اعلان الانتداب البريطاني عليه فـي 25/نيسان/1920 ، والذي اعتبره العراقيـون قناعاً جـديداً للاحتلال فطالبوا بمؤتمر عراقـي عام منتخب يقرر شكل الحكم والحاكم فـي العراق . لكن بـريطانيا شكلت حكومة عراقيـة مؤقتة مهدت لتنفيذ مطلب القيـادات العراقية السياسية والعشائرية بتتويج فيصـل بن الحسين ملكاً على العراق بعـد ان اخرجه الفرنسيون من سوريـا . وبدلاً من انتخاب المؤتمـر العام الذي سمي بالمجلس التأسيسي قـامت بريطانيا بفرض معاهدة جائرة على العـراق تضمنت بنـود الانتداب المرفوض واجبرت الملـك فيصل الاول على توقيعهـا بالتهديد والقوة رغـم رفضه لهـا .
وفـي الفصل الثاني من هذا الباب ، نـاقش المؤلف انتخابات المجلس التأسيسي التي توقفت نتيجـة مقـاطعة العراقيين لها احتجـاجاً على المعاهدة وخشية من تأتي بريطانيا بمجلس يصادق عليهـا مع انهم كانوا قبـل المعاهدة يطالبون بعقده . ولـم تتمكن الحكومة العراقية من استئنـاف الانتخابات واتمامها الا بعد ان قلصت بريطانيا مـدة المعاهدة الى اربع سنوات بدلاً مـن خمسة وعشرين سنة مع وعد بدخـول العراق عصبة الامم بعـد ذلك . وتم تأجيـل مناقشة مشكلة الموصل فـي عصبة الامم كما لم تعد هناك مؤشرات دوليـة على القبول بتكويـن دولة للاكراد . وقـد جرت الانتخابات بشكل اعتيادي بعد انتهاء المقاطعـة واصبح فـي المجلس التأسيسي اعضاء يمثـلون مختلف شرائح المجتمع العراقي من المثقفيـن ورؤساء العشـائر وملاك الاراضي واعضاء من العوائل العراقيـة ، وكان للأكراد والمسيحيين واليهود حصة مناسبة فـي عضوية المجلس الذي عكس تشكيله طبيعة المجتمع العراقي ومكوناتـه . علماً بأن نظام الانتخابات كــان شبيهاً بالنظام العثماني القائم علـى اساس الانتخاب بالدرجتين ، أي على مرحلتين ، الاولـــى ينتخب فيها النـاخبون الاولون ناخبين ثانويين ويقوم هؤلاء فـي المرحلة الثانية بانتخاب اعضاء المجلس التأسيسـي .
الفصـل الثالث من الباب الاول ، تنـاول مناقشات المجلس التأسيسي للمعاهدة العراقية ـ البريطانية والقـانون الاساسي وقانون انتخاب مجلس النواب . وبيـن المؤلف فيه كيف ان بريطانيا أصرت على مناقشة المجلس المعاهدة الانتدابيـة وتصديقها قبل تشريع القانون الاساسي خـلافاً للاعراف الدستورية بهـــدف ان يصبح دستـور العراق مرتبطاً بالمعاهدة ولا يتقاطع مع بنودها او بنود الانتـداب . ومع ذلك اصر المجلس التأسيسي على تعديـل المعاهدة لصالح استقلال العراق قبل تصديقها . وبالمقابل هـددت بريطانيا بحل المجلس التأسيسي وإغلاقـه واعادة النظام في العراق الى مـا قبل تتويج فيصل ملكاً عليه ، أي الاحتلال العسكري المبـاشر اذا لم تصادق المعاهدة وملاحقها من قبل المجلس قبل يـوم 11/حزيران/1924 ، وهو اليوم الذي ستناقش فيه عصبة الأمم قضية حقوق العراق في ولاية الموصل أو إن تعرض عليه بريطانيا اقتراحاً آخر في حالة عدم التصديق . مما اضطر الملك والحكومة الى جمع المجلس التأسيسي يـوم 10/حزيران ليلاً بعدد محدود من الاعضاء يكفي لتحقيق النصاب ، وصادق المجلس على المعاهـدة واتفاقياتها مشترطاً تعديلها بعـد التصديق مع ضمـان حقوق العراق في ولاية الموصل . وعـندما ناقش المجلس القانون الاساسـي تدخـل المندوب السامي البريطاني اينما وجد قراراً من المجلس فـي تعديل اية مادة تتقاطع حسب رأيـه مع المعاهدة ، واختتم المجلس اجتماعاته في 2/اب/1924 ، بعد ان انجز تشريع قانون انتخاب مجلس النواب .
