23 ديسمبر، 2024 10:35 ص

تظاهرات العراق من المالكي الى العبادي

تظاهرات العراق من المالكي الى العبادي

شهدت ست محافظات عراقية في عهد رئيس وزراء حكومة الأحتلال السادسة نوري المالكي تظاهرات ضخمة استمرت اكثر من عام للمطالبة بالحقوق ورفع الظلم والحيف عن سكانها وبالكف عن قتل أبنائها وسجنهم دون مسوغ وفقا للمادة 4 ارهاب .وبعد ان صرح المالكي بانه فهم هذه المطالب وانه يحتاج فترة مائه يوم لتحقيق مطالب المتظاهرين، أنقلب على كلامه وبدء يهدد المحتجين السلميين والعزل بأقذع التهديدات ومنها جملته :أنهوا او تنهووا. ووصفه لهم بالفقاعة الى غير ذلك من تصريحات عنصرية وطائفية متعالية. بل ان رئيس الوزراء ذهب الى أبعد من ذلك فبدل من الجلوس مع ابناء هذه المحافظات وحل المشاكل وتحقيق المطالب المشروعه، أختار المواجهة مع المتظاهرين والأشتباك للفوز مرة ثالثة في الأنتخابات.فحشد من ورائه أتباع المذهب والطائفة وبعض ساسة العملية السياسية من رجال هذه المحافظات الذين يرغبون بالحصول على امتيازات بركوب هذه المطالب والصعود على أكتاف المتظاهرين. مع بدء حملته الأنتخابية أخذ المالكي يرفع الصوت “ويزمجر” بأن بين المحتجين في الأنبار الجالسين في الخيام منذ أشهر يوجد أشخاص مطلوبين من تنظيم القاعدة وأن من بينهم بعثيون تدعمهم جهات عربية مجاورة وهدد بقوات الجيش للقبض عليهم . وسرعان ما نفذ وعيده وأنقضت قواته على ساحات التظاهرات والأحتجاجات وقتلت العشرات سواء بالقصف المدفعي كما في الأنبار والأبادة لكل محتجي ساحات الحويجة بضمنها مقعدين واطفال حتى آخر فرد منهم . اما الفلوجة العصية فقد هوجمت بالبراميل المتفجرة وقنابلها العنقودية وقصفت بالمدفعية الثقلية اضافة الى الطيران الحربي ولم تسلم غالبية جوامعها من المجازر والقتل والتفجير.لم تكن أنتفاضة ابناء شعبنا في الأنبار وديالى والفلوجة ترفا ولم تحمل شعارات طائفية ولم يكن فيها ارهابيون كما أدعى المالكي بل هي انتفاضة شعبيه وطنية مثلها مثل انتفاضة الوسط والجنوب اليوم .لكن في أوج المطالبة بالحقوق وحماسة الناس للثبات والأصرار على نيل الحقوق المشروعة ربما كان على قادة التظاهرات دعوة ابناء الشعب العراقي في كل المحافظات للألتحاق بهم بالذهاب الى بغداد والى المنطقة الخضراء مباشرة ، وعدم المكوث شهورا في مدنهم وساحاتها واعتبار التظاهرات حقا مشروعا وعملا سلميا يحفظ أرواح الناس. ان مثل هذه الأنتفاضات تتطلب تضحيات جمة لأنها قضية ومعركة كبيرة لا يستهان بها تواجه أركان سلطة يدعمها الأحتلال ودولا غيره .ومن ثم فأن المراوحة والبقاء بعيدا عن العاصمة يسهل تمييع اكبر التظاهرات بمرور الوقت وذلك بأهمالها وأتعاب وأنهاك جموعها . وتتمكن السلطة في هذه الحالة من كسب الوقت وأفشال التحركات الشعبية مهما كان حجمها. هكذا أنتهت هذه الأنتفاضة الرائعة لأبناء العراق ورجالها مؤقتا لأنها لم تتحرك صوب المكان المناسب وفي الوقت المناسب .لكنها عادت من جديد انتفاضات في كل مدن العراق منذ أشهر ، حيث أنفجرت التظاهرات في الوسط والجنوب بقوة اكبر من نظيراتها في المحافظات الستة احتجاجا على الحكومة وفسادها الذي تفشى كالسرطان وفي كل الميادين ينهش في جسم المجتمع العراقي ومؤسساته ويلقيها عظما منخورا.