الكثير من مكونات الشعب العراقي وأطيافه – وكاتب المقال منهم – غاضبين من تصريحات كاكه (مسعود البارزاني) رئيس دولة كردستان ، حيال موقفه والشعب الكردي من تداعيات الأزمة الحالية وما ستؤول إليه مستقبلا”. ذلك لأنها جاءت في وقت العراق يمر بأسوأ أزماته وأكثرها خطورة على حاضره ومستقبله ، حيث الجماعات المسلحة تحتل ثلث أراضيه وتهدد بالمزيد من جهة ، وان مستوى الاستقطاب للمكونات والتجييش للنفسيات بلغ الذروة من جهة أخرى ، هذا بالإضافة إلى كونها تلامس مناطق حساسة في المخيال الجمعي ، ليس من السهولة بمكان تقبلها بهذه الصيغة المفاجئة . ولكن لو تجردنا من هذا الموقف العاطفي ونظرنا إلى الأمور من زاوية واقعية / برغماتية ، لكان لزاما”علينا امتداح مواقفه واستحسان تصرفاته ، لماذا ؟! . بداية لسنا في وارد التعريض (بالأشخاص) بقدر ما نروم التعرض (للمواقف) ، ولسنا بصدد المفاضلة بين السياسيين (كأفراد) عاديين بقدر ما نسعى لتقييمهم (كزعماء) مسئولين . والحال لماذا تحاول هنا تقريظ مواقف السيد (مسعود) من خلال تقويض مزاعم خصومه ومعارضيه ، على الرغم من الطابع الاستفزازي لتصريحاته والتوجه الانفصالي لسياساته ؟! . بماذا يتفوق كاكه (مسعود) على هؤلاء وأولئك الذين ينتقدون سياساته وينددون بمواقفه ، لكي يحملنا على مناشدة المناهضين له على ضرورة أن يتعلموا منه كيفية تقييمه للعملية السياسية وإدارته للأزمات – من منظور مصالح الشعب الكردي القومية طبعا”- قبل أن يوجهوا سهام نقدهم الطائشة ضده ، ومن ثم أن يكفوا عن أسلوب التعالم عليه في الخيارات الإستراتيجية ، والمزايدة ضده في الخطابات الوطنية . فالواجب يقتضي فيمن ينتقد الآخرين في قضية من القضايا أن يكون أفضل منهم ، على الأقل في المجال الذي يعتقد أن خصمه أساء التصرف حياله ، أو أخفق في التعبير عن عنه والتعامل معه بما يلزم من الحنكة ورجاحة العقل . أما بخلاف ذلك فان من الكياسة وحفظ ماء الوجه التزام الصمت والإشاحة عن تسقط الهنات ، ومن ثم التخلي عن التبجح بما لا يملكه من موقف ولا يقوى عليه من تصرف . لماذا لا تكونوا – يا سادة النقد – أندادا”له في الحرص على مصالح شعبه ، حتى وان كان قاسيا”في التعبير عن ذلك الحرص وشديدا”في التأكيد عليه ؟! ، ولماذا لا تنافسوه في وضوح الرؤية ودقة التشخيص وسط أتون الفوضى الضاربة أطنابها ، وتكونوا موازين له في القدرة على الإمساك بالحلقات المركزية لقضيته القومية ، وسط هذا السيل من الأحداث والانثيال من المشاكل ، حتى وان تجاوزت تلك الرؤية حدود المركزية الشرعية ؟! . لماذا لا تتبنوا السياسة التي ينتهجها في التعامل مع خصومه وحلفائه على حدّ سواء ، بحيث يعرف كيف ومتى يخاطب الأولين لاستمالتهم لصالحه ، ويجامل الآخرين لتعزيز موقفه حيال ممانعاتهم ضد مواقفه وتحفظهم على سياساته ؟! . لقد سبق لي وان طرحت – في مقال سابق (علم السياسة والعقليات الزقاقية) – مسألة أفضلية حكومة الإقليم الكردستاني حيال إدارته ملفات التأزم مع الحكومة المركزية ، أوضحت فيه أنه لا يضير ولا يقلل من اعتبار هذه الأخيرة مبادرتها الاستفادة من الكيفيات الناجحة التي يباشر من خلالها الأول ضمان حقوقه وتأمين مصالحه ، طالما أنها أثبتت فاعليتها ونجوعها في التعامل مع الآخر ، الذي لا يفتقر فقط إلى الخبرة والدراية اللازمين لمثل هذه الأمور فحسب ، وإنما يصر على تجاهلها والتعامي عنها عن سبق إصرار وتعمد . اعلموا يا فرسان النقد (اللابناء) إن من خصائص السياسي الناجح هي ؛ أن يتعلم من الآخرين دون عقد أو حساسيات ، حتى ولو كانوا خصوما”له أو أعداء ضده . أما أن تركبوا رؤوسكم وتأخذكم العزة بالإثم وتعتبرون أنفسكم أكبر من أن تتصاغروا أمام من هو أكفأ منكم في القيادة السياسية ، وأحرص منكم في الذود عن مصالح شعبه ، فتأكدوا إذن إنكم ستكونون أول الخاسرين لمحبة الشعب وآخر الرابحين لدعمه ومؤازرته . إن من يراجع سجلاتكم السياسية طيلة السنوات العشر العجاف ، سيلاحظ إن الدافع لانتقادكم السيد (مسعود) ما هو إلاّ كلام حق يراد به باطل ، فحرصكم الكاذب وتباكيكم المرائي على وحدة العراق أرضا”وشعبا”، لا يعدو أن يكون محاولة يائسة لتطهير أنفسكم من الآثام التي ارتكبتموها بحق هذه الأرض وهذا الشعب حقا”وفعلا”. فإذا كان السيد (مسعود) البارزاني يريد حقا”فصل إقليم كرستان عن العراق وتأسيس دولة قومية مستقلة ، ما هو (مثلكم الأعلى) حيال مستقبل العراق الموحد ، الذي يمكن أن يغري الأكراد للتخلي عن هذا المسعى الانفصالي ؟! . إني أعلم علم اليقين – كما يعلم الجميع – إن مثلكم الأعلى ليس سوى مصالحكم الشخصية ونزواتكم الأنانية . وأخيرا”تأكدوا إن ضياع العراق سيكون على أيدكم لا على أيدي سواكم ! فالسياسات الخاطئة التي لا تحسنون سواها ، والمواقف المشينة التي تملكون بديلا”عنها ، في ظل بلد تتآكله الصراعات الطائفية وتتقاذفه المصالح الفئوية ؛ لن يقتصر ثمنها الباهض على التقسيم الجغرافي للكيان العراقي إلى دويلات ثلاث متنازعة فحسب ، إنما سيتمخض عنها ويترتب عليها شروع المكونات بولوج مرحلة الاندثار الحضاري ، حيث يعودون كما كانوا من قبل أقوام يغزو بعضها البعض الآخر لأغراض السلب والنهب ، وقبائل يفتك بعضها بالعض الآخر تحفزهم مشاعر الكراهية للمغاير وغرائز القتل للمختلف !! .
[email protected]