إمـا الباب الثاني فتنـاول في فصله الاول انتخابات ومناقشات الدورة النيابية الاولى فـي العراق للفتـرة 1925 – 1928 ، وناقش الفصل الظــروف السياسية التي لعبت دورها في هذه الانتخابـات ، وهي المصالح الـبريطانية النفطية وقضية الموصـل التي تسببت في تأجيل الانتخابات لفتـرة من الزمن ، لان البـريطانيين لم يكونوا يرغبـون بإجراء انتخابات في ولايـة الموصل خلال وجود البعثة الدوليـة في الموصل التـي شكلتها عصبة الامم للتحقيق فـي موضوع النزاع بين العـراق وتركيا حول ولاية الموصل والحـدود الشمالية للعراق ، كـذلك ظاهرة اصرار البريطانيين على تأجيل العمل بالقانون الاساسي ونشـر قانون الانتخـابات خلافاً للاعراف الدستورية من اجـل توقيع امتياز النفط البريطاني فـي العراق قبل انعقاد البـرلمان لتجنب ضرورة مصادقته عليـه ومنع تكرار الازمة التي واجهتهم فـي تصديق المعاهدة العـراقية البريطانية خـلال انتخابات ومناقشات المجلس التأسيـسي . اما عن الانتخـابات ذاتها فقد اتجهت الحكومة والملـك والمندوب السامي الى اعـداد قائمة حكومية بالمرشحين ترضي جميع الاطراف السياسيـة والاجتماعية مـع ان غالبية مؤيدي الحكومة فازوا بـالمقاعد النيابية ليبدأ اول برلمان عـراقي اعماله ومـــا زالت امامه مشكلة الموصل ماثلة للعيـان .
مـن جانب آخر ، كان عمر هـذه الدورة قصيراً فقد حل الملك البرلمان مكرهاً وبضغط مـن المندوب السامي البريطاني هنري دوبس مع بـداية اجتماعه الاعتيادي الثالث . وكـان للصراعات السياسية بيـن الاحـزاب والنواب داخل المجلس وعـدم رضا البريطانيين عن سيـاسة الملك ووزرائه التي يرأسها جعفـر العسكري فـي اصرارهم على فرض التجنيد الالزامي أثره فـي ذلك ، اضافة الى انهيار وزارة العسكـري الائتلافية بعـد توقيعها معاهدة جديدة مع بريطانيا اواخر عـام 1927 ، لم تحقق فـي نظر المعارضة الشـروط الواجبة لاستقلال العراق عنـد دخوله عضواً في عصبة الامـم ، فكان تكـليف عبد المحسن السعدون برئاسـة الوزارة الجديدة حسب رغبة المنـدوب السامي واصرار السعدون على حل المجـلس النيابي الذي سبـب لوزارته السابقة ثلاث هزائـم ادت الى استقالته العامل الرئيسي في الوصول بالبرلمــان العراقي الى حله تمهيـداً لاجراء انتخابات جديدة لصالح وزارة السعدون مما شكل سابقة غير حكيمة على طريـق التجربة البرلمانية في العـراق .
وفـي الفصل الثاني من الباب الثاني تنـاول انتخابات عام 1928 ، ومناقشات الدورة النيابية الثانية . ففـي الانتخابات التي جرت خلال الاشهـر شباط ـ مايس /1928، انعـكس الصراع الذي كان قائماً حـول حل البرلمان السـابق على الانتخابات النيابية الجديدة . فقـد كان على وزارة عبد المحسن السعدون والتي يدعمهـا المندوب السامي البريطاني فـي مواجهة تحالف المعارضة المكون من حزب الشعب بقيـادة ياسيـن الهاشمي وحزب الوسط  بقيادة رشيد عالي الكيلاني وباسناد لهمـا من الملك فيصل الاول . وقـد ادى ذلـك الى تصاعد الخلاف بين الملك ورئيس الوزراء الذي هـدد بالاستقالة مالم يسمح له باستخدام موقعـــه للتدخل فـي الانتخابات لضمان فوز مرشحي الحكومـة .
ان هـذا التدخل والتلاعب بالانتخابات والتـزوير قد سبب ظهور شكاوى فـي الصحف وامام القضاء ورفعـت برقيات احتجاج الى الملك ورئيس الوزراء الـذي كان يهمل هذه الشكاوى عندمـا يحيلها الملك اليه للتحقيق فيها . ولـم يهدأ الخلاف بين الملك فيصل ورئيس الـوزراء السعدون الا بعد ان تم تنظيم قـائمة مرشحي الحكـومة للنيابة والتي اضيفت اليها بعض الاسمـاء التي اقترحها الملك . وهـكذا جاءت نتيجة الانتخابات لصالح حـزب التقدم الحكومي بفوز مرشحيه بأغلبيـة كبيرة وصلت الى (66) من مجموع (88) من مقاعد مجلس النـواب .