بل يمكن ان نقول ان هذه التظاهرات قد ذهبت أبعد من تظاهرات الأنبار من حيث انها مرغت بالحضيض أحزاب العملية السياسية وأكاذيبهم وتسترهم بالعمامة وبالطائفة وبالدين عندما رفعت شعار” باسم الدين والحسين والحوزة باكونا الحرامية”؟فكسرت بذلك لغة الطائفية العزيزة على الأحزاب ومزقتها أربا. ورفعت علم العراق وحده دون الرايات الأخرى وأعلنت ان متظاهري المنطقه الغربية كانوا على حق في تظاهراتهم ضد الحكومة لتسحق مفهوم المناطقية والطائفية وأستيلاء حزب او جهة سياسية عليها فكانت بحق مظاهرة عراقية وطنية. لم تتهم الحكومة هذه المرة المتظاهرين بالبعثية والتكفيرية والطائفية كما فعلت في الأنبار وغيرها لأنها تعتبر هذا المحافظات حاضنتها الشعبية لكنها لم تكن لتتهاون لو أستطاعت وبكل الطرق أنهائها. لقد تجنبت المواجهة العنيفة مفضلة بداية القوة الناعمة من شكل محاولات أختراق التظاهرات لتجييرها الى الاحزاب وكسب الوقت باطلاق وعود الأصلاح والتغيير للطاقم الحكومي بحكومة تكنوقراط .من ناحية اخرى ، تلوح الحكومة اليوم بالعصا بأتخاذ أجراءات ضد المواطن وراتبه الضعيف تمثلت بألغاء مجانية التعليم والتطبيب وتسعير المراحل الدراسية وتسعير كل خدمة عامة لموؤسسات الدولة الحكومية يطلبها المواطن مثل زيارة المريض وأستلام جثث قتلى العمليات الأرهابية على سبيل المثال- ولم يبق لهذه الحكومة الا تسعير تنفس المواطن للهواء – ومع أزدياد النقمة الشعبية وحدوث تظاهرات اعتبرتها الحكومة معيبة ومهينة لها بطرد وزير التعليم حسين الشهرستاني من مدخل جامعة المثنى ونعته بالفاشل، ونزول مئات الآلآف من التيار الصدري في ساحة التحرير وعلى ابواب المنطقة الخضراء، كشرت الحكومة عن انيابها بالعمليات الارهابية، اذ ضربت احياء معينة تفجيرات دامية فأعادت لأذهان العراقيين التصفيات الطائفية التي ابادت جزءا كبيرا من ابناء الشعب العراقي في اعوام 2005.وما تلاها. وحصلت في المقدادية الشهيدة تفجيرات لأجتماع للمليشيات ، حدث بعده انسحاب للقوات الحكومية من المدينة لفسح المجال للعصائب وقوات بدر للأنتقام من الأهالي المظلومين والسجناء الأبرياء-أعدام ما يقارب 140 سجين بعد الحادث وفقا للأعلام- وتفجير البيوت وأرعاب الناس الذين لم تعرف مدينتهم السلام منذ حروب التطهير الطائفي والعرقي التي بدأت قبل سنوات ولم تنته بعد.وأزاء كل هذه الأحتجاجات قدمت بعض الكتل أستقالة عدد من وزرائها وتبرأ مقتدى الصدر من وزرء كتلة الأحرار في بيان له دون ان يخرج من العملية السياسية التي يقول عنها أنها عملية فاسدة ، كما أحيل بعض السياسيين للتحقيق مثل صالح المطلك وآخرين .وأقترح رئيس الوزراء حيد العبادي حكومة تكنوقراط وترشيق لحكومته وأدخال اسماء جديدة .لكن هل بأمكان عملية الترقيع في تأليف -حكومة التكنوقراط- وتعيين نوري المالكي المطلوب راسه من المتظاهرينوالمحتجين وعلي الأديب لأختيار وزراء جدد لهذه الحكومة أقناع الشعب العراقي الذي نفض يديه تماما من العملية السياسية ولم يعد يعول عليها ؟ هل سيتراجع ابناء العراق في تظاهراتهم أمام أرهاب الحكومة وتهديدها بحرب طائفية جديدة ؟المتابع لهذه التظاهرات منذ البداية يتيقن ان الشعب العراقي الذي هتف برحيل سكنة المنطقة الخضراء لن يسكت اطلاقا بعد اليوم عنهم وان التظاهرات لن تتوقف وان توقفت يوما ستنفجر في يوم آخر وهكذا لأن حركة التاريخ والتغيير لا تقف . ولن تستطيع هذا الحكومة ولا غيرها من حكومات العملية السياسية ان تعود بالزمن الى الوراء حتى بأستخدام الأرهاب وأشعال حرب طائفية من جديد .وتاريخ ثورة العشرين وغيره من الثورات والأنتفاضات أخرها الثورة المصرية لأكبر دليل على ذلك.لقد أعتمد قادة ثورة العشرين على وسائل بسيطة أمام الجيش البريطاني ورغم ان هذه الثورة قد فشلت عسكريا الا انها قد نحجت سياسيا وأصبحت مرجعية وبداية لأنطلاق كل الأنتفاضات في بلدنا الى يوم ثورة تموز 1958التي قام بها الشعب العراقي ضد الوجود الأستعماري البريطاني أنئذاك .هكذا ستكون تظاهرات العراق التي بدأت بالأمس في الأنبار وديالى والفلوجة سلمية دون اي أستخدام لوسائل العنف واليوم تلحقها بغداد والنجف وكربلاء والبصرة وذي قار والمثنىى وبابل وواسط وميسان. أن دعوة التيار الصدري للتظاهر يوم الجمعة أمام المنطقة الخضراء بصرف النظر عن الأهداف التي يطمح لها، هي دعوة لتظاهرة في الطريق الصحيح لم يسلكها غيره لأنها دعوة لتظاهرة وطنية عراقية شاملة لم يقصرها على تياره كما حدث في الأسبوع الماضي من أستعراض وعرض لمناصريه،. كما أنه قد أختار هذه المرة المكان المناسب الذي يجب على المتظاهرين السير اليه في اي وقت سواء من بغداد او من غيرها دون سواه لتحقيق مطالبهم الا وهو المنطقة الخضراء مرتع الفساد ووكر الأحتلال وخططه. ورغم اعتقادنا بأن التظاهرة التي دعى لها التيار الصدري هي امتداد للتظاهرات الأخرى لكننا نرى بأنها تعيد أبناء شعبنا ومتظاهريه الى المربع الأول فهي لا تلبي طموحاتهم ومطالبتهم في التخلص من حكومة الأحتلال وبرلمانه وعمليته السياسية الأجرامية وتكتفي بشعارات أصلاحية لم يعد يصدقها حتى الطفل العراقي بعد كل هذه السنوات من الفساد والحرب والخراب وقتل الشعب ونهب المال العام وأنعدام الخدمات والأمن وتدهور مختلف قطاعات الدولة خصوصا الصحية والتعليمية.كما أنه يدعو الشعب العراقي لوحده كتيار دون التنسيق والتشاور مع القوى الوطنية الأخرى الموجودة على الساحة العراقية.ان معركة مواجهة أنظمة وسلطات الفساد ليست من المعارك البسيطة والسهلة بل تعتبر من المعارك الكبرى التي تحتاج الى الحنكة السياسية والخبرة والعمل السياسي الميداني والتعامل في أوقات حرجة والتأقلم والمرونة ومعرفه توقيتات الحسم التي تندرج كلها في كيفية أدارة الصراع. بل ان تاريخ بعض الثورات وقيادتها تحدثنا عن قيام قادتها بتغيير شعارات المرحلة لعدة مرات في اليوم الواحد وتغيير التكتيكات بما تتطلبها الأوضاع التي تفرزها المواجهة مع الآخر. معركة التظاهرات في العراق اليوم تحتاج الى تظافر كل الجهود ومشاركة كل أطياف المجتمع العراقي في الداخل والخارج، تحتاج الى الأسناد والدعم من كافة القوى الوطنية وليس فقط من تيار او حزب واحد أو شخص.بالتظاهرات والأحتجاجات في كل مدن وقرى العراق ، وضع شعبنا العراقي خطاه على الطريق المؤدي للتحرير والحرية، وسيدخل متظاهروه أن عاجلا أم أجلا المنطقة الخضراء ويجبروا حكومة الأحتلال وبرلمانها القابعين فيها والمتمترسين خلف الجدران الأسمنتية بحراسة الدبابات والكاميرات والطائرات على الرحيل وهذا اليوم هو يوم قريب بأذن الله.