يبدو ان كل شيء في العراق صار مجازا .. وكل عمل للتخريب متاحا .. لم نجرب علما جديدا الا و شوهناه .. حتى وصل التشويه الى لغتنا الجميلة ، فنال من أدبها ، وبلاغتها ، ورصانتها .. ولو عاد العلامة مصطفى جواد الى الحياة ، لأصيب بغيبوبة و ما استفاق ، من خطر استخدام اللغة في شبكة انترنت العراق .. وهو يرى بألم ان برنامجه ( قل .. ولاتقل ) قد تغير الى : ( قل .. وقل ) واسمع اغنية / يا حلو صبح .. يا حلو فل .
واللغة العربية .. سواء كانت دارجة ام فصحى ، اعلامية ، ام وسطى .. هي الاكثر انتهاكا على منصات الفيسبوك ، بعد ان تغيرت ، وتشعبت ، و ترهلت ، حتى اصيبت بداء الركاكة ، ونقص البلاغة .
صرنا نكتب / كيفما اتفق ، بلا اكتراث ، ولا قلق .. ( انتي ، وكنتي ، وشلون صرتي ) ونحن نخاطب نُون النسوة .. و الكلمات المبتذلة تاخذ طريقها بلا استحياء .. وحلت مكان الفصحى ، بتحد وصلافة ، بلغة فيسبوكية مستباحة .. لها قواعدها وكتابها ، ومعجبوها .. هذا ما نجده على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهي اقرب الى سوق الهرج .. ولا خلاص منها ولا فرج .
اما الألقاب فصرنا نوزعها بالمجان ، برياء ومن غير حسبان .. / هذا اديب رائع ، وذاك عالم جامع ومانع .. فالقزم في العلم والادب تحول الى عملاق ، والأمي في السياسة والصحافة ، صار بليغا وصاحب قول وكياسة ، والكل منور .. والدردشة الهابطة ، لها صدى و اخبار و انوار .. حتى ظن البعض .. اننا نعيش عصر التنوير و الفلاسفة الابرار .
وليس هناك من عنوان او لقب ، ينسجم مع مضمونه ، وليس هناك من مديح ينسجم و موضوعه .. حتى صارت اللغة حقلا ، يزرع فيه التفاح مع البصل .. والورد مع الفجل .. فغدت المجاملات سوقا للنخاسة .. و مؤشرا على التفاهة .
اقول هذا …وانا ارى لمن يصف ( شخصية ) برامجية.. بأنها على ( خلق عظيم ) وهو يعرف ، وانا اعرف ، وانتم تعرفون ان هذه الشخصية ، ( شيطان رجيم ) ، وهي من فرط السفاهة .. جعلت من برنامجها ، قاموسا زاخرا في السب والشتم والوضاعة .
واخر .. يصف لنا ، شخصية اكاديمية.. بأنها ترتقي الى الكمال والرقي وعشق الجمال .. وانا اعرف ان هذه ( الشخصية ) سوداوية في نظرتها ، وطائفية في احاديثها .
اما عنوانات البرامج ، فحدث ولا حرج .. فليس هناك من انسجام ، ولا رابط يربط بينها ، وليس من علاقة بين العنوان وقصده ، لغة ودلالة ، حصافة وجزالة .
واغرب ما ارصده .. ان مراسلي الفضائية العراقية يبعثون برسائلهم الى ( imn ) ولا ادري لماذا غاب الحرف العربي عنهم .. وكأن الفضائية العراقية في حالة ( تؤمة ) مع البريطانية ( BBC ) لا سامح الله .
اما برامج التسويق السياسي .. فحدث ولا حرج ( شي مايشبه شي ) فالحرف الواحد .. صار حروفا متطايرة ومتنافرة ، مرة محجبة ، ومرة سافرة .. والمناورة تسويق ومغامرة .
اما ( بشير شو ) فقد بشرنا وأغوانا ، واضحكنا ، وابكانا ، فهو لم يلجأ الى اللغة العربية لعنوان برنامجه ، الا انه راوغ و بالغ في استخدام لغة ( الچايخانة ) و صار البطل المنقذ سخرية وسلطانا .
وفي الأطراف .. نجد الكروش والاصناف .. وحديث في الفن والسيرة أوصاف ، فلا المقدم نبش في سيرة ضيفه ، ولا الضيف وفق في الحديث عن نفسه .
نحن نعيش مرحلة ( الحاكم بامره ) .. فكل من امتلك صفحة الكترونية صار كاتبا مقداما .. وكل من قدم برنامجا اصبح قاضيا مهذارا .. فأعطى الحق لنفسه في استباحة كرامة العباد ، و خرق حرمة البلاد .
وَيَا قوم .. / نحتاج الى القليل من الكلام.. والكثير من الاصغاء .. فحكمة الخالق الحامد ..ان جعل في مخلوقه أذنان ، ولسان واحد .. لكننا جعلنا لأنفسنا ألسنة كثر ، وأذنا واحدة .
و اليوم .. نحن ساهون ، وفي السياسة لاهون .. حتى ضاع من أيدينا القلم و الماعون .