8 أبريل، 2024 6:56 م
Search
Close this search box.

تغييرات بيئية خطيرة في العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

عالميا ، صار العراق أنموذجا ومعيارا لكل ما هو سيء في هذا العالم ، من إهمال وظلم وفساد ، أرقام قياسية في السرقات والتبعية والخيانة ، وصار وزن مواطنيه تحت الصفر أزاء مواطني العالم ، لقد شهدنا دمارا شاملا طال جميع زوايا الحياة ، ومنها البيئة .

وفي الواقع فإن البيئة قد تدمرت لأنها بين نارين ، الضعف العام للثقافة البيئية العامة إلى درجة الأمّية ، وأهمال الحكومة وهو الأهم ، حتى بدأنا نشهد إختلافا في الطقس وكأننا البالوعة الوحيدة لكل ملوّثات الكوكب وإحتراره ، مع إختفاء الكثير من الأجناس الحيوانية والنباتية التي كان البلد موطنا لها منذ بدء الخليقة ، ولو عانى أي بلد في العالم شيء من معاناتنا ، لأجرت المنظمات البيئية الدراسات والفحوص الميدانية ، ولرصدت الكثير من لوائح التوعية وسن القوانين المشددة لتلافي إنقراض هذه الأجناس ، ولدقّت ناقوس الخطر أمام المنظمات الأممية المعنية وإن كنتُ لا أثق بها ، ولكن ماذا نقول سوى أنه العراق ؟! .

في السبعينيات ، لم تكن جميع البيوت مجهّزة بمبردات هواء لعدم الحاجة إليها صيفا ، وكنا نكتفي بالمراوح السقفية أو المنضدية فقط ، وفي الشتاء كان الماء يتجمّد في الأنابيب ، لم نكن نعرف شيئا عن موجات الغبار ، وكانت الأمطار الغزيرة ، والتي كانت تستمر لعدة أيام دون إنقطاع ، نظيفة تغسل السيارت والشوارع ، وأنتهى المطاف بأمطار شحيحة ، وكأنها أوحال تسقط من السماء ، في كل عام ، كانت الدولة تؤدي الإستحضارات لمواسم الفيضانات التي لم نعد نعرف عنها شيئا ، وعم التصحر بسبب إهمال الزراعة والأحزمة الخضراء ، بل قام أصحاب السطوة والمال في الأحزاب وغيرها ، بتحويل الكثير من المناطق الزراعية إلى سكنية ، لأنها تقع على ضفاف النهرين ، تاركين تأهيل الأراضي الخالية الأخرى ، وما يرافق ذلك من جرف للأشجار المعمرة ، خصوصا النخيل ، رمز البلد والحضارة ، والذي تناقص بصورة مخيفة ، ما بين القطع والتجريف ، وما بين تركها للآفات الفتاكة ، أو التعمد بقتلها عطشا ، فذوَت حتى الموت ، أرى الكثير من الأشجار التي نبتت في تربة وادي الرافدين منذ آلاف مؤلفة من السنين ، والإن صارت تحترق بسبب الحر ووهج الشمس الشديدين ، وليس من الصعب والعسير ، إستغلال هذا الوهج ، لأنشاء محطات متفرقة بالطاقة الشمسية لضخ المياه الجوفية إلى الصحاري التي تأكل أرض البلد الخضراء ، فقد سبق وعملت في شركة مختصة بهذا الحقل ، فببضع آلاف من الدولارات ، بالأمكان إنشاء محطة صغيرة ، تعمل آليا دون مشغّل ، فتسحب المياه الجوفية لغاية عمق 150 متر ، وبطاقة 3 م³ بالساعة ، وقمنا فعلا بنصب إحدى المحطات التجريبية في أحد صحاري مدينة كربلاء ، وفي بضعة أيام ، غمرت عشرات الدوانم من هذه الصحراء وأحالتها إلى بحيرة ، وعند زيارة الموقع ، وجدنا عدد لا يحصى من الإبل والأغنام تشرب منها ، ورعاتها ممتنون لنا جدا ، بإمكان هذه المحطات تحويل آلاف الدوانم من الصحراء إلى أرض خضراء ، تكون المنقذة الفعلية لمأساة البيئة ، لكن هذه المشاريع ، تحتاج لعقليات مثقفة نظيفة ومسؤولة ومواكبة ، وهذا غير موجود ! ، أسمع الكثير عن الطفيليات التي ترعرت وملأت بركنا المائية دون تحرّك لمكافحتها ، منها نبتة النيل الي تمتص كميات كبيرة من المياه الشحيحة أصلا .

كانت ديدان الأرض تغزو جميع أراضي حدائقنا ، وبمجرد غرز المسحاة في التربة ، تظهر بالعشرات ، وهي مفيدة لأنها تفتت التربة الصلبة وتعمل على تهوية الجذور ، بالإضافة إلى مفعول التسميد في فضلاتها ، لكنها إختفت هي الأخرى ، وماذا عن المبيدات الخطيرة والمسرطنة التي تُستعمل في الزراعة دون رقابة ؟ ، حيث تبقى في التربة لمدة 30 عام ، هذا ما صرّح به أساتذة في كلّية الزراعة للتلاميذ ، ومن باب المسؤولية أرسلت (إيميل) إلى موقع وزارة الزراعة منذ أسبوع للإستفهام عن هذه المسألة ، لكن دون جواب ! .

لا نرى هذه الأيام الفراشات الكبيرة الجميلة ذات الأجنحة السوداء المبقعة بالأصفر ، والتي كانت تعج بها حدائقنا ، فحلت محلها الصراصير القافزة والبعوض والذباب ، لست ضليعا بالأجناس التي كانت تعيش في وسط وجنوب العراق ، ويعلم الله ماذا حلّ بها .

ولأن الأهمال شمل كل جوانب الحياة ، منها ضعف التنمية والبناء والإسكان إلى درجة الإنقراض ، لجأ الناس إلى بناء العشوائيات التي صارت تحتل مساحات واسعة جدا ، وبات من الصعب جدا القضاء على هذه الظاهرة وتفكيكها ، لأن الحكومة سمحت لها أن تتراكم دون أن تتحرّك جديّا ، حتى صارت سرطانا حقيقيا من الصعب إجتثاثه ، والجميع يعلم مدى تأثير ذلك من ضغوط على الصرف الصحي والتخلص من النفايات ، والتجاوز على شبكات المياه والكهرباء ، بالأضافة إلى قبح هذه العشوائيات وتراكمها وكأنها قبور ، لأنها بنيت دون مراعاة لأي معايير .

لا أدري هل ينتبه المعنيون في البيئة (إن كان لنا معنيون) ، إلى هذه التغييرات الكبيرة ؟ ، بحيث إنعكست (ولا بد) على صحة المواطن العراقي ، فظهرت العديد من الأمراض الدخيلة الخطيرة والتي لم نكن نسمع بها ، ونحن لا نسمع عن أي بحوث ودراسات في هذا الخصوص ، فكيف ستحترم (نُخب) الحكومة ، البيئة العراقية ، نُخب لا شأن لها بالوطن والمواطن ، الذي جعلت منه الحكومة مثل (الهامستر) الذي يدور في دولاب في قفص إسمه العراق ، حيث يكون جهد الشرفاء شاق لكن عقيم ! ، لأن مآل هذه النُخب وأملاكها بل إنتمائها لبيئات نظيفة أخرى ، تقع خارج الوطن وتحمل جنسيتها ، فماذا نرجوا من هذه النّخب الحكومية ، وهي لا تحترم إنسانها ، كيف ستحترم بيئته ؟!.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب