تعداد القراءات للنص الأدبي

تعداد القراءات للنص الأدبي

يعد اعتماد ثقافة الفرد ووعيه الناتج عن خلفيته الثقافية عنصران أساسيان في فهم النص الأدبي وتفكيكه، وايضا هو محاولات التوصل إلى مقاصده؛ فهذه الإمكانية بحد ذاتها تمثل نصًا إنتاجيًا آخر. فلكل قارئ رؤيته الخاصة، تبعًا لتوسع أفقه المعرفي وعمق ثقافته، غير أن هذا وحده لا يكفي ما لم يمتلك القدرة على فك رموز النص واستيعاب غموضه. لذلك نجد تعددية في الرؤى التفسيرية وتباينًا في مستويات الفهم، وهو ما يُكسب النص قوته ضمن فضاء التأويل المفتوح.

النص الأدبي، لا سيما الحداثوي منه، لم يعد بناءً مغلقًا على معنى واحد، بل تحوّل إلى كائن حي يتوالد من داخله، ويتجدّد مع كل قراءة. فالنصوص المتماسكة لا تستهلكها القراءة الأولى، بل تستدعي قراءات متلاحقة تكشف طبقاتها المتراكبة. هنا، يتحوّل فعل القراءة من استقبال ساكن إلى فعل ديناميكي يعيد تشكيل النص.

فالقراءة ليست مجرد استهلاك لمعنى جاهز، بل هي إنتاج جديد، قائم على ما يحمله القارئ من تراث معرفي، وحس نقدي، وخبرة جمالية. ومن هذا التفاعل تتشكل قراءات مختلفة لنص واحد، بحيث يصبح كل قارئ شريكًا في صناعة الدلالة. بذلك، تُصبح القراءة نفسها، في سياق التأويل، شكلاً من أشكال الكتابة.

هذه التعددية في التأويل لا تُلغِي وجود قراءة راجحة أو أكثر عمقًا، إذ إن القراءات تتفاوت في القيمة بحسب ما تستند إليه من أدوات تحليلية، ورؤية نقدية، وبُعد جمالي. فبعضها يضيء جوهر النص، وبعضها يمر عليه مرورًا سطحيًا لا يُضيف إليه شيئًا. ولهذا تبقى الثقافة النقدية لدى القارئ عاملًا حاسمًا في تباين مستويات الفهم.

لقد أدّت النظريات الحديثة، وعلى رأسها “موت المؤلف”، إلى تحويل مركز إنتاج المعنى من الكاتب إلى القارئ، لكنها بالمقابل حمّلته مسؤولية أكبر. فالمهم ليس من كتب النص، بل كيف يُقرأ، ومن يقرؤه، وبأي أدوات منهجية.

من هنا يمكن القول إن النص الأدبي لا يكتمل إلا بفعل قراءة واعية ومنفتحة، لا تُسلّم بظاهر المعنى، بل تتفاعل معه، وتفكك رموزه، وتعيد إنتاجه. وتلك التعددية في الفهم، هي ما يمنح الأدب قيمته كفن لا نهائي، دائم الولادة، ومفتوح على احتمالات لا تنتهي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات