22 ديسمبر، 2024 11:50 م

تعديل قانون الأحوال الشخصية كارثيا يرسخ الطائفية ويمحو الطابع المدني

تعديل قانون الأحوال الشخصية كارثيا يرسخ الطائفية ويمحو الطابع المدني

اثارت الجلسة التي عقدها مجلس النواب العراقي صبيحة 23 تموز، موجة من الجدل والانتقاد الحاد على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ان قررت لجنتا المرأة والطفل والقانونية تعديل قانون الأحوال الشخصية بشكل مفاجئ!, تذهب مسودة التعديل باتجاه إضفاء شرعية على الزواج خارج المحاكم وإلزام الأخير بتصديق هذه العقود.,, حيث يمكن للأفراد عقد قرانهم وفقاً لمذاهبهم الخاصة دون أي منع , لسماح بتزويج القاصرات، وتتعرض الفتيات لفقدان فرص التعليم والنمو الشخصي والمهني، بالإضافة إلى ازدياد العديد من المشاكل الاجتماعية مثل ارتفاع نسب الأمية وتعرض الأطفال لخطر الضياع, تتضمن التعديلات المقترحة بنودا خطيرة، منها: يسمح للزوجين باختيار المذهب الشيعي أو السني الذي سيطبق أحكام الأحوال الشخصية عليهما، ويتم إنشاء مدونات شرعية للأحوال الشخصية، واحدة للشيعة وأخرى للسنة. في حال تعذر تحديد الحكم المشهور في الفقه، يتم الرجوع إلى رأي المرجعيات الدينية. تشكل هذه التعديلات مخاطر جسيمة على المجتمع العراقي، منها تعدد القوانين المطبقة على الأحوال الشخصية، مما يخلق فوضى قانونية ويصعب حل النزاعات. يتم تهميش دور القضاء في تطبيق أحكام الأحوال الشخصية، مما يهدد باستقلاليته ونزاهته، وتهيئ هذه التعديلات الأرضية لصعود الجماعات المتطرفة، وتشجع على التمييز الطائفي, التعديل يقضي أن يتم التفريق وفقا للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي، للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما، بما يتعلق بالحقوق.ويتضمن التعديل أيضا، إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية.
كما تتضمن تعديلات أخرى تفقد طابع العدالة بين الجنسين، وتعطي الفقه السلطة أكبر من الطابع المدني الذي يجب أن تعمل به المحاكم. بالإضافة إلى ذلك، يتم تكييف بعض النصوص بشكل قسري مع القوانين ذات الطابع المذهبي، مما يكرس الطائفية بغطاء قانوني. التعديل المقترح يقسم العراقيين وفقاً للمذهب، بما يكرس النزعة الطائفية المقيتة التي ألحقت أضراراً جسيمة بالمجتمع العراقي، وأشعلت الحروب والانقسامات التي ما زلنا نعاني من آثارها لغاية يومنا هذا. فهل هذا التوجه لتعديل القانون وفقاً للمسودة المقدمة ينسجم مع الادعاءات برغبة القوى السياسية الماسكة بالسلطة في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وبالتالي الأمني والاقتصادي ,, تعديل القانون سيسبب تفككاً للأسرة، حيث إنه “سيسمح بارتفاع حالات الطلاق التي هي ضمن عصمة الرجل، ويفتح له مخاوف الانفصال وما يترتب عليه من تبعات، مما يؤدي إلى تفاقم النزاعات الأسرية، وبالتالي يؤثر على استقرار الأسرة وتماسك المجتمع, أي تعديل يجب أن يركز على مصلحة الطفل أولاً وقبل كل شيء، وليس على مصلحة الأب أو الأم بشكل خاص. وحذر من أن تحويل الحضانة من الأم إلى الأب قد يكون له آثار سلبية، بما في ذلك زيادة حالات العنف الأسري وعدم الاهتمام الكافي بالأطفال”، كما أضاف أن “الأطفال يحتاجون إلى الرعاية من الأم بشكل خاص، وأن سحب الحضانة من الأم قد يؤدي إلى آثار وخيمة على المجتمع العراقي , التعديل قد يؤثر بشكل سلبي على حقوق النساء، خاصةً من المذهب الجعفري، أن التعديلات المقترحة ستؤدي إلى مشكلات إضافية، مثل تزوير أعمار الفتيات لتزويجهن قاصرات، وتضييع حقوق الأطفال في الحضانة بسبب الاختلافات المذهبية، بالإضافة إلى إلغاء الزواج المدني الذي يعتبر جزءًا من النظام القانوني المدني في العراق.
