18 ديسمبر، 2024 7:43 م

تعليقات على تشييع مظفر النواب

تعليقات على تشييع مظفر النواب

ليس هناك شك في محبتي لشخص الراحل الكبير مظفر النواب، وإعجابي بأغلب شعره العاطفي، أما السياسي فله حكاية مختلفة لا ضير من طرحها للنقاش، فالأمانة تفرض علينا أن نكتب للتاريخ.

فالمثير للاستغرب، فعلا، أن الراحل، وهو اليساري الإنساني الذي هزته أحزان المواطن الفلسطيني، ودفعت به إلى شتم جميع الحكام العرب، “لا أستثني منكم أحدأ” لأنهم لم يَشهَروا سيوفهم لتحرير عروس عروبتهم، كان ساكتا، تماما ونهائيا، عن وطنه العراق، ولم يهبط عليه الوحي الشعري، منذ مؤتمر فينا 1992، وحتى الغزو الأمريكي، فالاحتلال الإيراني.  

ومحبوه وعشاق شعره الثوري العراقيون الكثيرون كانوا ينتظرون منه أن يكتب لهم شيئا بنفس اللغة السابقة التي كتب بها عن الاغتصاب الصهيوني الإمبريالي لفسلطين. خصوصا وأن شعب (الريل وحمد) و(القطا الحدر السنبابل) أصبح تحكمه شلل الجهل والضلال والخرافة والاغتيال وقتل المتظاهرين، وأنه أصبح أكثر من الشعب الفلسطيني احتياجا لأن يُعينَه شاعر بوزن مظفر النواب، ولو بقصيدة واحدة، على الديكتاتورية الجديدة، وعلى الرجعية والفساد، والعملية السياسية المغشوشة التي فرضها ثلاثة يُفترض أنهم من أعدى أعداء الشاعر الشيوعي اليساري، عقائديا ومبدئيا إنسانيا، وهم الحاكم الأمريكي بول بريمر والمرجع السيستاني وإيران.

ولجزئية سكوته هذه تفسيراتٌ ومبررات، منها أنه لم يرد أن يزعج اللجنة المركزية لحزبه الشيوعي العراقي بسبب تحالفها مع أحزاب المعارضة العراقية السابقة الإسلامية والإقطاعية الممولة من أمريكا، والمدارة من قبل مخابرات إيران.

كما لم يكن، كما يبدو، رافضا دخول رفيقه سكرتير اللجنة المركزية للحزب، حميد مجيد موسى، إلى مجلس الحكم، والتزامه بنظام المحاصصة الذي كافأه فأعطاه وزارة الثقافة، ثم استمراره في شراكته مع حكام العصبيات الطائفية والعنصرية والمناطقية التي لا تقرها المباديء والعقائد اليسارية بأي حال من الأحوال.  

وليس معقولا أن شاعرنا الكبير كان يجهل أن الإسلاميين المتعصبين السلفيين، عبد العزيز الحكيم وابراهيم الجعفري ومحمد بحر العلوم، لم يقبلوا بأن يكون حزبٌ شيوعي علماني (ملحد) شريكهم في (الجهاد)، خصوصا في مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت 1991، إلا لأن حميد موسى وأحمد الجلبي وأياد علاوي شيعة، حتى لو كانوا علمانيين.  

ثم لم يكن خافيا ما ربط بينه وبين آل الأسد من ود عميق أجبره على السكوت، منذ عام 2011، عن براميل بشار الأسد المتفجرة، وجرائم المليشيات الإيرانية، ومجازر  الاحتلال الروسي التي حولت سوريا الآمنة الجميلة إلى خرابة.

ويُسجل على مظفر النواب أنه لم يقل ولو بيتا واحدا، ولو تلميحا، يهاجم فيه نظرية الخميني القائلة بتصدير الثورة الإسلامية الطائفية العنصرية الطائفية المتخلفة إلى دول الجوار. 

ثم مات شاعرنا الكبير في الخليج. ومن هنا تبدأ المهزلة. فقد حولوا جنازته إلى ساحة حرب لتصفية حسابات أحزابهم وشللهم ومعسكراتهم.

ولو قدر لمظفر النواب أن يمد رأسه من نعشه لصرخ بهم قائلا،

لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم     
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم”.      

فقد غامر أواحد منهم بالحضور، فسارع خصومه الإطاريون إلى جعله شيطان عدوهم الصدري، وأمروا عبيدهم ومحاسيبهم برجمه.

والملاحظ أن أحدا من أصدقائه الشخصيين، من أيام المعارضة السابقة ومهرجاناتها الشعرية في السيدة زينب، كنوري المالكي وبيان جبر صولاغ وممثلي جلال الطالباني ومسعود البرزاني والحزب الشيوعي العراقي، لم يتجرأ فيظهر بين الجماهير في الجنازة.

فهؤلاء الزعماء القادمون إلى السياسة من دكاكين العطارة والسباكة وقدور الكبة وإبر الخياطة وقطع غيار السيارات، مدركون، من تجارب لهم سابقة في البصرة والناصرية وبغداد والحلة والنجف وكربلاء، أن ظهرور أحدهم بين حشود الجماهيرالعريضة مغامرة خطرة قد تكون مميتة، وأن ما حصل لزميلهم في جنازة مظفر النواب سيكون في انتظارهم في كل جنازة أخرى قادمة.

وذلك لأنهم يعلمون علم اليقين بأن فواتير حسابهم لدى شعبهم قد تجاوزت حدود المحتمل والمقبول والمعقول، وأن أحذية الغاضبين وأحجارَهم وهتافاتهم (مظفر للشعب مو للحرامية) لهم بالمرصاد،  خصوصا وأن جياع الشعب، والعاطلين عن العمل، والمنتهَكة كراماتُهم، والمسروقة أرزاق عيالهم، باسم الدين والطائفة وعلي والحسين، أصبحوا يُعدّون بالملايين.

هذا رأي شخصي لا يرفض النقاش. مع الاعتذار لذكرى شاعرنا الراحل الكبير.