18 ديسمبر، 2024 10:19 م

تعلم … قبل أن تكتب أو تتكلم

تعلم … قبل أن تكتب أو تتكلم

للكلمات معاني ومقاصد ، ولا أزال مرددا عنوان مقالتي شعارا لمعالجة الخطأ الأكبر ، فلسنا ضد من يدلو بدلوه ، رأيا أو وجهة نظر أو مقترح أو إعتراض ، ولكننا نريد الإستفادة من ذلك في تقويم ما نمتلك منها لأي موضوع ، لإيماننا وإعتقادنا المطلق بأن الرأي والرأي الآخر ، تلاقح أفكار ورؤى صناعة وإنتاج وتسويق الأفضل من القابل للتطبيق ، بأحسن وأبسط الإجراءات القائمة على بذل الأقل من الجهد والوقت والكلفة . ولعل أول ما يتقاطع ويتصادم مع تحقيق المطلوب من ذلك ، إصرار البعض على الإستناد إلى عناصر الجهل ، المتمثلة بعدم الإلمام بالمبادئ والقيم والقواعد العامة التي نظمها الدستور وفصلتها القوانين والأنظمة ، التي من حق المواطن المطالبة بتعديلها أو تبديلها على وفق ما تقتضيه المصلحة العامة حاليا أو في المستقبل ، وبذلك لا تجوز المطالبة بفرض حالة تتعارض وأحكام الدستور أو القانون ، مثل تغيير النظام السياسي ، أو تقليص عدد أعضاء مجلس النواب ، أو إلغاء ( الكوتا ) ، أو تفسير الكتلة النيابية الأكثر عددا ، أو تقليص أو زيادة المستحقات من المكافآت والرواتب والمخصصات أثناء الخدمة أو بعدها … إلخ ، ما لم يتم تعديل الدستور أو القانون أولا ، لأن الخوض في مواضيع غير قابلة للتطبيق قبل التعديل أو الإلغاء ، مضيعة للوقت ، وإثارة لكل عوامل الفتنة والفوضى والإرتباك .

وعليه نرى إقتصار القيام بالبحث أو الدراسة على من يجيد الكتابة والحديث مهنيا بالموضوع المطروح ، المدعم بأسانيد التشريعات النافذة ، تجنبا للسرد الفاقد لإثبات الحقيقة أو الوقائع ، ولا بأس من زيادة الموضوع ورفده بالآراء والمقترحات المساعدة على تحقيق الإصلاح والتغيير ، ضمن إطار المناقشة والحوار الهادف والمؤسس على قواعد السلامة الفكرية والتشريعية ، وليس الجدل العقيم ، ومحاولة فرض الحالات التي ليس لها من رصيد الأعراف والتشريعات من شئ ، مثلما هو الحديث الآن عن الفراغ الدستوري أو الفراغ التشريعي الذي يتغنى به البعض ، تمهيدا لبحث وإقرار تمديد مدة عمل مجلس النواب لعدة أشهر ؟!، متجاهلين عدم الحاجة لذلك ، مع مخالفته لنص المادتين (56 و57) من الدستور ، حيث يعطل مجلس النواب مهامه التشريعية والرقابية لمدة أربعة أشهر في كل دورة إنعقاد سنوية ، وبما مجموعه سنة وأربعة أشهر خلال مدة الدورة الإنتخابية ، المحددة بأربع سنوات تقويمية غير قابلة للتمديد ، بدليل النص على أن مدة الدورة ( تبدأ بأول جلسة له ، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة ) ، وليس بعد الإنتهاء من تمديد .

إن وجوب التوجه في ممارسة مهنية الخطاب ، لغرض إزالة الظلمة بالإضاءة ، هي البداية الصحيحة والسليمة لتحقيق المطلوب ، وليس بالتخبط وزيادة الهوة والإختلاف مع المختصين ، بترديد الإشاعات وإقحام الإملاءات العشوائية المنفلتة من عقال الضوابط الإدارية المعتمدة ، لأن القول الفصل في الحل ، يكمن في المنافسة الإنتخابية وإحلال البديل الذي يحقق المطالب بالتشريع ، وتلك هي أعلى مراحل الشرعية من أجل التغيير ، لإرتباطها بأساسيات مهنية قانونية وإجتماعية جماهيرية ، لابد من فهم مقتضيات ومتطلبات تطبيقها ، لذلك نجد تقييد النشاطات الواردة في المادة (38) من الدستور ، التي تعتمد لغة الكتابة والكلام في ممارستها بعد كفالة الدولة لها ، بشرط عدم الإخلال بالنظام العام والآداب ، لتعلقها بحريات التعبير عن الرأي بكل الوسائل ، ومنها على وجه الخصوص ، الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر ، والإجتماع والتظاهر السلمي الذي ينظم بقانون ، لأن فكرة النظام العام والآداب تقوم على أسس نسبية ومعيارية متغيرة ، تختلف من مجتمع إلى آخر ، بإختلاف المقاييس الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية المعمول بها ،‏ كما تتبدل مع تطور الحياة والمجتمع وإختلاف الزمن ، فيصبح المحظور مباحا والممنوع مرغوبا أو بالعكس ، إضافة إلى ما يزداد بالتجديد والتطور والنماء .

وعليه فإن تلك القاعدة غير الثابتة في التعامل مع مبدأ الحريات العامة والخاصة ، لا تكون إلا قيدا وسيفا مسلطا على رقاب المعارضين للنظام العام الذي تؤمن به السلطة الحاكمة ، خاصة عندما تشعر بإهتزاز كرسي حكمها بسبب نشاط سياسي كانت تمارسه والآن تحاربه ، وبعدما عدته يوما عقبة كأداء في طريقها ، لتتخذ منه حاليا سدا منيعا في وجه من يخالفها فيه ، ويبقى الأمل معقودا في تحديد المفهوم العام للنظام والآداب ، بما يجعلهما من أركان ما تكفل به الدولة حق المواطنين ، في ممارسة حريات هن من الحقوق الواجب رعايتها والإهتمام بها إلى أعلى المستويات ، بدلا من ترك تحديد أطرهما العامة لسياسات الحكومات المتغيرة والمستبدلة مفاهيمها للحريات ، عند وبعد كل إستبدال لها بالوسائل الديمقراطية أو القسرية ، وخاصة في دول العالم الثالث المتميزة بعدم الإستقرار الفكري العقائدي ومنها ما تضمنته البنود الثلاثة المكونة للمادة المذكورة .

أثبت ذلك رغبة في إثراء ما يكتب بالرأي الناضج والسليم ، بدلا من إعفاء الكتابة من النقد والتصحيح ، الذي أجده متقدما على سواه في زمن النشر والحديث ، والكلام والتصريح غير الخاضع للدقة أو التمحيص ؟!.