التعديلات المقترحة، إذا تم تمريرها، ستؤدي إلى تقسيم العراق طائفياً تحت غطاء قانوني بما يشمل قضايا الميراث والحضانة والحقوق الزوجية، ويفسح التعديل والذي قدمه أحد النواب المحسوبين على الإطار التنسيقي، اللجوء إلى رجال الدين الشيعة والسنة للتقاضي في قضايا الميراث والزواج والطلاق، وحضانة الأطفال , التعديل يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت، وللولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل كان ينوي تخييره بعمر 7 سنوات فقط
لا تكاد الاعتراضات تنقطع على مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي صدر في عهد عبد الكريم قاسم عام 1959، وحذر خبير قانوني الزوجات العراقيات، من “شرعنة زواج المتعة والمسيار” وبالتالي “الخيانة الزوجية”، طبقاً للتغييرات المقترحة، كما سرد مجموعة من المشاكل ستطرأ في تفاصيل الميراث والانفصال وسن التزويج وغيرها،
الاحزاب الاسلامية تحاول ان تشرع قانون جديد يكرس لمذهب والطائفية , اعتماد مذهب الزوج فقط، دون الاكتراث لمذهب الزوجة في الزواج والطلاق , وكذلك موضوع نفقة الزوجة ستكون مشروطة بالاستمتاع بها، أي لا تستطيع الزوجة الحصول على أموال النفقة من زوجها ما لم تمكنه من نفسها, يبيح الزواج للفتيات بسن 9 سنوات، وهذا زواج أطفال وليس زواج قاصرات , هذا القانون يجيز الزواج المؤقت، وهو ما يعرف لدى المذهب الحنفي بالمسيار ولدى المذهب الجعفري بالمتعة، بالتالي هو يشرعن الخيانة الزوجية، فليس من حق الزوجة الاعتراض، فزواج بعلِها تم بشكل شرعي وقانوني, هذا القانون يحرم الزوجة من الميراث، في العقارات والأراضي، وهذا موجود في المذهب الجعفري , والاخطر تكون الأم المطلقة أحق بحضانة الولد حتى يتم السابعة ويشترط عدم زواجها لأخذ الحضانة. ما يعني أن الأصل في الأمر يصبح حرمان الأم من الأحقية في حضانة أبنائها عندما يتموا السابعة من العمر وحرمانها من الأحقية في الحضانة مباشرة إذا تزوجت مرة أخرى لكن لا يشترط في الأب عدم الزواج لنيل حضانة الأبناء. يحق للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية، وفق المذهب الذي يختاره ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم, واعتبر قانونيون ان اتعديل يمثل صدمة وكارثة كبيرة على المجتمع العراقي، وبالفعل سيطلق رصاصة الرحمة على المجتمع، باعتباره سيكون رديفا أو يُلغي القانون الحالي ويؤسس لمحاكم أخرى خارج سلطة القضاء،
انتقد خطيب وإمام مسجد أبي حنيفة عبد الستار عبد الجبار، يوم الجمعة، بشدة طريقة صياغة تعديل قانون الأحوال الشخصية من قبل أعضاء في مجلس النواب من المكون الشيعي,وتطرق عبد الجبار في خطبة صلاة الجمعة إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية، وقال إن “هذا التعديل تمت صياغته بنفس طائفي ممقوت , وأضاف أن “برلمانيين طائفيين من الشيعة يساومون الأبرياء لكسب مصالح فئوية ضيقة، وهم لا يستحقون ان يكونوا اعضاء برلمان فقد أعدوا بتعديل القانون لائحتين إحداها سنية واخرى شيعية، ثم يقولون نحن لسنا طائفيين”، مردفا انهم “لما لم يتمكنوا من أن يقروا تعديل قانون الاحوال الشخصية عارضوا قانون العفو العام
