تمر البلدان والشعوب الديمقراطية بين الحين والاخر بأنتخابات بعضها رئاسي والبعض الاخر برلماني، لأختيار رئيس او ممثلين للشعب يختارون فيما بعد حكومة تمثل الشعب، في عملية منظمة تجري وفق قوانين وانظمة تسمى الانتخابات في يوم يسمى يوم الاقتراع، حيث يتمارى فيها حزبين او اكثر للفوز بأصوات الناخبين يكون قبلها برامج انتخابية واضحة المعالم يسوقها الحزب بشكل دعاية انتخابية ملزماً نفسه في حالة الفوز بتطبيقها والسير وفق خططه المعلنة في الحملة، والتي سيحاسبه عليها ناخبيه ممن اقتنعوا ببرنامجه واهدافه، في حالة عدم ايفائه بوعوده والتزاماته.
نقف اليوم على اعتاب مرحلة جديدة كلياً في العراق تبدأ بالخلاص من داعش خفافيش الظلام مروراً بمرحلة الاستفتاء وعودة كركوك لحكم المركز وقوفاً عند الانتخابات، والتي افرزت شكلاً جديداً لطبيعة التحالفات والاحزاب المكونة لها، فضلا عن شكل جديد لأحزاب بيدها دفة السلطة، منها من غيّر المظهر ولبس عباءة الشارع المنادي بالتغيير والاصلاح، وركب الموجة املاً الوصول لضفة الامان، ومنها من غيّر الجوهر فبات ذلك واضحاً بشخوصه ومتبنياته من دون ان يركب موجة احد او يلبس عباءة احد.
تعي الاحزاب جيداً نضج الشارع في المرحلة القادمة ووقفه على كل شاردة وواردة حتى بات ارضاءه من الصعب جداً، فبغير صدق النوايا والاخلاص في الطرح لن ينفع تغيير المسميات والاشكال والابقاء على نفس الفكر والنهج، نجح البعض في التغيير واقول نجح رغم ان غمار المنافسة لم يحن بعد، الا ان النجاح الحقيقي هو الصدق مع النفس اولاً وليس برفع الشعارات، فالعراق يحتاج الصادق حتى وان قلت حيلته؛ لان خمسة عشر عام كافية من الشعارات حتى تكدست بها الشوارع وافرغت جيوبه بالمقابل، معتمداً على وعي المواطن ومروره بمختلف مراحل التجارب السابقة وما رافقها من تلاعب بالعقول والعواطف لأجل مصالح فئوية ضيقة القصد منها منفعة حيتان الفساد وتجار الحروب غير ابهين بما يعانيه البلد من ويلات.
ظهرت للسطح الكثير من المسميات الجديدة والتي تناغم وتداعب عواطف الناخب وعلى حسب منطقته ومعتقده وتوجهه، وقد اخفت خلفها واجهات عريضة وكبيرة للسياسيين النشاز الذين باتوا اليوم منبوذين عند جميع اطياف الشعب العراقي، بعد ان تجرع منهم ويلات الدمار والخراب بمشاريعهم الطائفية والمذهبية مسيطرين بذلك على خيرات وثروات البلد، والتي هُربت للخارج بالصفقات المشبوهة وغسيل الاموال، غير ان ذلك لن ينطلي على الشعب مره اخرى.
منها واجهات تدعي الجهاد ومحاربة الارهاب حتى نكاد ان نتوهم انها جدار الصد وخط النار الذي خلص العراق من داعش والظلاميين، ومنها واجهات مدنية ليبرالية تدعو الى التحضر والتدمن والسير وفق القانون والتشريعات وكأنها في سبات طوال الفترة السابقة، ومنها تحمل راية الاصلاح ومحاربة المفسدين والعبور بالعراق الى بر الامان حتى بات طموحهم يتعدى ان يكون في مصاف الدول المتقدمة.
رغم كل ما يدور في اروقة الاحزاب ما تخطط له الا ان الخيار بيد الشعب الذي بات اليوم مختلف جداً عن ما كان عليه في 2003 وما تبعها، وان دلت الاحزاب بدلوها فإنها لن تأخذ اكثر مما تستحق فالرهان اليوم هو رهان الشعب
واغلب الاحزاب على المحك وهم يعون جيداً ان النجاة في الصدق.