2 فبراير، 2025 7:07 م

يزوُر ملك العراق الصغير ( فيصل الثاني ) قرى الاهوار في الجبايش بين حين وآخر ، ولكن ليس بقدميه أو بمشحوفه الملكي الذي ربما يشبه المشحوف الملكي لخان المغول في الصين ( قبلاي خان ) في نزهاته الاسطورية في النهر الأصفر ،  حيث لم يزر الملك المغدور ( فيصل ) هذه المناطق ولكنه حتما يعرفها جيدا من خلال اسئلته لمرافقيه ولوزيره ( نوري باشا السعيد)  الذي يعرف وبعمق جميع طبقات المجتمع العراقي.

لكنه يزورها دوما من خلال صورته المرسومة على الطوابع في البريد الإداري الذي يرسل الى مدارس الاهوار أيام الحكم الملكي.

وحين قتل الملك في مذبحة قصر الزهور في الانقلاب الجمهوري أتى الزعيم عبد الكريم ، وكانت صوره في الطوابع ايضا ، وجاءت أيضا في بعض معاملات وأوراق البريد التربوي ، ويبدو أن الملك والزعيم ليسا لهما مكانا في ذاكرة المعدان ما دامت الدولة بعيدة عنهما ولا تبحث عن ابناءهم لسوقهم الى خدمة العلم ، وعندما كنت اسأل الرجال في القرية عن خمسة رجال بالتسلسل فيصل ، عبد الكريم ، عبد السلام ، عبد الرحمن ، البكر .

فأن الملك والرؤساء الاربع يتساوون في مقدار المعلومة ، لكن الملك قد يتفوق قليلا على الجميع ، لأن في واحد من اشهر حزن الحسين ع .جاء قارئ المجلس الحسيني وذكر لهم مرة بعد ان اطاح الحكم الجمهوري بالحكم الملكي بأن الملك القتيل من اصل علوي .

ابقت هذه المعلومة مشاعر راحة في قلوبهم ، وبالرغم من هذا لا الملك ولا غيره يهم حياتهم ، وكانوا يسمون كل شيء رسمي ، المدرسة ، وزورق التطعيم الصحي ، ومساحي دائرة الزراعة ، وحتى الرحالة والمنقبين وعلماء البيئة ، وكل هؤلاء يتوافدون في اوقات متباعدة قد تطول سنوات عدا معلمي المدرسة يسمون كل هؤلاء ( حكومة )…!

ذات يوم أتى رجال لم يسبق لهم أن يروا اشاكلهم ، ولم يعرفوا طبيعة عملهم واخبروهم انهم من فلاحي الجمهورية الاشتراكية الجديدة.

لم يفهموا القصد ، وحتى شروحات القادمين لم يصلوا معها الى شيء يفهمون منهم ما يريدون.

جاء اهل القرية الينا في أدارة المدرسة ، وقالوا : تعالوا تفاهموا مع الجماعة بدلنا ، يتحدثون عن زراعة الطماطا والبطاطا وحاجات اخرى نحن لانعرف زراعتها ونشتريها من السوق.

فهمنا من القادمين انهم من الجمعية الفلاحية في الجبايش ويريدون تأسيس جمعية تعاونية في القرية على أساس أن ساكنو المكان من الفلاحين.

قال لهم شغاتي : نحن لسنا فلاحون ، نحن مربوا ( جِمس ) ، واذا اردتم للجواميس جمعية فهي لا ترغب بذلك ،حياتها منظمة منذ قديم الزمان.

وإذا اردتم تشكونا للجمهورية ، سننتخي بالملك ونقول له تعال أيها الملك .

اغتاظ الرجال وعادوا الى الجبايش ، واحدهم قدم شكوى الى المنظمة الحزبية في المدينة بأن واحد من المعدان ، لا يرغب بالبكر ويريد الملك.

أرسلوا لنا كتابا تحريرا يستدعون فيه شغاتي للحضور الى مقر الفرقة الحزبية ، وأظن ان هذا اول استدعاء لرجل من الاهوار حول قضية تهم الجمهورية والملكية.

الرجل لم يرتعب ولم يخف ، وقال :سأقول لهم انا لم ارَ لا الملك ولا البكر ، ولأن الملك ربما يعرف اكثر من البكر ان الجواميس لا يمكن زراعتها.

المصادفة الجميلة ان مسؤول الفرقة كان معلما في قريتنا ، سمع اجابت شغاتي يوم حضر اليهم .

 ضحك وهمس اليه : رحمة لوالديك شغاتي لا تكرر هذه العبارة ( تعال ايها الملك ) ثانية ، قل :تعال ايها البكر.

قال شغاتي : هل يجيء حين أنادي عله تعال .

قال المسؤول : كلا . نحن نأتي بدله ؟

ضحك شغاتي ، وقال : لا . لن اقول لا الملك ولا البكر ، سأقول :احضر يا علي ……………..!