في غمار التنافس الانتخابي بين المرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة, بعد ايام قليلة, على ايجاد افضل المواقع لرفع صورهم الدعائية, ولغياب اية ضوابط وقوانين تنظم هذه العملية تحول دون التجاوز على الممتلكات العامة والخاصة وشواهد البلاد التاريخية والعمرانية والثقافية, اختفى نصب كهرمانة والاربعين حرامي الذي كان شاخصاً في احدى اهم ساحات العاصمة بغداد وراء ركام من صور واعلانات المرشحين المثبتة بشكل عشوائي فوضوي شائه.
وبينما يبدو امر اخفاء النصب ورمزيته عن اعين المواطنين غير مقصوداً, لكنه, رغم كل شيء, يحمل دلالات كبيرة… فالنصب المستمدة فكرته من احدى حكايات ليالي الف ليلة وليلة, يصور صب كهرمانة الزيت الحار على اللصوص المختبئين في جرارٍ كبيرة, مع ملاحظة ان اغلب المتجاوزين على النصب يمثلون احزاباً متنفذة في السلطة متهمة شعبياً بسرقة المال العام واثراء قادتها غير المشروع على حساب قوت المواطن.
لكن ما يعزز شبهات تعمد بعضها, على الاقل, في حجب كهرمانة وراء ستار دعاياتهم الانتخابية… هي ان هذه الاحزاب لم تبد يوماً, اثناء فترة حكمها التي استمرت 15 عاماً, اهتماماً بالثقافة عموماً ولا بجمالية مدن البلاد ولم تشغل نفسها في الحفاظ على الشواهد التاريخية والحضارية فيها, لأنها غريبة على الذوق الراقي والثقافة, بل معادية لهما. لذلك لم يكن مستغرباً اهمالها لوجود النصب وجماليته ومنع التجاوز عليه وربما تكشف الايام عن تعرضه للتخريب.
فوضى الدعايات الانتخابية وطريقة توزيعها ومبالغة البعض بأحجامها التي تجاوزت على فضاءات المكان, كشفت عن مستوى متدنٍ من الوعي الثقافي لهذه القوى وبكونها غير قادرة على القيام بحملة دعائية انتخابية بوجه حضارى, لا شكلاً ولا مضموناً من خلال بعض الشعارات والتعريفات الهزيلة بشخوص مرشحيها التي ذيلت صورهم.
لقد عكست ممارساتها الدعائية المشوهة والمشوشة جوهر نهجها الفكري والسياسي في اللا نظام والفلتان الممتد منذ 2003.
انها ارتكبت بذلك فساداً من نوع جديد, انه تكريس فساد اشاعة القبح بعد حرمان حواضرنا من الخدمات.
بعد كل هذا, هل يا ترى سيصب المواطن لظى نار سنوات معاناته وحرماناته من سياسة حرامية بغداد المعاصرين كما صبت كهرمانة الزيت الحار على حرامية بغداد السابقين ؟