23 ديسمبر، 2024 2:40 م

تعددية المحكي في استباقية المحور السردي

تعددية المحكي في استباقية المحور السردي

قراءة في رواية ( خضر قد و العصر الزيتوني )
للروائي نصيف فلك
يقدم الروائي العراقي نصيف فلك في روايته ( خضر قد والعصر الزيتوني ) ثمة حكايات و فصول تدور حول اشكالية الواقع الحياتي للمواطن العراقي في زمن حكومة
النظام السابق في العراق .. أي تلك الحياة التي كانت مفروضة بعواملها القسرية و الكابوسية و الغرائبية و القهرية على مجريات حياة المواطن المغلوب على أمرحينذاك . أن رواية ( خضر قد و العصر الزيتوني ) ما هي إلا صناعة محكمة الأدوات و التأمل في مدار الكتابة و الإحاطة التامة بواقع حيوات الكائنات العراقية في جغرافيا و تضاريس محيطها النفسي و العاطفي و الاجتماعي ، حيث راح يطرح فيها السرد صورة و مشاهد و دلالات مثيرة في الأهمية و عمق الإنجاز في الخطاب الروائي .

       ( العنوان ظهورية زمنية ما قبل النص )                                

ان القارىء لدلالة عنوان ( خضر قد ) لربما سوف يواجه
ثمة إشكالية ما في التعرف على ماهية دال مثل هكذا عنونة
غريبة ، لأنها جاءتنا عنونة لربما لا نجد لمثلها في رفوف
المكتبات السردية . غير أننا و نحن نطالع مسار محكي
النص نفسه نفهم ضرورة و قيمة و مغزى مثل هذه الأمثولية
العنوانية في الرواية : ( و كان بين من حضروا رفيق
ــ موحان ــ الذي تقدم يخاطب خضر : ــ انت شاب لطيف
و مثقف .. شبيك مخبل نفسك و صاير مضحكة و نصبة ؟
تواعدني تبطل هذا الخبال ؟ و خضر يجيب : ــ قد ؟ يعاود
رفيق موحان حديثه بنفس النغمة : ــ إذا انت تعبان نفسيا ..
تعال وياي لمستشفى أبن النفيس لو نروح للطبيب أختصاص
.. تجي ؟ ــ قد ؟ .. ــ يا أخي حرامات تروح بالرجلين و
تضيع شبابك أنت تدري بنفسك لولا ؟ أخاف يغلفونك لو
يطكوك بالدهن و الناس ما تدري أنت صحيح مخبل لو
عاقل ؟ أنت تضحك على الناس لو الناس تضحك عليك ؟
خضر عيني لا تخلي الناس تضحك عليك و لا تضحك
أنت على نفسك ؟ : ــ قد ؟ و أستمر الحوار هكذا بين رفيق
موحان الذي يتكلم بالعامية مرة يخاطبه بلين موارب و مرة
بتهديد و وعيد بينما خضر لا يجيب إلا ب ( قد ) الفصحى
الملتوية حتى ضج الحاضرون بضحك متهتك لا يستر عورة
ولا يلبس عليه ثوب / و منذ تلك الحادثة التصقت ــ قد ــ
بخضر أينما حل و ارتحل ) من هنا ندرك مغزى الكيفية
الدلالية في عنونة ( خضر قد ) فيكون النص الروائي بهذا
التشخيص إيغالا نحو نزعة صفاتية مجردة بفاعلية جوهر
الرمز الأسمي للشخصية الروائية في النص ، ولكنها تشمل
مع ذلك كل الكائنات في فضاء الرواية ، إذ إن تسمية (خضر
قد ) قد جاءت موزعة بدلالاتها التوطيدية ميادين كافة
المصائر الشخوصية الساكنة في قرار متن الأحداث و لدرجة
وصول الأمر الى حدود نهاية من مصير المسعى الروائي
الخطي . و تبعا لهذا الحال نشاهد حكاية و محكي شخوص
رواية نصيف فلك و قد انبثقت من وحدات بنائية مقاربة في
مداها التأويلي في معاينة محسوسية الرؤية الفضائية من
داخل ضمير ( السارد الشاهد / المؤلف الضمني / البطل
السردي الواحد ) و على هذا الأمر جرى زمن السرد في
دائرة النص عبر زمان و مكان ذاتية لسان و ضمير السارد
البطل و ضمن استقرائية نسبية في لسان حال الشخوص
التي راحت تتحرك في مسارية المروي بصفات لا تميل الى
لسان حالها الظرفي أحيانا ، بل أنها إجمالا تمرر بصفات
حقيقة عين و ضمير و هوية و لسان حال السارد المركزي
الذي هو عبارة عن صياغة خاصة متصلة بإحالات رؤية
الشخصية المركزية في الرواية ( خضر قد ) .

