في بلد مثل العراق , من الصعب التصديق بنزاهة وموضوعية وحيادية الاحصاءات والتعدادات والتقديرات والتخمينات والشهادات والانجازات الحكومية وغيرها ؛ لأسباب سياسية مشبوهة وطائفية وعنصرية منكوسة ؛ فضلا عن ضعف الاداء الحكومي واستشراء مظاهر الفساد ومشاعر الطائفية وعقد المناطقية ؛ فمنذ عام 1920 والى هذه اللحظة والعراق لا زال مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقوى الخارجية والجهات الدولية المعادية ؛ وقد عشت عمرا , عاصرت فيه كذبة خلو العراق من الامية ؛ اذ أعلنت منظمة اليونسكو عام 1990 خلوّ العراق من الأمية بعد الحملة الوطنية الشاملة التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي … ؛ ففي عام 1979 حاز العراق على جائزة منظمة اليونسكو في القضاء على الأمية والذي جرى ضمن حملة وطنية شاملة من عمر 15-45 سنة ، إذ تشير تقارير “اليونسكو” و ”الأمم المتحدة” بان مؤشر الأمية قد انخفض إلى 27% وتشير بعض المصادر بأن نسبة الأمية انخفضت إلى 10%... ؛ وكلها مبالغات لا صحة لها , فالأمر بيد قوى الاستعمار والاستكبار واما الواقع فهو شيء اخر مغاير تماما لهذه الشهادات والتقديرات , فقد عاصرت انا والكثير من امثالي مئات الاشخاص الاميين من الذين لا يقرأون ولا يكتبون خلال تلك العقود ؛ وكذلك كل ما قيل في التعليم والتربية , وماذا يتوقع المرء من انظمة عميلة وحكومات هجينة لا تربطها بالشعب أية رابطة حقيقية , بحيث وصلت تلك الانظمة الى درجة انها اصبحت لا تستحي من الكذب الصريح بل والمبالغ فيه الى حد اللعنة والاشمئزاز ؛ والشيء بالشيء يذكر ؛ أعلن نائب رئيس مجلس قيادة الثورة المجرم عزة الدوري أن السفاح صدام حصل على نسبة 100% للتجديد له لولاية رئاسية جديدة من سبع سنوات تنتهي قانونياً عام 2009 ؛ وكان آخر استفتاء على منصب رئاسة الجمهورية قد جرى في 15 أكتوبر 1995، وحصل فيه السفاح صدام ، على نسبة 99,66 بالمئة من أصوات الناخبين … ؛ علما ان جماهير الاغلبية والامة العراقية وقتذاك كانت تلعنه في الصباح والمساء وتدعو عليه اناء الليل واطراف النهار ؛ بل ان الكثير منهم كان يقول ( لو يحكمنا اليهودي شارون ولا صدام التكريتي ) فأنا ومن على شاكلتي فيما يخص الاحصائيات والتقديرات الحكومية وغيرها كما قال الشاعر :
نظرنا لأمر الحاضرين فرابَنا*** فكيف بأمر الغابرين نصدِّق؟!
إن معظم الإحصائيات والتخمينات بعد عام 1920 غير دقيقة ولا واقعية ومسيسة , و السبب يعود إلى سيطرة قوى الاستعمار والاستكبار وتدخل الدول الخارجية في الشؤون الداخلية , و حكم العملاء من الغرباء والدخلاء وسيطرة الحكومات الهجينة والطائفية والعنصرية الحاقدة والبعيدة كل البعد عن الوطنية والهوية الاصيلة العراقية ؛ فضلا عن ضعف التخطيط المركزي والاداء الحكومي ، وقلة اعداد الموظفين والتخصيصات المالية , وعدم الاخلاص في العمل , وانتشار المواطنين في الجبال والاهوار والصحاري والاماكن البعيدة والقرى النائية ؛ وقد أجري أول تعداد عام 1920 على يد الإدارة البريطانية المحتلة وثاني تعداد نُظم عام 1927 وألغيت نتائجه لكثرة الأخطاء التي رافقت العملية …؛ وقد مضى الإحصاء السُّكاني في العراق بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن الماضي، بوصفهِ أداةً لجمع وتحليل البيانات عن الدولة، بيد أنه، آنذاك، لم يخضع لمبدأ شامل في تنفيذه، واكتفت الجهات المسؤولة عن إنجازه بإجراء مُسوحات متخصصة في جوانب محدّدة وبأدوات وامكانيات بسيطة .