استـمرت جلسات المجلس النيابي فـي دورته الثانية للفترة مـن مايس/1928 الـى اذار/1930، حيث تـم حله بارادة ملكية بعد ثلاثة اشهـر من انتهاء اجتماعه الاعتيادي الثاني وفـي هذه الدورة حافظ حزب التقدم الحكومـي على وحدته وتمكن من هزيمة المعارضة فـي عدة مواقف . ولـعل ابرز المواضيع التـي انشغل فيها المجلس هي العلاقـات العراقية ـ البريطانية حيـث ادى فشل المفاوضات لتعديل الاتفاقيتيـن المالية والعسكرية الملحقة بالمعـاهدة الى استقالة وزارة السعدون مطلع عـام 1929 ، احتجاجاً على رفض البريطانيين للمطالب العراقيـة . لكن السعدون عـاد وشكل وزارة جديدة بعد ان استجـابت الحكومة البريطانيـة لمطالب الحكومة العراقية بتقديم وعـد غير مشروط بدخول العراق عضواً فـي عصبة الامم عـام 1932 ، الا ان المعارضة في المجلس هاجمته بشـدة على موقفه لان وعود البريطانييـــن غير موثقـة .
وفـي اليوم التالي انتحر السعدون واصبـح وزير الداخلية ناجـي السويدي رئيساً للوزراء الا ان حكـومته استقالت لعدم سماح البريطانييـن لها باتخاذ الخطوات اللازمة لتهيـأة الحكومة العراقيـة لتولي المسؤولية المباشرة فـي حكم العراق بعد دخوله عصبة الامم فشكل نوري السعيـد الوزارة الجديدة ووقعــت حكومته معاهدة 1930 ، بين العـراق وبريطانيا . ولمـا كان السعيد واثقاً من ان المجلس النيابـي الذي تشكل غـالبيته جماعة السعدون سيقف ضد المعاهدة فقـرر التخلص منه وصدرت الارادة الملكية بحله واجـراء انتخابات جديدة .
إمـا الفصل الثالث والاخير فقد تنـاول فيه المؤلف انتخابات ومناقشات الدورة البرلمانية الثالثة ، حـيث اصبحت مواد معاهدة 1930 ، القضيـة المركزية في الانتخابات الجديدة . فقـد وقفت ضدهـا المعارضة واعضاء حـزب التقدم بقوة لانها حسب اعتقـادهم وسيلة لاستبدال الانتداب باحتلال بريطانــي دائم ، كمـا وجد الاكراد انها لا تضمن لهـم حقوقهم القوميـة ، ولذلك كان على نوري السعيـد ان يسعى بـأية وسيلة لانتخاب مرشحين مناصريـن له ولسياسته للحصول على الاغلبيـة في المجلس النيابي ليضمن تصديق المعاهـدة دون عقبات ، وقـد نجح في ذلك رغم المقـاطعة في بغداد والاضطرابات فـي السليمانية وحـركة الشيخ محمود البرزنجي التـي فشلت جميعها في اعاقة الانتخابـات . فحقق مرشحوا الحكومة فوزاً ساحقاً ولـم تحصل المعارضة سوى علـى (13) مقعداً نيابيـاً ، وعنـدما اجتمع المجلس الجديد صادق علـى المعاهدة حالمـا عرضت عليه ممـا ادى الى استقالة قادة المعارضـة من المجلس فانفرد بـه حزب العهد الذي شكـله نوري السعيد من الاغلبية الحكومية ليحل محل حزب التقدم في دعم الحكومـة .
وفـي 3/ت1/1932 ، اصبح العراق عضواً فـي عصبة الامم فاستقالت وزارة نـوري السعيد على اساس ان مهمتهـا قد انتهت بنهاية الانتداب وشكلت حكومة جديـدة برئاسة ناجي شوكت وزير الداخليــة في الحكومة السابقة . وبعـد ذلك وفي 5/ت2 ، صدرت الارادة الملكيـة بحل البرلمان من اجل اجـراء انتخـابات للمجلس النيابي في المرحـة الجديدة من تاريخ العـراق .

•الكتـاب :
العـراق : تأسيس النظام الملكي وتجربته البرلمانية تحت الانتداب البريطاني ، تأليف : محمد مظفر الادهمي ، ط1 ، مكتبة الذاكرة ، بغداد ، 2009 ، 340 ص .
[email protected]    

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب