بعد عام تقريبا من الاعتقال الاحترازي في احد سجون موسكو، قضت المحكمة بتغريم الصحفية والكاتبة والناشطة السياسية ناديجدا كيفوركوفا وأطلق سراحها مباشرة من قاعة المحكمة.
كانت قضية ناديجدا كيفوركوفا البالغة من العمر 66 عاما أثارت التساؤل حول ما إذا كانت التهم الموجهة لها من قبل الادعاء العام الروسي جدية وحقيقية، نظرا إلى أن الكاتبة المعروفة بدفاعها عن الشعب الفلسطيني وغطت جرائم الاحتلال الاميركي في العراق لم ترتكب جرما يبرر اتهامها بدعم الأرهاب حين استند الادعاء العام إلى منشورين قديمين على موقعها في تليغرام يعود الأول إلى سبتمبر (أيلول) 2018، وكان عبارة عن إعادة نشر تقرير للمراسل أورخان جمال الذي لقي مصرعه في ظروف غامضة أوائل أغسطس (آب) من ذلك العام في جمهورية أفريقيا الوسطى. وكان مقاله الذي كتبه قبل 8 سنوات مخصصاً للتعليق على هجوم مسلح وقع في مدينة نالتشيك (جنوب القوقاز) عام 2005.
وأرفق الادعاء نتائج فحص أجراه خبراء خلُص إلى أن النص «يحتوي على إشارات لتبرير أنشطة المشاركين في التمرد المسلح، ويخلق صورة مثالية عن الارهابيين”
والثاني منشور للصحفية نفسها يعود إلى سبتمبر من العام 2020
كتبت فيه ناديجدا كيفوركوفا أن مقاتلي «طالبان» الأفغانية يسعون إلى إطلاق سراح أسراهم من سجون نظام كابل في أفغانستان. ووجد الخبراء أن النص «يحتوي على إشارات تبريرية لأنشطة أعضاء حركة (طالبان) التي تُعَد إرهابية ومحظورة في روسيا».
الغريب ان موسكو تقيم مع حركة طالبان المدرجة في قوائم الارهاب علاقات تجارية وسياسية ولم تنقطع وفود الحركة والوفود الروسية ذهابا وإيابا من والى موسكو، كما أن موظفا رفيعا في وزارة الخارجية الروسية هو زامير كابولوف ، يمثل الرئيس الروسي لدى الحركة و يلتقي دوريا قادتها .
وقد طالب محامي الدفاع عن المتهمة، ، من المحكمة، استدعاء الممثل المفوض للرئيس الروسي في أفغانستان، إلى المحاكمة بوصفه شاهداً، حتى يتمكن من تأكيد عدم وجود خطر عام حالياً من نشر كيفوركوفا مواد عن ذلك البلد؛ لكن المحكمة رفضت الطلب.
الملفت أن السيدة كيفوركوفكا شخصية اجتماعية وثقافية بارزة مقربة من الكنيسة الروسية، وتخصصت سنوات في مجال تغطية الملفات المتعلقة بالأديان، وأجرت مقابلات مع بطريرك موسكو وعموم روسيا الراحل أليكسي الثاني، وممثلي جميع الأديان الرئيسية. كما أنها قريبة للغاية من قضايا الشرق الأوسط، وزارت سوريا عدة مرات، وأجرت لقاءات مع شخصيات عربية . وزارت غزة والضفة الغربية ونشرت كتابين أحدهما يحمل عنوان: «فلسطين. المقاومة» والثاني: «القدس لو كنت أنسى».
يمثل الكتابان علامة مهمة في الحياة السياسية والثقافية الروسية على خلفية هيمنة شبه مطلقة للتيارات الموالية إلى حد العمالة لاسرائيل و ترويج السرديات الصهيونية و ندرة الأصوات الموضوعية المنحازة لحقوق الشعب الفلسطيني والمناهضة للاحتلال.
وكان الشاعر والكاتب الكسندر بروخانوف، احد الأصوات النادرة القوية المتعاطفة مع محنة الشعب الفلسطيني، كتب توصية الى المحكمة دفاعا عن الصحفية، وكذلك الصحفي والكاتب مكسيم شيفشينكو طليق كيفوركوفا وقلة أخرى من الأشخاص.
الواضح أن الاكتفاء بتغريم الصحفية مبلغ 600 الف روبل (حوالي 6000 دولار أميركي) وإطلاقها من محبس استمرّ تسعة شهور لا لذنب؛ يعكس شعور المحكمة بعدم جدية التهم الموجهة للكاتبة وان من يقف وراء الدعوى الكيديّة، يرتبط بالأوساط التي تسعى لاحتكار الحقيقة في الفضاء الإعلامي الروسي احادي التوجه.