وعلى الرغم من ان التعداد السكاني في العراق للعام 2024 , يعتبر من أكثر الفعاليات الحكومية التي رصدت لها اموال طائلة , و عمل في هذا التعداد السكاني اعداد كبيرة من الموظفين وغيرهم ؛ اذ قيل ان هذا التعداد سيتطلب ما بين 120.000 و140.000 من القائمين على التعداد المدربين تدريباً خاصاً … , الا انه لم يكن مثاليا ولا دقيقا مئة بالمئة , فقد اشتكى الكثير من المواطنين من عدم وصول الموظفين اليهم وفي مختلف المناطق والمدن والقرى , وقد اتصلوا على الرقم المخصص لهذه الحالات ولم يحصلوا على أية نتيجة , بالإضافة الى تحركات الاكراد المشبوهة في كركوك , وتجنيس الكثير من الغرباء والاجانب الذين يتواجدون في العراق لغايات مشبوهة ؛ سواء من الذين تم تجنيسهم زمن النظام البائد ام بعده … ؛ وعدم معرفة اعداد العراقيين في الخارج والنازحين والمهجرين .
وسمعت انه يتضمن بحدود ال 70 سؤال , الا انني صدمت عندما جاء احد الموظفين الى بيتنا بعد انتهاء موعد التعداد , فقد جاء يوم الجمعة 22/11 / 2024 , وقد سألني عن اعداد افراد الاسرة المتواجدين في البيت فقط واسماءهم ومواليدهم فقط لا غير , حتى انه لم يطلب مني معلومات عن البنات المتزوجات او الابناء المتزوجين فضلا عن المتوفين , وقال انه سيعود لي بعد عشرة ايام لإتمام الامر ؛ واتمنى ان يصدق بوعده وان تكون الاسئلة مختلفة عن سابقاتها , اذ ان هذه الاسئلة عادية ولا علاقة لها بالتنمية الاقتصادية ومعرفة نسب الفقر والبطالة او معرفة اصحاب الشهادات والمهارات والكفاءات فمن الاهمية بمكان سؤالهم عن الشخص ومؤهله العلمي وحالته الاجتماعية ودخله المالي ومستواه الثقافي ؛ والا فأن اجوبة هذه الاسئلة البسطة وغيرها من الممكن الحصول عليها وبكل يسر من خلال بيانات البطاقة الوطنية ( بطاقة الاحوال المدنية ) فضلا عن بيانات بطاقة الحصة التموينية ودائرة الضرائب ومعلومات الموظفين وبطاقات الكي كارد والماستر كارد وغيرهما , وبيانات دائرة المرور والكمارك , وبيانات النقابات والمنظمات … الخ ؛ فالمفروض بالدوائر الحكومية والاجهزة الرقابية ان تنشئ دائرة بيانات ومعلومات الكترونية لكل مواطن من خلال مخاطبة كافة الدوائر والمؤسسات الحكومية وغيرها , وعليها يجب ان تكون اسئلة التعداد السكاني مختلفة عن تلك البيانات , فما لا تستطيع الحكومة الحصول عليه من تلك الدوائر , تحصل عليه من استبيانات التعداد السكاني , لتكتمل الرؤية الحكومية وينكشف واقع المواطن تمام الانكشاف امام دوائر الدولة ؛ فتعرف ما لها وما عليها تجاه الوطن والمواطن .
وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية روجت على أن التعداد السكاني سيكون نقطة للتنمية ومنطلقا لتحسين الخدمات بمختلف الجوانب إلا أن الكثير يرى أن التعداد لن يحقق أي نتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي والخدمي والتخطيط والتنمية، وهو ما أكده البرلماني السابق محمد سلمان … ؛ وقال سلمان في تصريح لشبكة “الساعة”: إن “السلطات الحكومية في العراق حققت نجاحا إعلاميا بتسويق أهمية التعداد للأغراض التنموية والتخطيط المقبل في البلاد ولكن في الحقيقة لا يحمل التعداد أي نتائج إيجابية على تلك الأصعدة، حيث أوهمت الحكومة الشعب العراقي بنتائج التعداد الإيجابية التي لا وجود لها”... ؛ وأضاف سلمان: أن “التعداد فقرة إضافية لا أهمية لها وهي مشروع يشبه المشاريع والمبادرات الوهمية التي لم تكن لها أي نتائج إيجابية على أرض الواقع”، ولفت إلى أن “الحكومة العراقية أرادت تحقيق مكسبا إعلاميا فقط من خلال إجراء التعداد”... ؛ وأكد البرلماني السابق أن “العراق لم يكن بحاجة أصلا إلى إجراء التعداد السكاني على اعتبار أن بيانات العراقيين مثبتة بشكل كامل في قاعدة معلومات وزارتي التجارة والداخلية”، مبينا أن “جميع العراقيين مسجلين في بيانات وزارة التجارة عبر البطاقة التموينية وكذلك بيانات وزارة الداخلية عبر البطاقة الوطنية”... ؛ وأشار إلى أن “دول العالم تركت موضوع التعداد بالطريقة البدائية التي اعتمدها العراق في التعداد الأخير منذ مطلع القرن الحالي”، مبينا أن “التقدم العلمي والتكنولوجي يخدم الدول في تعداد السكان دون الحاجة إلى إجراء عملية التعداد كما جرى في العراق”.