المقدمة
تشهد بغداد وغالبية محافظات الفرات الاوسط والجنوب هذه الايام موجة من التظاهرات الكبيرة المطالبة بحقوق الشعب وعلى راسها توفير الخدمات الاساسية من كهرباء وماء صالح للشرب وسكن ورعاية صحية ولم يمنع الجماهير الارتفاع الكبير في درجات الحرارة التي تجاوزت نصف درجة غليان الماء (اي اكثر من 50 درجة مئوية) لان حرارة الموقف وحرارة الحرمان والمعاناة اليومية للمواطن العراقي والتصعيد النفسي الداخلي عنده ضد الحكومة والبرلمان والسياسيين اعلى من درجة الغليان نفسها . ولم تكن هذه المطالب هي المحرك الحقيقي لهذه التظاهرات كما يتوهم البعض او كما يريد السياسيون تصويرها انما كثرة الفواجع التي وضع السياسيون الشعب فيها وعدم الاستجابة لمطالب العوائل التي فقدت ابناءها في المعارك ضد داعش بسبب الفساد الحكومي وكذلك تراكم المعاناة والحرمان من فرص العمل والتعليم وفقدان الامن وغيرها هي التي تضافرت مع بعضها حتى انفجر المواطن العراقي بعد ان مل من وعود السياسيين وكذبهم وصبر بما فيه الكفاية ليتيقن من فساد السياسيين الحاليين وفشلهم في تلبية احتياجاته وتلبية طموحاته على الرغم من انه كان قد انتخبهم قبل اكثر من سنة ولكن الوعي والوصول الى الحقيقة اقوى من خداع النفس والسكوت على فساد المسؤولين حتى وان صرخوا ليلا ونهارا بانهم يمثلون المذهب .
واقع التظاهرات :
افرزت التظاهرات عددا من المؤشرات المهمة التي يجب التطرق اليها والتثقيف بها وقد عشناها من خلال المشاركة في تظاهرات بغداد ويمكن اجمالها بما يلي :
1- التعاون الرائع والكبير بين القوات الامنية المسؤولة عن مكان التظاهرات والمواطنين المشاركين حيث وضعت نقاط سيطرة قريبة من مكان التظاهرة في ساحة التحرير ينتهي عندها سير المركبات وتمنع من الدخول الى مكان التظاهرة وضربت عدة اطواق امنية لتفتيش الداخلين منعا من تسلل من يريدون التخريب وكان استقبال قوات الامن بمختلف مراتبهم للمواطنين بالترحيب والاخوة والتعامل المؤدب ولا اذهب بعيدا اذا قلت اني قرات في عيونهم رغبتهم في المشاركة بهذه التظاهرات ولم تدخل القوات الامنية بين المتظاهرين ولم تعترضهم على مسيرتهم ولا على هتافاتهم بل حتى لم تقترب من مكان التظاهرة .
2- الانضباط العالي من قبل المشاركين في التظاهرات والاحساس بالمسؤولية الوطنية من خلال عدم التجاوز على الممتلكات العامة والخاصة وعدم الاضرار بها وعدم تجاوز مكان التظاهرة الى ابعد مما هو مخطط له ومسموح به والتعاون والاحترام المتبادل مع منتسبي القوات الامنية .
3- الاخوة الوطنية بين المشاركين في التظاهرات التي جمعت الشيعي الى جانب السني ، والكردي الى جانب العربي ، والمسيحي الى جانب المسلم ، وهكذا بقية مكونات الشعب العراقي من دون ان يعرف المتظاهر انتماء من حوله ولم يسال احد غيره عن انتمائه وفي هذا وعي متميز للمواطن يبين ادراكه لمخاطر الفتنة المذهبية والدينية والقومية التي يؤججها السياسيون ويرفعون رايتها بين فترة واخرى ومن اهم ما صدحت به حناجر المتظاهرين بهذا الخصوص الاهزوجة المشهورة (اخوان سنة وشيعة وهذا الوطن منبيعه) حيث عبر المتظاهرون عن رغبتهم في وطن يضم الجميع وانهم على استعداد للدفاع عن العراق بعيدا عن تاثيرات السياسيين (بالروح بالدم نفديك ياعراق(
4- ومن باب الواقعية فان صورة وطنية رائعة جسدتها التظاهرات حيث ان اكثر المتظاهرين هم من الشيعة وان الحكومة بصفتها العامة شيعية القيادة وان الاكثرية البرلمانية شيعية ولكن التظاهرات خرجت ضد الحكومة والبرلمان ومطالبة بحل البرلمان وفي هذا معاني عميقة وكبيرة.
5- نزع المواطن العراقي ثوب الخوف والتردد والتبعية الذي كان يثقل جسده به وخرج من اطار قداسة الاشخاص الذي رسم له وطبقه لسنوات وتمثل هذا في هتافاته واهازيجه التي تناولت بالسخرية ونسبة الفساد لها اسماءا كبيرة كان يعتبر مجرد طرحها جرأة غير محسوبة فقد رمى المتظاهرون السبب بانعدام الخدمات وتفشي الفساد الى زعامات وقيادات تعتبر من الخط الاول في العملية السياسية الحالية ومحذور على العراقيين تناولها في العلن او التشهير بها . وفي هذا طفرة نوعية في وعي المواطن وتحول ايجابي في تعامله مع السياسي الفاسد والفاشل يجب ان تستغل لصالح المطالبة القوية بالحقوق.
6- كانت التظاهرات شعبية عفوية استجابة لحاجات الشعب ومصلحته الوطنية ساهمت بالدعوة لها اصوات وطنية متعددة ومن مختلف التوجهات الفكرية وخلال مدة ليست بالقصيرة حتى تبلوت تدريجيا وبدات في اماكن متفرقة من البلاد ثم انتظمت في العاصمة وصارت تقليدا في كل جمعة في مختلف المحافظات ولم تستطع اي جهة حزبية او دينية اوسياسية او قناة فضائية او غيرها ادعاء قيادتها او تحريكها للمتظاهرين ومن يحاول ذلك فالفشل حليفه.
7- شمولية المشاركة فيها كانت واضحة فساحة التحرير مفتوحة لكل الوطنيين الاخيار المخلصين افرادا وجماعات وتنظيمات مهنية واحزاب من الذين يدعون الى محاربة الفساد المالي والاداري والسياسي والقانوني وتصحيح المسار الديمقراطي ولم تقتصر المشاركة على لون معين بل ان جميع الشرائح والفئات والتوجهات الاجتماعية والاكاديمية والفكرية شاركت بالنظاهرات فكان هنالك الاسلامي يهتف الى جنب العلماني والاستاذ الجامعي الى حنب الفنان والمراة الى جنب الرجل والرياضي الى جنب شيخ العشيرة . والذين لم يشاركوا في التظاهرات هم الحكوميون والبرلمانيون واحزابهم الفاسدة خوفا من الجماهير .
الطموح :
1- ان تستمر التظاهرات لتصير تقليدا في كل جمعة فان قوتها وتاثيرها وفاعليتها وارعابها للحكومة والبرلمان وامكان الحصول على الحقوق والمطالب هو في استمرارها بينما انقطاعها يعني ضعفها ويقوي الفاسدين ويوفر لهم استمرار فسادهم .
2- ان يستمر المتظاهرون بالتواجد في ساحات التظاهر على طول الوقت المحدد للتظاهرات لان انسحاب الكثيرين بعد مشاركتهم واداء دورهم يقلل من صورة القوة والهيبة التي تتصف بها التظاهرات فيما لو استمر تواجد المشاركين بالتظاهرات جميعا الى نهاية وقتها حيث سيكون وقعها في نفوس الحكوميين والبرلمانيين مؤثرا اكثر وايضا يساهم في دفع الجالسين في بيوتهم الى المشاركة ويقوي معنويات المشاركين فيها .
3- تصدي نخب جماهيرية مثقفة واعية لمسؤولية تنظيم التظاهرات ونقل مطالب المتظاهرين الى الحكومة والبرلمان والعمل على تشكيل لجان متعددة تتناول الجوانب الاعلامية والتنسيقية والعلاقات كل هذا يمنع اختراق التظاهرات من قبل الاحزاب الحكومية او اذرعها المتعددة او اطراف اخرى ويمنع تشتت التظاهرات ومحاولات اضعافها .
4- ان تسير التظاهرات بوتيرة متصاعدة ويحافظ المتظاهرون على استقلاليتهم فانها احد اهم السبل للضغط على الحكومة من اجل الاستجابة لمطالب الشعب .
اتمنى على كل من يقرا هذه المقالة ويعتقد بفائدتها واهميتها وتضمنها على معاني ايجابية تساهم في نشر ثقافة وطنية وتفعيل التظاهرات من اجل تحقيق المطالب خدمة لعراقنا الجريح وشعبنا الكريم ان يساهم في نشرها او حتى مقتطفات منها وليس مهما عندي ان يشير الى اسمي فهذا ابعد ما اهتم به …