وعدت الناشطة في حقوق المرأة ريزان شيخ دلير، المادة 57 من قانون الأحوال المدنية العراقي (وصمة عار) في جبين الدولة, وأعربت الناشطة الحقوقية، عن أسفها إزاء “إصرار مجلس النواب العراقي على تعديل المادة 57 من قانون الأحوال المدنية للقضاء على حق تربیة وتبني الأطفال من قبل أمهاتهم، بدلاً من أن تكون تضحيات الأمهات محط احترام وتقدير ودعم مشاریع القوانین المهمة للحفاظ علی حقوقهن, فيما علقت رئيسة كتلة الجديد في مجلس النواب، سروة عبد الواحد، خلال تدوينة ، قائلة: “رئاسة مجلس النواب حذرتنا من التحدث عن البرلمان، ونحن نقول فعلاً إن البرلمان مؤسسة عريقة ولا أحد يستطيع المساس بها، لكن حينما تضع الرئاسة جدول أعمال وبناءً على طلب نائب واحد تقوم بتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يمس كل العراقيين، فكيف نرد عليكم؟وأضافت: “إن تمرير هذا التعديل يقسّم العراق. ثانياً، من يتحدث باسم المرجعية ويقول إن المرجع الأعلى دعا إلى هذا التعديل لتقسيم العراق فعليه أن يعطينا دليلاً واضحاً وصريحاً على هذا الكلام”. وأكدت: “لن نقف مكتوفي الأيدي ,واكدت سروة عبد الواحد رفضها لتعديل قانون الأحوال الشخصية في الوقت الحالي. وأشارت إلى أن “هذا الموضوع يتعلق بالمذاهب المختلفة، واوضحت عبد وعبرت عدد من الأحزاب السياسية الوطنية عن رفضها القاطع لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية. حيث قال الحزب الشيوعي في بيان صادر عنه إن “قانون الأحوال الشخصية النافذ الذي شرع في فترة حكومة ثورة 14 تموز، تتضمن أحكامه تحقيق حالة متوازنة، تستجيب لواقع المجتمع العراقي بكل أطيافه، وفيها ما ينصف المرأة والطفل، ويحقق مصلحة العائلة والمجتمع. فضلاً عن كونه يتلاءم مع المواثيق الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان التي صدرت خلال العقود الأخيرة ,كما أكد تحالف قيم المدني رفضه لإدراج مسودة مشروع التعديل في جدول أعمال المجلس, ودعا البيان الجماهير الرافضة للمحاصصة الطائفية والمذهبية، ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية إلى توحيد جهودها للوقوف بوجه قوى التخلف والفساد التي تحاول فرض هيمنتها المذهبية والطائفية والتصدي لأي محاولة لضرب الوحدة الوطنية,, ناشطات حقوقيات اعتبرن محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية دون إعلام مسبق أو إشراك منظمات المجتمع المدني “مساومة على حقوق الأسرة وليس فقط حقوق النساء والفتيات”، معبرة عن قلقها إزاء تأخر تشريع قانون الحماية من العنف الأسري في العراق منذ عام 2008، الذي تعتبره أكثر أهمية وضرورة من التعديلات التي يحاول مجلس النواب تمريرها، بشكل خفي. أوضحت إياد، أن “التعديل المقترح سيلغي تجريم الزواج خارج المحكمة، مما سيؤدي إلى انتشار عقود الزواج غير الرسمية ويفتح الباب لزواج القاصرات دون السن القانوني، مما يشكل خطرًا جسيمًا على صحة وسلامة الفتيات ومستقبلهن,
أن هذا التعديل قد يسهم في تفتيت المجتمع العراقي بدلًا من توحيده، في وقت حاسم يتطلب تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الهوية العراقية, التعديلات المقترحة، إذا تم تمريرها، ستؤدي إلى تقسيم العراق طائفياً تحت غطاء قانوني, التعديل سيكون له انعكاسات اجتماعبة ونفسية واباحة لجسد المرااة, وشرعنة حقيقية للدعارة, والتعديل سيضعف التوازن القانوني، حيث تتضمن بعض المواد تمييزاً بين الجنسين، وهو انتهاك لحقوق الإنسان ويزيد من الفجوة بين الجنسين , تبا لبلد يديره اصحاب العمائم ويتسيده نواب متخلفون فاسدون, حسبي الله ونعم الوكيل

ليس من حق المواطن العراقي أن يعترض على تعديل قانون الأحوال الشخصية ، ولا يملك أن يشكو من تحول مجلس النواب إلى قاعة للمناكفات السياسية ، ولا يملك أن ينتقد أوجه الخلل في عمل بعض الجهات الرسمية .. فكل ذلكم هو نوع من الوقوف ضد شرع الله كما أخبرنا النائب رائد المالكي .
إذن المطلوب منا أن نتغاضى عن الفساد وسرقة المال العام وغياب الخدمات والانتهازية ونرضى بما مقسوم لنا من شرع الله الذي اختصره النائب بقضية الأحوال الشخصية ، فهو حسب رأي “الشيخ” النائب أفضل وأحسن من التنمية الصناعية والزراعة والتعليم والضمان الصحي ورعاية عوائل الشهداء والقضاء على بطالة الشباب.
