7 أبريل، 2024 8:08 ص
Search
Close this search box.

تعليمات لقراءة الصحيفة

Facebook
Twitter
LinkedIn

جاء في كتاب افواه الزمن للكاتب ادواردو غاليانو ان الجنرال المكسيكي فرانثيسكو سيرّانو كان يدخن ويقرأ، غارقا في احدى أرائك النادي العسكري في سونورا،  الجنرال يقرأ الجريدة، والجريدة مقلوبة اعلاها الى اسفل، اراد رئيس الجمهورية الفارو اوبريغون ان يعرف:
هل تقرأ الجريدة مقلوبة دوما؟
اومأ الجنرال بالايجاب.
وهل يمكنني ان اعرف السبب؟
انها الخبرة ايها الرئيس، انها الخبرة.
حاليا لا احد يقرأ الجريدة بالمقلوب، ولكن هي الجرائد مقلوبة من اصلها على اساس الولاءات ، صديقي الكاتب والصحفي والشاعر يغادر للمرة الرابعة او الخامسة مبنى وكالة او جريدة، ويقسم انه لن يعود الى هذا الانحدار الاخلاقي والفكري، انها مهزلة ان تكون مثقفا وتعرف ترتيب حروف الكلمات وتتابع الاخبار السياسية، مهزلة حقيقية حين يطلب منك ان تدافع عن شخصية ما او عن منصب ما او عن ايديولوجية ما، والمضحك كما يقول صديقي هو في اثناء المقابلة، اذ يدعي رئيس التحرير او مدير التحرير ان الصحيفة مستقلة، والاكثر غرابة انه غادر جريدة مدعومة من السعودية  تدافع عن السنة كان يتسلم بها 400 دولار عن عموده الصحفي حفاظا على سمعته، ومالبث ان حط الرحال في جريدة تدافع عن الشيعة، فلعن القدر كما يقول وغادرها هي الاخرى، لانه لايريد ولايمتلك من الخبرة ان يقرأ الجريدة بالمقلوب.
ليست هناك صحافة مستقلة في العراق، ومن يتبجح بهذا فهو مدع كذاب، افقر الصحف هي من تعيش على ريع الاعلانات، وهذه ايضا تحابي فلان المعلن وعلان الآخر، ولو نظرنا بروية الى المرتبات العالية التي يتقاضاها بعض الكتاب والصحفيين لعلمنا ان مافيا كبيرة تقف خلف واجهة الاعلام العراقي بشتى انواعه، كان صديقي شاهدا على آخر صحيفة حيث كشف له رئيس التحرير عن مصروفات شهر واحد، وهي قد تجاوزت المئة مليون دينار عراقي، ما يعني ان الحساب السنوي لهذه الجريدة غير المقروءة يتجاوز المليار ومئتي مليون دينار عراقي، والجريدة تسترجع يوميا ولاتقرأ الا من قبل المعارف والاصدقاء، وقد لاحظ النقمة عدة مرات في لهجة رئيس التحرير الذي يحاول ان يرضي الممول، ونحن في هذا لانستثني الجهات الحكومية في تمويل صحف كهذه، فهناك تعاملات، وبمجرد ان تفتتح الجريدة حتى تنهال عليك العروض من هذا الطرف اوذاك كما قال رئيس التحرير للجريدة غير المعروفة، والتي يقرأها بالمقلوب عدة مرات، ليس للخبرة ولكن لانه لم يقرأ جريدة من قبل، كان يوافقني على اية فكرة اقولها، وانشر ما اريد، وقد وضعت فيها من الالغام ماوضعت ولكنها الغام كانت تجري باتجاه نبذ العنف والطائفية بعكس توجيهات الممول الذي يسكن دولة اخرى وكان فيما مضى صديقا  لعدي ابن صدام حسين، ترددت كثيرا قبل ان اكتب هذا المقال، لانهم يمتلكون السلاح ويستطيعون التصفية والازاحة، ولايسلم منهم الا الذي يسير على خطواتهم، ومع هذا اردت ان اضع بين يدي القراء ان الشعارات الطائفية التي ترفع بين الحين والحين هي صناعة لاناس خبراء في هذا المجال ، انها لاشباه فاوست من الاعلاميين من الذين باعوا شرفهم والذين راحوا يزمرون على لحن الدول التي تمول الصحف او لحن الحكومة التي رأت انها فاشلة اعلاميا فراحت تطلب من الوكالات والصحف الناشئة ان تدافع عنها وهي تستطيع ادامة صدور هذه الصحف عن طريق التسهيلات التي ستقدمها في دوائر الدولة والاعلانات، لا انسى فرحة رئيس التحرير وهو يزف خبر التحقيق الذي اجري ضد احدى الوزارات فتنازلت هذه الوزارة واعطته الاعلانات هدية منها على ان يتكلم في المستقبل لصالحها، ولا انسى صاحب المسدس الذي طلب مني ان امدح رئيسه بعمود صحفي بسيط، انها ديكتاتورية الاعلام في العراق، الاعلام الذي ذهب شرقا وغربا ووضع الامور جميعها بالمقلوب، حصد بالنتيجة مافعلت يداه ، فقد خرجت الصحف عن السباب والنزاع على صفحات الجرائد الى الهجوم المسلح والذي طال صحفا غير معروفة والقائمة طويلة والآتي اعظم.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب