رفاهية الشعوب، وإنعاش حياتهم المادية، تتحقق بإزدهار إقتصاد البلدان التي يعيشون فيها، ولا يتم ذلك إلاّ من خلال حاكم عادل، يقوم بتوزيع ثروات البلاد على شعبه، على حدٍ سواء بين أفراده، دون تمييز بينهم.
الحكم الذي ينتهج سياسة مالية ، قائمة على نظام إقطاعي، أو رأسمالي، أو طبقي، ويتحكم في إقتصاد الدولة، ثلّة من البشر، يتلاعبون بالأموال، ويهدرونها يميناً وشمالا، لا يورّث هذا الحكم، سوى البؤس والحرمان والفقر المتزايد عند غالبية أبناء الشعب، كما أنه يتسبب بمشاكل وكوارث إقتصاديه للبلد.
في وقتنا الراهن، يسمي خبراء الإقتصاد، النظام العالمي الإقتصادي، بنظام الخمس، أي هناك 20% فقط من البشر في العالم، هم من يتحكمون بإقتصاد العالم، وباقي الناس يعانون من الفقر. لذا نشاهد اليوم ونسمع كثير عن البلدان، انها تعاني من أزمات اقتصادية، وشعوبها تشتكي من قلة فرص العمل، وكثرة البطالة، وليس ببعيد عنا الأزمة الإقتصادية التي ضربت العالم عام 2008، وعلى أثرها أفلست كثير من البنوك والشركات، وخسر آلآف من الناس وظائفهم، وكادت دول كبرى أن تفلس، لولا أن أجلت الى أجل مسمى، فعسى رؤساء الدول، أن يتعظوا، ويعيدوا النظر في النظام الرأسمالي، وينتهجون سياسة مالية عادلة في توزيع الثروات، والاّ سوف يتعرضون الى أزمات أشد، وبالتالي ستؤول الأمور الى ما آلت إليه في النظام الإشتراكي.
أعاد الإمام علي عليه السلام، المسار الصحيح للسياسة المالية في زمن حكومة رسول الله”صلى الله عليه وآله”، والتي تقوم على ثلاثة دعائم اساسية:
الدعامة الإولى: المساواة في التوزيع والعطاء، فقد ساوى بين المسلمين في العطاء، لم يفرق، ولم يميز قوماً على آخرين، فليس لأحد فضل على احد، لا عربي على اعجمي، ولا اسود على ابيض، ولا سيد على عبد.
هذه السياسة أثارت حفيظة الرأسماليين، الذين كانوا منتفعين من الحكومات السابقة قبل أمير المؤمنين عليه السلام، فأعلنوا عدم رضاهم عن المساواة في العطاء، وجائه جمع غفير منهم، يطالبونه بالعدول عن هذه السياسة، لكنّه عليه السلام أجابهم بحزم وقوة وصلابة:
(( أتأمروني أن أطلب النّصر بالجور فيمن وُلّيت عليه؟! والله لا أًطور به ما سمر سمير، وما أًمّ نجم في السماء نجماً ! لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنّما المال مال الله؟! ألا وإنّ إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس، ويهينه عند الله)).
النتيجة، بعد ان يأس هؤلاء النفعيون ، وأصحاب المصالح الضيقة، من أمير المؤمنين علي عليه السلام، قاموا بإشاعة الفوضى والأضطراب في عموم البلاد الإسلامية، للإطاحة بحكومة علي بن أبي طالب عليه السلام، وينقل ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة، قول المدائني، فقد كان يرى: ان من أهم الأسباب في تخاذل العرب عن الإمام علي عليه السلام، هو إتباعه مبدأ المساواة بين الناس.
إذا نظرنا لقوله عليه السلام اعلاه:(( اعطاء المال بغير حقه تبذير واسراف))، نعرف مدى التخبط في السياسة المالية، التي انتهجتها السلطة التنفيذية والتشريعية معاً، بعد التغيير في العراق، حيث لم يكن هناك أي توزيع عادل لثروة البلد، في ظل ميزانيات هائلة انفجارية، فهناك مرتبات شهرية ضخمة للمسؤولين الكبار في الدولة، في قبال مرتبات متدنية لكثير من الموظفين، مع أن الجميع هم عاملون في الدولة العراقية، بل ان موظف الخدمة الذي يرفع النفايات، أفضل بكثير من برلماني، دخل قبة البرلمان وخرج منها براتب تقاعدي ضخم، ونحن لم نسمع حتى بأسمه.
الإنسان المجاهد الصابر، الذي يقاتل عنك وعني وعن المسؤول، يبقى أشهر بدون راتب، أو يعطى راتب يكاد أن يسد رمقه، فهل توجد عدالة في التوزيع، أو المساواة بالعطاء عند المسؤولين؟!
المرتبات العالية، والعقود والصفقات الوهمية، واعطاء الأستثمارت للقريب، وابن الحزب، وابن العشيرة، لتكثر فيها السرقة، كلها أعمال ومشاريع، تندرج تحت عنوان التبذير والإسراف، والذي بدوره ينخر بجسد إقتصاد الدولة.
الحديث موصول..