أرجو قبل أن ندخل في صلب الموضوع ألا يقول البعض لماذا تهولون الأمور، وتريدون أن تثيروا النعرات الطائفية ؟ وسأقول للمعترضين نحن لسنا ضد أي معتقد إذا كان يحترم خيارات الآخر، ونحن مع قوانين تخدم الجميع .. لكن أن يستخدم البرلمان للترويج لقوانين لا تهم العراقيين ، فأعتقد أن هذا أمر مرفوض، والأهم أنه لا يجوز لأي نائب أن يعتبر نفسه وصياً على العراقيين .
إن أي عاقل يدرك جيداً أن الدفاع عن ألاعيب النواب وقوانينهم الغريبة والعجيبة ، يدخل في باب النصب والتدليس السياسي، وأن استدعاء الدين وتسخيره لخدمة الطائفية لعبة خطيرة أقرب إلى اللعب بالنار، خاصة إذا كان البعض يصر على تبرير فشل البرلمان في أداء دوره التشريعي والرقابي .
لماذا يريد توظيف الدين الحنيف عنوة لتبرير قهر المرأة العراقية وغياب الخدمات ونراهم يستبعدون الدين الحنيف الذي جعل من المساواة والإخاء والوقوف ضد ضد الظلم وسرقة أموال اليتامى والمساكين، واستغلال السلطة للمنافع الشخصية فرضاً على الجميع، أين يقف الدين من نائب يحصل على مخصصات سكن تبلغ ثلاثة ملايين دينار شهرياً، فيما راتب عائلة فقيرة لا يتجاوز الثلثمائة دينار عراقي؟ ، سيقف الدين حتماً إلى جانب البسطاء ومعاناتهم.
ينبغي على مجلس النواب العراقي أن يكون مجلساً للناس وليس مجلساً لنواب يريدون أن يتحولوا إلى شيوخ يطلقون فتاواهم التكفيرية ضد الذين يختلفون معهم ، أن يفهم مجلس النواب أن المواطن العادي لا تشغله البيانات الحكومية، ولا يشغله أن يلبس المسؤول بدلة رجل دين ، لا يشغلهم أن نقول له إن إنتاجنا النفطي وصل إلى 4 ملايين برميل، أو أن قانون الأحوال الشخصية سينقذك من الضلال ..المواطن حداً أدنى من الحياة الكريمة، وظيفة ومسكناً ومأكلاً وأملاً في الغد.
إن الخطر الذي يواجهنا اليوم هو الفتاوى التي يسعى النواب من خلالها إلى قتل الروح الوطنية في النفوس، الخطر الحقيقي من الذين يضعون الاعتبارات الطائفية والحزبية فوق المصالح الوطنية.

كان قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ومازال مرجعية لتنظيم احكام الاسرة واستقرارها ضمن تغطية تشريعية شملت كل الاحكام المتعلقة بالاسرة من الزواج والبنوة والنفقة والفرقة والحضانة والمواريث وسواها من الاحكام الاخرى ولمدة زادت على الستة عقود في التطبيق، وقد تماهى القضاء العراقي مع نصوص المدونة تلك فكانت له اجتهادات مشهودة ساهمت في ذلك الاستقرار من خلال الاحكام القضائية المعززة لمضامينه النصية. هذا القانون كان احد قوانين البناء المؤسسي للدولة العراقية الحديثة، وما يحسب له ايضا هو تعامله مع القواعد الشرعية وانتقاء الافضل منها ومن دون التقيد بمذهب معين ومن ثم صياغتها على شكل قواعد قانونية هدفها ترسيخ هوية المواطنة والابتعاد عن الهويات الفرعية اذ جاءت احكامه مستوفية لاسباب التشريع من حيث رصانة العملية التشريعية وصدق الصياغة القانونية فكان لها قصب السبق في المحيط الاقليمي الذي كثيرا ما تمنى باللحاق بهذا المنجز التشريعي العراقي. يحسب له ايضا مع هذاالعمر المديد ان لا شكوى تناولته لا من اطراف الدعاوى ولا من المؤسسة القضائية او اصحاب الشأن القانوني من اكاديميين او باحثين حتى مجيء دعاة الهويات الفرعية والنزوع نحو تغليب الهوية الطائفية فكثرت مشاريع القوانين الموظفة لهذا الغرض واخرها المشروع الحالي المعروض امام مجلس النواب اذ في حالة اقراره فاننا قطعا سنواجه الاثار الاتية:
اولا – ترسيخ الهوية الطائفية ومغادرة الهوية الوطنية ودفع البلد الى مرحلة ما قبل الدولة، فبدلا من الدولة ومؤسساتها وحكم القانون فان نصوص المشروع سوف توزعنا على الهويات الفرعية لنكون نهبا للمختلف عليه في الاراء الفقهية التي تنشر ثقافة الذي يجوز ولا يجوز وتتحكم بمستقبل العائلة ضمن منظور فقهي ضيق بعيدا عن الاحكام التي اقرها الدستور المتعلقة بالوظيفة الاجتماعية للاسرة كونها اساس المجتمع في الدولة والمكفولة من قبلها من حيث الامومة والطفولة والشيخوخة المادة (29) من الدستور. يضاف الى ما تقدم فان نصوص المشروع تخول رسميا رجال الدين لابرام عقود الزواج رغم ثبوت كونهم السبب الرئيس في زواج القاصرات، فضلا عن ثبوت عوزهم المعرفي في الامور الشرعية المتعلقة بعقود الزواج الموثقة من قبلهم اذ كثيرا ما تتجه محاكم الاحوال الشخصية الى عدم تصديقها للمخالفات الشرعية فيها.
ثانيا – المشروع يعطل المساواة امام القانون الواردة في المادة (14) من الدستور.على سبيل المثال ان الزوجة على المذهب الجعفري لا ترث مما يتركه الزوج من الاراضي لا عينا ولا قيمة وهذا ما هو مثبت في مشروع قانون الاحوال الشخصية الجعفرية المحتفظ به لدى مجلس النواب، في حين ان الزوجة على المذهب الحنفي ترث من زوجها الاراضي استنادا لاحكام المواريث الواردة في سورة النساء، هذا مثال على عدم المساواة امام القانون، ومثال اخر على عدم المساواة هو ان المذهب الحنفي يشترط شاهدين عدلين على عقد الزواج اذا لا ينعقد الزواج من دونهما، في حين ان المذهب الجعفري لا يشترط الشهود على عقد الزواج ويعد الزواج منعقدا ومستوفي لاسبابه الشرعية من دون حاجة الى الشهود. يلاحظ ان قانون الاحوال الشخصية 188 لسنة 1959 اشترط في عقد الزواج شهادة شاهدين عدلين متمتعين بالاهلية القانونية وطيلة فترة تطبيق القانون فان اي من اتباع المذهب الجعفري الذي يروم أبرام عقد الزواج امام المحكمة يأتي بشاهدين عدلين طاعة للقانون اولا ومن اجل التوثيق والاشهار على العقد المذكور ثانيا، وبهذا النهج يكون القانون قد ارسى ثقافة المساواة امام القانون.
ثالثا – لاسيادة للقانون مع وجود هذا المشروع – سيادة القانون تعني ان المواطنين ومن يحكمهم ملزمين بطاعة القانون، وسيادة القانون جاءت نصا في احكام المادة (5) من الدستور. فأذا اقر مشروع التعديل من قبل مجلس النواب واصبح قانونا نافذا فان للمذهب الجعفري احكامه وللمذاهب السنية احكامها ايضا واي منهما غير معني بالنصوص القانونية التي تخص الاخر ولا يلزم بطاعة قانون الاخر. فعلى سبيل المثال ان للمذهب الجعفري احكاما خاصة به في عدة المطلقة ولديهم ان: (لا عدة للمطلقة اذا كانت صغيرة لم تكمل الـ (9) سنوات هلالية من عمرها) فهذا النص لا طاعة له في المذاهب السنية لعدم الجواز الشرعي بالزواج في هذا العمر وعندما تكثر النصوص غير القابلة للطاعة تتوقف وظيفة سيادة القانون لابل ان القانون يتخلى عن التعريف الذي اشتهر به والذي ينص على انه: (مجموعة القواعد القانونية العامة المجردة التي تنظم العلاقات بين الافراد او بينهم والدولة ويلزم مخالفها الجزاء). اذ لم يعد القانون قاعدة عامة تلزم المواطنين كافة ويسقط القانون عن تعريفه اعلاه ولا يلزم قطاعات واسعة من المواطنين.
رابعا – السلطة التشريعية الرديفة – مشروع القانون يخلق سلطة تشريعية رديفة موازية لمجلس النواب وهي فتاوى واراء الوقفين الجعفري والسني فالفتاوى لديهم (تشريع) وبذلك تكون هناك سلطة تشريعية اخرى تكون لفتاواها نفس القوة القانونية للتشريعات التي يصدرها مجلس النواب رغم ان الوقفين المذكورين هما مؤسستين حكوميتين منسوبتين الى السلطة التنفيذية بموجب قانونيهما ولا ينتسبان الى المؤسسة الدينية حسبما يفهم من نصوص التاسيس. يلاحظ ان فتاوى الوقفين تعد تدخلا في شؤون السلطة القضائية وتخالف احكام المادة 88 من الدستور اضافة الى انه يهدر مبدأ الفصل بين السلطات.