17 أبريل، 2024 9:15 ص
Search
Close this search box.

تعلمت الدرس من لسعات السوط

Facebook
Twitter
LinkedIn

 من دفاتر طفولتي
 ابان الستينات في مدينة كركوك لم تكن هناك أبسط وسائل تسليه أو لهو للاطفال ، ولما كنا صغارا نفتقر الى اهم حلقه مهمه نقضي خلالها بعض المتعه خلال فترات الفراغ الواسعه ، كنا نلتجئ الى المشاكسه والعبث ، ونثير الفوضى في البيت والمدرسة والمحلة ..
في يوم صيفي ، وفي منطقة شاطرلو ، مرقت عربة في الشارع العام تجرها حصانان .. أغرتني ان اهرول واتبعها ، واجلس على الانبوب الرابط بين إطاريها الكبيرتين ، واختفي تحت مظلتها .. كيف لا وان هذا الانبوب كان يخلو هذه المره من الاسلاك الشائكه التي توضع في الغالب لتحاشي جلوس الاطفال في هذا المكان المغري لهم..
المهم جلست في هذا المكان وأنا أشعر بسعادة عارمة ..كنت أشم رائحة روث الحصانين ، وأطرب لسماعي وقع حوافرهما ، وكأنها موسيقى رائعه ، وكلي قناعة ان صاحب العربه لم ينتبه لي .. 
لكن لم تمض العربه سوى بضعة أمتار ، واذا بسوط السائق يأتيني على وجهي بدلا من أن يصوب الى الحصان محدثا صوتا فيييييييييييييوووووو ..
شعرت خلالها بحرقه وألم شديدين .. تكوّرت في مكاني .. واذا بضربة أخرى ، وثالثه.. أما الرابعه فكانت القاضيه حيث جاءت على اذني اليسرى ، فأسقطتني على الارض ، وصرت أتدحرج وأفرك براحة يداي الصغيرتين آثار الضربات المبرحة ..كنت محظوظا لأني نجوت من السيارات التي أعقبت تلك العربة ..
من يومها تعلمت الدرس ، وكنت كلما أشاهد هذه العربات التي تجرها الفرس أتذكر لسعات الضربات وحرقتها ، والعن طفولتي ..
ما دعاني الى تذكر هذه الحادثة مشاهدتي لأطفالنا اليوم ولعبهم الالكترونيه الحديثه والمتطورة والتي تستجيب لمخيلتهم لمجرد لمس شاشاتها الملساء بأصابعهم الصغيرة ، وانا أتسائل مع نفسي ترى لو كانت هذه التكنلوجيا متوفرة في زماننا هل كنا نعبث ونشاكس ونملأ الدنيا فوضى وضجيجا ؟؟ 
اليوم برغم وجع الضربات المتلاحقه جراء ذلك السوط اللعين أحن الى طفولتي ، والى كركوك ومحلاتها وأزقتها : –  شاطرلو – القلعه – عرفه – حديقة مستر تيسو – الكانتين – سينما العلمين الصيفيه – سينما الخيام – شارع اطلس – سوق القيصريه – امام قاسم – قوريه – والمحطه ، و..و..و.. أحلم أن تعود تلك البانوراما الرائعه  برغم حرماننا من كل وسائل اللهو واللعب ..
عنكاوا

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب