منظمة اليونسكو: العراق من أفضل الدول في بناء وتأليف المناهج
معاون مديرعام المناهج: المعلم والكتاب والطالب كلها عوامل مجتمعة هي التي تبني جيلًا منتجًا
ياسين أحمد طالب في الخامس العلمي، وهو يعاني من المنهج الجديد، والتنوع الذي أوجد خَللًا له ولزملاء الدراسة؛ لأن أغلبهم سيتوجهون إلى الفرع الأحيائي حتى لو كان مستواهم ضعيف؛ فتكون النتيجة في هذه الحالة، كل الطلاب يتوجهون إلى جامعات معينة مخصصة للفرع الأحيائي وسيتركون الفرع التطبيقي، كما أن تغير مناهج مرحله السادس العلمي جديدة على المدرسين الذين يحتاجون إلى دورات لدراسة المناهج المستحدثة، وهذا ينعكس بالسُّوء على الطلاب من حيث الوقت والمعرفة، ولأن الطلاب يحتاجون بعد نجاحهم من الخامس لدراسة المواد في العطلة ودخولهم دورات ودروس تقوية في أثناء العطلة، وهذا لا يمكن حصوله.
ويضيف ياسين قائلًا: إننا كما يعلم الجميع نحتاج إلى ملازم لتبسيط المادة والسيطرة عليها من قبل جميع الطلاب، وهذا لن نحصل عليه، ولا تتوافر طريقة لتبسيط المادة والسيطرة عليها من قبل الطالب؛ مما يعني التأخر في توفيرها وبالتالي سيكون عدد الذين يختارون الفرع التطبيقي قليل بالنسبة للفرع الأحيائي؛ لأن فيه مجالات أوسع، وهذا سيحرم الطالب من عدة خيارات، وهذا ظلم كبير للطلاب الذين يذهبون إلى الطبية ويجدون أنفسهم لا يستطيعون الاستمرار في هذا المجال لصعوبته أو لعدد من الأسباب، وبعدها لا يتمكنون من دراسة الهندسة أيضًا، وكل هذا يتطلب حاجة المدرسين والمدرسات إلى دورات وتدريس مكثف، وهذا يعطي انطباعًا سيئًا لعدم معرفتهم بالمادة.
رأي الإشراف التربوي بالتغيير
المشرف التربوي سمير العبيدي ذكر: تم البدء بتغيير المناهج للمرة الأولى بداية عام2003، بعد الحرب على العراق وشمل التغيير في بداية الأمر بمواد قليلة شملت التربية الإسلامية ومعها التاريخ، وطال التغيير بعض المصطلحات، وزيد عليها بعض الفقرات تخص بعض الطوائف وعلمائهم، كما ألغيت بعض العبارات التي تخص الحكومة السابقة والحروب التي خاضتها. واللافت للنظر أن مدير المناهج في وقتها أكد أن عملية تغيير المناهج اكتملت بعد ثلاث سنوات من البدء بالتغيير، وأن عام 2012 سيشهد اكتمال المشروع والانتهاء من التحديث المطلوب، الذي سيكون موازيًّا للتطور العالمي. الذي يثير الاستغراب أن بعد كل هذا التغيير والمفترض أن يثبَّتَ المنهجُ الجديد من أجل العمل على تقويمات التغيير الحاصل في الثلاث سنوات، نتفاجأ أن تغيير طاقم الوزارة الجديد. يأتي بمنهج وأسلوب مختلفين؛ مما يعني التحضير لحملة جديدة وكادر معاصر لهذه الحملة وتغيير مرتقب للنهوض بواقع تربوي معاصر تعتمد الوزارة عليه. وأضاف شهاب: التغيير قد يكون مطلوبًا، لأنه يعتبر نقطة تحويل وتطوير ماكينة العملية التربوية، ولكن اعتقاد هذا يمنع من إعطاء الوزارة الوقت المناسب لدراسة النتائج ووضع الخطط الكافية للتقويم؛ مما يعني عدم وجود خطة خماسية وهذا يربك العملية التربوية برمتها، ولهذا تحدث التغيرات لتربك الطلاب حتى المدرسين معهم، وبهذه الطريقة سيكون الانطباع أن التغيير عشوائيٌّ، ويعني ذلك أن الغاية منه مبهمة، وسيكون إنجاز تعاقب الوزراء على وزارة التربية هو تغيير مناهج بطريقة مضطربة وهدر في المال، واستلام عمولات من المطابع.
مدرسون يَشْكُون من عدم اكتمال سلسلة المنهج
المدرِّسة إيمان سعد تقول: موضوع تغيير المناهج قديم، ولقد تم تغيير مناهج كاملة؛ فمثلًا تم تغيير كتاب العلوم للمراحل المتوسطة، وتم تعويضه بكتاب الكيمياء والفيزياء المطبوعين عام 2014 ولكن بعد فترة قصيرة تم إلغاء هذا والعودة لكتاب العلوم الجديد 2017 وأتلفت نسخ الكيمياء والفيزياء، كما تم إلغاء كتاب القرآن والإسلامية، واندمجا بكتاب واحد لعام2017، وقد يتم العودة من جديد لفصلهما وطبع كتابين مستقلين فكل شيء وارد. وذهبت المدرِّسة إيمان إلى أكثر من هذا حيث قالت: هناك مأساة حقيقية مع تغيير مناهج؛ فلقد تم تغيير كتاب الإنجليزي وكذلك الرياضيات، ولكن بنظام السلسلة يعني المرحلة تكمل المرحلة السابقة؛ فكتاب الثالث المتوسط هو متمم للثاني المتوسط وكذلك الثاني يعتمد على الأول المتوسط، وأنا أجزم من موقعي هذا أن الطلاب لم يكملوا هذه السلسلة المنهجية نتيجة التغييرات المستمرة. إذا ما نظرنا للمشاكل التي واجهت التعليم العراقي في السنوات الأخيرة، سنرى أن المشاكل في تفاقم ملحوظ والتعليم والخدمات التعليمية المقدمة في تراجع، كانت المشاكل المطروحة ما بعد 2003 تتعلق بتغيير بعض المناهج. والتغيير المستمر في المناهج يُعد من المشاكل التي يعاني منها الطلاب بالإضافة إلى مشكلة الامتحانات الوزارية، ونظام القبول المركزي في الجامعات حيث يعتمد مستقبل الطالب العراقي على العام الدراسي الأخير، وهو ما يعادَل في الدول العربية بـ (الثاني عشر) الذي يقضيه في المرحلة الإعدادية، أما تحصيله في الأعوام الإحدى عشرة الماضية، أو رغبته وقدراته الفعلية؛ فليس لهما أي أثر في تحديد دراسته الجامعية، ويخضع الطالب في نهاية هذا العام الأخير في الدراسة لامتحان تديره وتشرف على تصحيحه وزارة التربية. فولد عندنا مناهج غير مدروسة، بالإضافة إلى مدارس طينية، وظاهرة انتشار المدرسة الخيمة
والمدرسة الكرفان التي خصصت للطلبة النازحين، وهذه منذ احتلال تنظيم داعش لمحافظات العراق، مع نزوح الملايين نحو شمال العراق وبغداد وبعض المحافظات الجنوبية، حيث يقدر أعداد التلاميذ الذين حُرِمُوا من التعليم بسبب داعش بمليون طفل بحسب منظمة اليونيسيف، نصفهم في المخيمات، وهناك من لا يزال تحت سيطرة التنظيم، فهل انتشار المدرسة الخيمة والمدرسة الكرفان الأوفر حظًّا في تغيير المناهج.
الأستاذ طريف عثمان تربوي متقاعد يقول: هناك أموال بالمليارات الدنانير خصصت لوزارة التربية وهي كفيلة بالارتقاء علميًّا بالبلد وعمليًّا من أجل رصانة التعليم وجودته، ومع كل هذا لم نجد العراق ضمن القائمة العالمية للجودة، ولا حتى في المراكز الأخيرة، والمفاجأة أن نسمع من أحد النواب أنه يطالب بإلغاء مجانية التعليم، وجعل التعليم مقابل المال. وأضاف الأستاذ طريف بالقول: لا شك أن مشكلة التعليم في العراق لم تكن وليدة اليوم، بل هي مشكلة قديمة، لكنها تفاقمت في السنوات الأخيرة، بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة التي أعقبت الاحتلال الأمريكي على العراق، والحروب المتواصلة والصراعات السياسية، التي أثرت بشكل كبير في المستوى العلمي. وفي ظل سيطرة الأحزاب الدينية والميليشيات على مفاصل الدولة كافة من جهة، وحرب تنظيم داعش من جهة أخرى، أصبح التعليم في العراق يواجه تحديات كبيرة، أبرزها تغيير المناهج، وسيطرة أحزاب دينية متنفذة على بعض المدارس، فضلًا عن تدمير الآلاف منها نتيجة المعارك. بالإضافة إلى هيمنة التعليم الديني على المناهج الدراسية في العراق، حيث أصبح الربط بين المناهج التطبيقية والتعليمية بالدين ربطًا حتميًّا في القضايا كافة التي يتلقاها التلاميذ في المدارس، وهذا كله يكرس الهوية الطائفية. فلقد قامت الحكومة بترسيخها وذلك من خلال إنشاء مدارس الوقفين الشيعي والسني ووضع مناهج وفقًا لطائفة المدرسة وميول الطلبة والعاملين فيها. وعن التعليم في المدارس العامة المناهج الدراسية العراقية المطبقة على الطائفة جعلتهم في وضع حرج للغاية، وقد تُحدث التغييرات التي قام بها وزراء سابقون على المناهج التعليمية مشكلات عقائدية على المدى البعيد، الأمر الذي دفع الوزارة إلى تغيير بعض المناهج في الآونة الأخيرة .
طلاب يطالبون بإتمام التغيير في العطلة
الطالبة سيدرا بكر قالت: نحن الطلاب نعاني كثيرًا نتيجة تغيير المناهج بشكل متكرر كل عام، حتى أصبحنا لا نستوعب المادة، وذلك لعدم ربط المناهج بين المراحل المتعاقبة كونها في تغيير مستمر، وغالبًا ما توزع المناهج على الطلاب بوقت متأخر، وأحيانًا قبيل انتهاء الفصل الدراسي الأول من العام. وأضافت: إن أغلب الطالبات حتى أهاليهم يعانون ظاهرة تكرار تغيير المناهج، كونهم يعتمدون على دورات التقوية التي تقام في العطلة الصيفية وينفقون عليها أموالًا كثيرة قد تصل إلى ألف دولار للمادة الواحدة.
التعليم في العراق يواجه تحديات كبيرة تنذر بانهياره ما لم يتم وضع خطة عاجلة لاحتوائه، حتى تساعد في حل مشكلة النقص التي أوقفت عجلة التطور والتعليم في العراق، وكل هذا يحتاج إلى آذان مصغية. ويذْكُر محمد الفلاحي، وهو ولي أمر له أبناء في الابتدائية والمتوسطة قائلًا: إنني أعاني كثيرًا من تدريس أبنائي بعد هذا التغيير، مع أن المرارة التي
ملئت الأنفس والأرواح بسبب تردي الحال في عموم البلاد، وليس في قطاع التعليم فقط، تدفعنا إلى التركيز على قطاع التعليم؛ لأنه عصب الحياة فإذا استشرى الظلم بغياب الإهمال المقصود للقطاع التربوي، وإلا كيف يمكن أن نفسر أن هنالك اليوم في العراق أكثر من 20% من الشعب لا يقرؤون ولا يكتبون! ويضف: المؤامرة التي يتعرض لها العراق كبيرة وخطيرة؛ لأنها تستهدف الفكر، وكل المؤامرات تتلاشى أمام المؤامرات التي يراد منها تدمير البلاد عبر التثقيف السلبي المتقوقع على أفكار غير متفق عليها، وبالتالي ستقود هذه السياسات إلى عواقب وخيمة في المستقبل المتوسط والبعيد. كما قال: كيف يمكن أن ننهض بالبلاد بينما واقعها التربوي في حالة مخيفة بكل أركانه الموضوعية، وعلى الرغم من كل هذه المأساة يبقى المعلم العراقي الرائد في مضمار التعليم، ويبقى الأمل قائمًا بأن تتحد الجهود لخلاص العراق من الاحتلال وأعوانه وأدرانه، والشعب العراقي شعب التحدي والصبر وستثبت الأيام صدق ما أقول، مع الاعتذار لكل المدرسين والمعلمين، فهم نجوم مضيئة في زمن الظلام الديمقراطية في عراق اليوم.
الوزارة تدافع عن التغيير
وقال المدير العام للمناهج مجيد العلاق: وزارة التربية أقرت مناهج جديدة ضمن العام الدراسي الجديد، وأنها ستبدأ بتدريس مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء باللغة الإنجليزية في مدارس المتميزين. وأضاف مجيد العلاق: إن التغيير سيشمل بعض المواد ومنها مادة الاقتصاد لمرحلة السادس الإعدادي الفرع التطبيقي وعلم الأرض للمرحلة الخامسة الفرع العلمي التطبيقي وللأول المتوسط مادة العلوم والرياضيات والثاني ابتدائي سيكون تغييرًا لمادة الرياضيات وسيكون تغييرهم أيضًا للعام المقبل. وإن العام الدراسي المقبل سيشهد أيضًا تدريس مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء باللغة الإنجليزية في مدارس المتميزين. وتابع حديثة بالقول: إن هناك تعاونًا وتنسيقًا بين المديرية العامة للمناهج والمديرية العامة للأعداد والتدريب والتطوير التربوي في مجال تدريب المدرسين والمعلمين، وهناك تنسيق يتعلق بالمناهج بمدارس المتميزين وثانوية كلية بغداد للمواد الجديدة التي أضيفت إلى المناهج. كما أن التدقيق والتأليف ومتابعة الطبع للمناهج تكون بإشراف المديرية العامة للمناهج، وذلك للارتقاء بتلك المواد. وأكدت تقارير لـ منظمة اليونسكو أن العراق والكويت أفضل دولتين في بناء وتأليف المناهج، مشيرة إلى أن العراق بدأ يخطو خطوات واضحة وكبيرة في مجال بناء وتأليف المناهج. وقامت وزارة التربية خلال السنوات الماضية بتحديث معظم المناهج الدراسية لكافة المراحل وبالتعاون مع منظمة اليونسكو، سعيًا منها للوصول إلى تعليم متطور يواكب المؤسسات التعليمية في الدول المتقدمة.
وأكد معاون مدير عام المناهج المدرسية في الوزارة الدكتور حسن محمد سميان قائلًا: كثيرًا ما نسمع كلامًا هنا وهناك على الوزارة، وما هذا إلا جزء من حملة رخيصة لاستهداف الوزارة وإعاقة الانطلاق والإنجاز. المعروف لكل متابع لقطاع التعليم في العراق أن التعليم هو تعليم إلزامي، كما في العديد من دول العالم، وأول قانون للتعليم الإلزامي شرع بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958، في حين شرعت الدولة العراقية السابقة بحملة مكافحة الأمية في أوائل سبعينيات القرن الماضي. وبعد الاحتلال الأمريكي
للعراق، دمرت الحياة في كل مجالاتها الحيوية، ومنها التعليم، حيث نجد أن آكلة الإهمال والأمية والتخريب المقصود قد أنهكت هذا القطاع الحيوي لنهضة الأمة. والمعروف أن العملية التربوية تتألف من المدرسة، أو المعلم والمنهج، أو الكتاب، والركن الثالث هو الطالب، فكل هذه العوامل مجتمعة هي التي تبني جيلًا منتجًا، والأهم من أركان العملية التربوية، وهو المعلم الذي نكن له كل الود والتقدير؛ لأنه شمعة تحترق في سبيل الآخرين. وأشار معاون مدير عام المناهج المدرسية إلى: إلغاء مناهج وإضافة أخرى وتعديل بعضها، وأن تأليف الكتب المدرسية جاء بعد الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في تأليف المناهج، واخترنا التحول إلى كتب تفي بالغرض وتناسب المستوى العلمي وتتيح رفد المجتمع بكفاءات قادرة على بنائه، وأن المناهج الجديدة تتضمن إشارات وتوجيهات لضمان حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة والصحة العامة.