     ( حالات التمايز في دائرة الانطباع التشكيلي )

لقد تصرفت القابلية التشكيلية و التوظيفية في دلالات مصير
تركيبة خط الشخصية المحورية ( خضر قد ) في مجالات
موفقة من حسن و سلامة ( التأثير المقابل ) إذ إن جل حالات
واقعة الأحداث في حركية التمايز النصي قد حل في معطى
موضوعة النوعية الخارجية للأحداث المتصلة بالمحور
الروائي على هيئة جملة انطباعات يومية سياقية معاشة من
زمن زوايا حياة الشخصية المحورية وما حولها من شخوص
ظرفية على حد تقديري الفهمي لوحدة التبئير العرضي في
صيغة المشفر المحوري : ( موقف محوري = خضر قد =
السارد العليم = فعل مشترك = التأثير المقابل = اتساعا
مؤثرا في ظروف انبثاقية المسار الحدثي ) و على الرغم من
أن حالة المروي في فضاء السرد تجرى عادة على لسان
حال السارد أو المؤلف الضمني ، إلا أننا كقراء كنا نستشعر
بأن هوية و نواة مجليات صوت السارد كانت عائدة الى حالات وعي المحور المركزي الشخوصي ( خضر قد )و
بهذا المسعى كانت ظروف السرد جميعا في الرواية تسير
نحو إشاعة الذاتية الانعكاسية في مؤهلات و علاقات
و ذات الشخصية ( خضر ) و بصورة تبدو مرتبطة إستباقا
مع جو إضافية أصوات الشخوص الأخرى في موقف و
جوهر الرواية : ( تلك الليلة شهدت آخر لقاء بين كريم
كشكول و صديقه  ــ خضر قد ــ بقيا ساهرين مع حديث
طويل متأخر الى أذان الفجر و ناما / أستيقظ كريم فلم يجد
ــ خضر قد ــ هو متعود على شطحات و نزوات صديقه فلم
يهتم بخروجه المبكر تذكر ضاحكا أجوبة إخلاص أخت
ناصر على الحزورات و استرسل مبتسما يتمشى في دروب
ذاكرته حتى وصل الى الحديقة الكبيرة وهو لا يزال ممددا
على الفراش حتى انفجر ضاحكا من لقب ــ قد ــ الذي
التصق بأسم ( خضر ) أثر الحادثة التي تشبه مشهدا مسرحيا
عندما كان خضر يدعي الجنون ) احتوت رواية نصيف فلك
على تعددية ما في الأصوات الشخوصية لدرجة التشابك
السردي في دائرة المحكي الذروي وصولا الى وسائط
حوارية داخلية تعادل الأبعاد الأيقونية في فكرة المحور
المركزي للرواية . إذ أنها من جهة ما تبدو أحيانا زوائد لا
قيمة لها من ناحية الفكرة التكوينية في عضوية العرض
السردي و الجوهري في موقف عالم الشخصية و الموقف
المحوري . و من جهة ما تبدو أحيانا و كأنها حلقات تتابعية
في مظهر ضرورات التشكيل الصوري في زمن هوية و
مفهوم الشخصية ( خضر قد ) في التقديم المباشر وغير
المباشر . أي أنها تبدو بعبارة موجزة محض معادلات
ضمائرية يتوزعها ضمير مسار الحدث النصي و ضمير
خطوطية شكل المبئر الآخر في أفق المسرود الأعتمادي
لحركة و جهة نظر المؤلف نفسه . 

      ( الملامح : الداخلية / الخارجية )
عندما نقرأ أحداث رواية ( خضر قد و العصر الزيتوني )
تواجهنا ثمة سمات تكوينية خاصة نقصد من وراءها
بفكرة الملامح الداخلية أي تلك الصفات التي تتمتع بها
الشخصية الروائية من الناحية النفسية و الاجتماعية و التي
لا تظهر أحيانا على الشكل الخارجي و السطحي من زمن
دوال خطية إجرائية المروي في الكتابة الروائية الظاهرة ،
بل أنها تظهر و تتعمق في دواخل الشخصية الباطنية ولا
يمكن التدليل عليها إلا بموجب وسائط صورية نفسانية
خاصة تقوم برسم فصول دواخلها أي الشخصية و ما يعتمل
فيها من مشاعر و أفكار و أحاسيس و رؤى خاصة قصديا
: ( أنا الآن على قمة جبل قنديل خلعت بيريتي و رميتها من
فوق أعلى قمة للهزيمة : الهزيمة من حرب أما أقتل فيها
شخصا لا أعرفه أو يقتلني فيها شخص لا أعرفه ) إذ يبدو
التجسيد الاظهاري هنا قد جاء على محمل اشارة إحالية الى
مسبب خارجي من نوع تعيين إيقاظ صورة مقابلة في ربط
الآخر التراكزي و على نحو صار يؤشر فيه الى أمكانية
أخرى في أوج انبثاق ملامح الشخصية الداخلية و مشاعرها
الآنية في اللحظة المعلومة من زمن انعكاسية صوت
الشخصية الداخلي إزاء مؤشرات صور الآخر في اللحظة
الآنية من زمن دلالة صوت الأنا الشخصية .. و على هذا
الأساس تتبادر لنا اطلاقية المشفر الحسي لدى الشخصية
( خضر قد ) و قد باتت من حولها قرائن المشاركة في فرز
ملامحها الداخلية و الخارجية بموجب صوت المقابل
المنعكس في نقطة دوال التعيين اللاشخصي و اللامكاني
و اللازمني و اللاضمائري . حيث يبدو الغرض منها
رجوعيا و استعاديا لمعرفة ملامح التصور الداخلي إزاء
متواليات التقارب الأصواتي المبئر في خلجات سلوك و
مظهر الآخر اللاقياسي الكامن في نزوعات ذاتية المحور
في مسارية الرواية : ( فزت من الكابوس و رأت رضيعها
يضحك / ربما أضحك على نفسي و أنا أرتدي دشداشة
حمراء بلون الدماء التي لطختني / لقد أوحى لها سقوط
الصورة و تهشيم الزجاج بأنني في محنة أو ورطة / ذلك
رأس نجا من طاحونة الحرب رأس فر الى أدميته / دخلت
الغابة دون أن أدري حسبتها بضع أشجار صماء بكماء
عارية / أمشي أمشي حتى أختنقت بعظام الأشجار متداخلة
متلاحمة إيباغ .. هذي غابة جيثوم أتحسسها ) و يبلغ
التصور الحلمي في بانوراما اللقطات ( الداخلية / الخارجية)
الى أقصى لقطة كبيرة ذات بعد بؤري عميق بدءا من دخول
( خضر قد ) الى الحدود الأيرانية حيث أقتحامه الممتحن في
متواليات دوال زوايا مستوى ( نصف حلم = الآخر /
الاستباقات = الاسترجاعات = الشخصية المركزية = الآخر
الانعكاسي في قرينية الأنا الشخصية ) و تبعا لهذا الشأن تم
أيقاظ منظور الآخر الشخصي في مسافة و حجم تداخل
الأصوات الحلمية في ذاتية صوت الأنا الشخصانية الساردة
بوصفها الشاهد و المشاهد معا .

       ( حلمية تأسيسية في مساحة اللاوعي التشخيصي )

في رواية ( خضر قد و العصر الزيتوني ) يلاحظ في مسار
نمو السرد ثمة مشاهدة من قبل الروائي نفسه من أجل أنشاء
لغة كابوسية قريبة من هالة هواجس الفنتازيا الحلمية ، و قد
نجح الروائي على بعثها داخل مؤثرات و مشفرات مخابىء
تماثلاته السردية التوصيفية المبطنة بروح مقامات التضمين
في أعضاءه الساردة إيحاءا : ( دخلت في أغماءة تلاشت فيها
الوجوه المعوجة المكشرة و أختفت الأصوات الزاعقة كما
أختفى هذا المهاجم المميز بشراسته الذي كان ينقض على
خصيتي و اروغ منه ثلاث مرات / أنقطع كل شيء من
حولي حتى جروحي و ألمي و التشوش و الدوار و الخوف /
كلها انقطعت فجأة أنه الموت إذن أنقذني من محنتي بضربة
واحدة / لم اتيقن بالضبط هل مت دهرا ثم أحتييت منبعثا )
الرؤية هنا تسجل للمشهد البانورامي جميع الزوايا المنخفضة
في معنى مدلول غيبة اللاوعي الشخصاني القابع في دلالة
كاميرا الحلمية الساردة . إذ يضعنا الروائي في بؤرة الموقف
التوصيفي و على مستوى أحتدامي مفارق في غموض
العلامة المحاورة في أوجه بنيات عوالم المقروء الحلمي
المتعدد اللغات و الضمائرية في الشروع و الولوج شفويا
أو مكتوبا .

                 ( تعليق القراءة )
و نحن على أعتاب نهاية مباحث دراستنا لرواية ( خضر قد
و العصر الزيتوني ) يحق لنا أن نسجل في مفصلية ( تعليق
القراءة ) كل النجاح و التفوق للروائي العراقي لمبدع رجل
الصحافة الناجح ( نصيف فلك ) لأنه في روايته الجميلة هذه
بات يديم وصف المراحل و الأماكن و الشخوص عبر لغات
شكلية منتمية في روافدها لتقاليد الواقعية اليومية كاللغة
اليومية في قاموس الشوارع و الأرصفة البليدة تقابلها اللغة
التقنية الساحرة و من هنا يحق لنا أن نظيف سمة أخرى الى
سمات الرواية و هي ( زمن التأجيل ) أو زمن ما يمكن أن
يكون مع علاقة حميمة للواقع و تشعباته الغيرية . فالرواية
لدى نصيف فلك تسعى الى أمتلاك صورتها الحياتية اليومية
الفطرية عبر شاشة منازعة أهوال الواقع و صعابه لتنسكب
لنا روح الرواية بموضوعتها في دلالات أفق الانتظار و
تشخيص تعددية المحكي في مسخرات مظاهر استباقية ثورة
المحور السردي في أوجه مداليل صياغة الملفوظات في
أقفاص دلالية بالغة الجدة و الجدية .