في المؤتمر الذي عقدته شبكة “جي كول” فرع فرنسا بالتعاون مع البرلمان الأوربي تحت عنوان “انقاذ الديمقراطية الإسرائيلية“ قبل أيام، رددت الصحفية اليهودية المعروفة في المشهد الإعلامي الفرنسي “آن سان كلير” عدة مرات عبارات مثل : أشعر بالعار و انا خائفة،وهي تتكلم عن الاحتجاجات والاحداث التي تجري منذ اشهر في دولة الكيان الصهيوني. ومن يعرف هذه الصحفية ممن يعيش في فرنسا، لا بد له ان يبتسم لادعاءاتها اليوم في البرلمان الأوربي من انها ممن يدعمون حل الدولتين وأنها تستنكر تصريحات بتسلئيلسموتريتش وخطط ايتمار بن غفير حول الفلسطينيينبينما في الحقيقة هي كانت وما تزال الصوت الداعم لكل جرائم الكيان الصهيوني والمعادي للعرب والفلسطينيين والمعروف عنها انها صديقة شارون ونتانياهو وكانت واحدة من الأصوات الإعلامية النشيطة التي شاركت في حملة واسعة ومكثفة في الاعلام الفرنسي اتباع المحافظون الجدد لشيطنة الرئيس الراحل ياسر عرفات في فرنسا مع صحف مثل جريدة اللوموند وغيرها من أصدقاء حزب الليكود!
لإنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية، دعا “برنار غيتا” النائب الاوربي اليهودي من اصل مغربي والصحفي الشيوعي السابق الذي انقلب على قناعاته الماركسية ليلتحقبمؤسسات حلف شمال الأطلسي الفرنسية في ثمانيات القرن الماضي، عدد من الشخصيات الفرنسية اليهودية إضافة الى مسؤولين اسرائيليين مثل وزيرة الخارجية السابقة “تسيبي ليفني و”ايلي برنافي” سفير تل ابيب سابقا في فرنسا. وقد استهل المؤتمر بكلمة “لدافيد شيملا“ سكرتير الشبكة الذي قال بأنه وقبل ثلاثة عشر عاما تأسست “جي كول” بسبب “المخاطر الخارجية“التي كانت تهدد وجود دولة إسرائيل وقد توجهنا في ذلك الوقت الى الحكومة الإسرائيلية بالدعوة لإنهاء الاحتلال وانشاء دولة فلسطينية لتتمكن إسرائيل من البقاء! لكننا نجد أنفسنا اليوم وبعد ثلاثة عشر عاما لإطلاق دعوة جديدة نقول فيها ان خطرا آخر يهدد إسرائيل وهو رؤية هذا البلد يفقد ميزته الديمقراطية بسبب القوانين التي تم التصويت عليها مع وجود اغلبية فرضتها ظروف معينة في الكنيست! بل انه يذهب اكثر من ذلك ويتكلم مرعوبا عن فكرة نهاية الكيان فيقول ان الامل تحت “المعبد الثالث” يمكن ان يختفي مثل
الآخريين ليس لأسباب خارجية بل بسبب تهديدات داخلية مثل هذا الانقسام الذي نشهده والتصويت على قانون يمس المحكمة العليا تلغى فيه مبدأ فصل السلطات وتوازنها التي هي من شروط الديمقراطية. اما “دومينيك شنايبر“ وهي رئيسة متحف الفن اليهودي وعضو سابق في المجلس الدستوري الفرنسي فقد رأت ان المس بالمحكمة العليا وبالديمقراطية التي أسس لها بناة المشروع الصهيوني هو النهاية بقولها ان المبرر الوحيد لوجود إسرائيل هو الصهيونية. وتقول ان ما يحدث اليوم سيدعو الولايات المتحدة الى تغيير سياستها تجاه إسرائيل وستفقد بذلك الحليف الأكبر والاهم والذي لولا مساعدته لما قامت دولة إسرائيل وبدونها ليس لإسرائيل مبرر الوجود. ويرى “موريس ليفي ” رئيس مجلس مجموعة “بيبليسيس” الفرنسية ورئيس مركز السلام شمعون بيريز في تل ابيب الداعم المطلق والمعجب الكبير كما يقول بدولة الكيان ان هذه القوانين ستؤذي صورة إسرائيل في العالم ويتمنى ان يعود العقل للحكومة الجديدة من اجل بقاء صورة إسرائيل في العالم لأنها كما يقول تساوي وزن جيش الاحتلال في أهميتها! ويضيفان دعم يهود الولايات المتحدة سيتأثر كثيرا بما يحدث. وما يقوله الداعم المطلق الثاني “الان فينكلكروت” عضو الاكاديمية الفرنسية هو انه يدعم الصهيونية السياسية وانه ضد مشاريع نواب الأحزاب الدينية الرساليه التي تنفي وجود الفلسطينيين وتريد ان تكون لها اليد الطولى في الضفة الغربية وغزة لبناء مزيد من المستعمرات ويقول ان نتانياهو يصادق بتصريحاته الأخيرة على تمزيق الشعب الإسرائيلي ، لكن هذه التصريحات لا تخفي مواقف الكاتب المعروفة والمعادية للشعب الفلسطيني ولحقوقه ولا تخفي مواقفه ضد الجالية العربية والإسلامية هنا في فرنسا منذ عقود وما يقوله هو فقط ضرورة إعلامية لصورته وصورة اللوبي امام البرلمان الأوربي ونوابه الذين يدينون في غالبيتهم الحرب ضد الشعب الفلسطيني. ومن بين المدعوين الآخرين الذين قدموا مداخلاتهم لإنقاذ “الديمقراطية الوحيدة“ في الشرق الأوسط كما يحبون ترديده على اسماع اوربا وامريكا والعالم ، كانت المغنية “نهى اخنيوام نيني ” اليهودية من اصل يمني والتي ترعرت مع عائلتها في الولايات المتحدة التي قالت ان ما حدث عندنا هو انقلاب خطير ضد الديمقراطية وان نتانياهو مسؤول ورجل خطير ومدمر لنا وللآخرين ، يجب عليه ان يغادر بدل ان يقوم بتغيير المحكمة العليا لأنه يريد ان ينجو بنفسه ، انه يتحالف مع المجرمين والعنصريين الذين يريدون القيام بمجازر ضد الشعب الفلسطيني ، نحتاج الى حكومة جديدة وليس الى فاسدين ومجرمين.
اما آخر دعوة للأوربيين لإنقاذ ديمقراطية إسرائيل فكانت من الحاخام “ريفون كريجيه” حاخام “ماسووتيادآث شالوم” الذي قال لنواب البرلمان الأوربي ان من سمح بنشر أفكار آيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتشهو نحن وذلك منذ عقود اذ ساعدنا على انشاء مدارس تنشر الأفكار الرسالية الراديكالية واليوم يفرضون مطالبهم بالتمويل وبأعفاء الطلاب من الخدمة العسكرية والتفرغ كليا لنشر وفرض أفكار انشاء المحاكم الدينية وعزل النساء عن الرجال وعدم بيع العقارات لغير اليهود ولا التأجير لهم وتشريع يسمح للطبيب برفض علاج المثلين والمرأة على كل المجتمع وما يدور اليوم هو بداية لأجندة أكثر شمولا واتساعا، اجندة خطيرة تعيد الإسرائيليينالى عهد بعيد في القدم، انها أيدلوجية تكره وتحتقر النساء، أيدلوجية عنصرية وفوقانية ستفتح باب باندورا للمتطرفين والاصوليين.
يعكس هذا المؤتمر الذي انعقد في بروكسل والذي تنادت له الشخصيات اليهودية في اوربا والزيارة المستعجلة التي قام بها زعيم المعارضة الإسرائيلية “لبيد يائير“للولايات المتحدة ولقائه بأعضاء الكونغرس الأمريكي والمنضمات اليهودية ليبحث معهم خطة اصلاح القضاء التي تدفع بها حكومة نتنياهو وتصفها المعارضة بالانقلاب، ارتباكا وخوفا لا تخطئهما العين بدا واضحين من كلمات ومشاعر وانفعالات المشاركين. في البرلمان الأوربي حضرت شخصيات يهودية تتفاخر كلها بدعمها المطلق والمتفاني للكيان الصهيوني رغم اختلاف مشاربها وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهل مشاعر اليأس التي تطفح من كلماتهم ومن حركاتهم وبالأخص الصحفية “آن سان كلير” التي يبدو انه رغم كل مواقفها الداعمة والكبيرة للكيان فأنها قد تلقت انتقادات من المتطرفين تتهمها هي وآخرين بأنهم حصان طروادة وانهم لا يعيشون في فلسطين المحتلة وليس لهم الحق بالكلام كما قالت، كذلك عبرت عن انزعاجها باستعمال ضابط من الجيش كلمة “بوغروم” على حادث محرقة حواره معتبرة انه تجاوز على قاموس المظلومية اليهودية مما لا يمكن اطلاقه على الفلسطينيين ومساواة معاناتهم مع اليهود. اما الكاتب الآن فينكلكروت فقد رد منزعجا على مقال نشر قريبا لجريدة اللوموند المحسوبة لصالحهم بعنوان “إسرائيل: الديمقراطية الوهمية” ليقول ان إسرائيل تستحق المحبة! الوحيدة من دون الشخصيات المدعوة، تحدثت المغنية نهى بطريقة لا يقبلها الداعمين المطلقين لدولة الاحتلال، هي اسلوب بعض اليهود السفارديم الذين عاشوا في العالم العربي والإسلامي ممن لا يتباكىبالمظلومية الازلية اذ قالت أوقفوا هذه القوانين نريد انتخابات جديدة، أوقفوا الكلام عن المظالم والبكائيات لنعيش كلنا سواسية مواطنين، نريد الحياة ونريد الفرح وليس مشاريع التهجير والابادة والقتل، لا نريد ان يقتل أبنائنا ولا نريد قتل الفلسطينيين!
سيكون من الصعب على البرلمانيين الاوربيين الذين غالبا ما يخضعون للابتزاز في أروقة البرلمان الأوربي للضغط عليهم للتصويت من اجل مصالح دولة الاحتلال ومستعمراتها وتجارتهم غير الشرعية التي يغضون الطرف عنها، ان يؤيدوا حكومة اليمين المتطرف التي لن تقبل بتدخل خارجي لتغيير خططها ونهجها وسيكونون قلقين أكثر على مصير الشعب الفلسطيني وما سيعانيه تحت حكومة عصابات وقتلة اليمين المتطرف منه إعطاء المزيد من المساعدات والتعاطف مع دولة الاحتلال.