23 ديسمبر، 2024 10:11 م

تظاهرات العراق الخجولة … وقطف الثمار

تظاهرات العراق الخجولة … وقطف الثمار

لربما سيعتقد البعض إنه من الظلم أن توصف التظاهرات الحالية بالخجولة , ولا يقصد وصفها بهذا الشكل لغرض التقليل من أهميتها أو الإستهانة بها.
بل على العكس , هي دعوة لوجوب ألتحاق دماء جديدة بها وتطعيمها بكل الوان الطيف العراقي لأضاعة الفرصة على من يحاول أن يقتحمها ويركب موجتها من سياسيين وفصائل مسلحة بمختلف عناوينها .
وصفها بالخجولة جاء على ضوء معطيات ميدانية , أهمها , إنها حتى اللحظة لا تتناسب وحجم الكارثة التي تمر بها البلاد والتي تستوجب توفر ضغط وطني عالي لإنقاذ ما تبقى من أطلال .
هذا إن غضضنا النظر عن إنها جائت متأخرة كثيرا , فحتى اللحظة ما زال البعض مصاب بفوبيا أوهام زرعها سياسيون في عقول العامة من إن فوضوية التظاهرات والتي لربما ستتطور للأطاحة بالعملية السياسية سيفتح الباب على مصراعية أمام الأرهاب الذي سيقتحم مدن الجنوب ويوقع بأهلها قتلا وبنسائها سبيا !
وهذا ما يفسر طبيعة ما تبناه ناشطوا التظاهرات من مطاليب أقتصرت على وجوب محاسبة المفسدين وتوفير الخدمات .
والحقيقة التي لربما يكره البعض التطرق لها , هي إن 95% من المشاركين في التظاهرات هم من الشيعة العرب تحديدا , حتى في العاصمة بغداد ذات الخليط السكاني .
غلبة هذا الطيف هو أحد أهم الأسباب التي أحرجت المرجعيات الدينية خصوصا وأكبر الكتل النيابية والمتمثلة بالتحالف الوطني .
وهي نفسها أحد الأسباب التي تستوجب أخذ الحيطة والحذر من إمكانية مصادرة التظاهرات وحرف مسارها عبر قيام جهات هي متهمة أساسا بالفساد وبأرتكاب جرائم ضد الأنسانية , لتقدم للجمهور الغاضب شخصيات على إنها ” سوبر مان ” ومفاتيح الخلاص بأيديها .
وما دعم المرجعية لرئيس الوزراء حيدر العبادي وإعطائه الضوء الأخضر للضرب بيد من حديد على المفسدين الا خطوة إستباقية بهذا الأتجاه .
موقف المرجعية هذا يستلزم التحليل والنظر فيه بعيدا عن التعصب المذهبي , فالتصريح الذي نقلة عن المرجعية خطيب الجمعه وممثلها , احمد الصافي , جاء بعد صمت لبضع أيام من إنطلاق التظاهرات , والتي أثارت أستغراب المقربين منها والمقلدين لها , والذين أعتادو على أن يكون للمرجعية موقف واضح عبر سجل حافل من الفتاوى السياسية التي رسمت خارطة الطريق منذ عام 2003 وحتى اليوم .
فكانت لصرخات المتظاهرين عبر القول ” باكونه الحرامية بأسم الدين ” هي رسالة واضحة للمرجعيات التي تقاسمت فيما بينها دعم وتأييد أحزاب وتيارات كلا بحسب نسبة أنصارها في المحافظات والتي تسببت في تبوء الفاسدين مناصب رفيعة ومهمة في الدولة من خلال نظام قوائم أنتخابية لطالما أثير حوله الشبهات .
دخول المرجعية على خط التظاهرات جاء وبلا أدنى شك بعد شعورها بأن الشارع يرغب في أستبعادها عن المشهد السياسي , وهو أمر دق لأجله ناقوس الخطر ضمن أوساط من كانوا يؤسسون لدولة عقائدية ذات نظام حكم ليس ديني بقدر ما هو مذهبي .
وإقرار قانون الأحوال الجعفري والدعوات لنسخ تجربة الحشد الشعبي وأيدلوجيته على كل أصناف قوى الأمن الحكومي , هي قرائن وأدلة على ذلك .
النقطة الاخرى والاكثر أهمية , هو ما أسماها ممثلوا المرجعية بأنه ضوء أخضر منح للعبادي , فهل معنى هذا بأنه كان هناك سابقا ضوء أحمر يمنع من محاسبة ومقاضاة السياسيين الفاسدين ؟!
من المنصف أن نقول بأن التظاهرات شبه عفوية وشعبية وجماهيرية , ويستدل من ذلك عبر ردود فعل عكست أنزعاجا وقلقا أصاب العديد من التيارات الدينية وحتى بعضا من تلك التي تدعي بأنها ليبرالية .
فمن خلال المشاهدة والمتابعة , لوحظ بأن اللافتات قد خطت على قطع قماش بسيطة لا يتعدى سعر المتر الواحد مع تكلفة ما عليها من أصباغ وكتابات أكثر من ألفي دينار , فضلا عن رفع قطع من الورق المتوفرة في معظم المحال , كما وأن راية العلم العراقي هي الغالبة والمتصدرة ضمن ما رفع من قبل المتظاهرين , كلها مؤشرات على إن التظاهرات لم تحضى بدعم حزبي او قد تبنتها كتل ضمن صراع التيارات السياسية .
وهو أمر يختلف كثيرا عن تظاهرات سابقة كان متبنيها واضحوا المعالم عبر ما كان يرفع فيها من صور شخوص سياسية ولافتات خطت على الواح الفليكس المكلفة كثيرا .
ومع هذا وعبر تجربة الربيع العربي الذي مرت به بلدان عربية عدة , فلم نلمس في أيٍ منها ما يوحي بأن الشعب هو من قطف ثمار الثورات .
فمعظم الأنظمة التي أستلمت مقاليد الحكم في دول الربيع , إن لم تكن نسخة عن سابقاتها فأنها أسوء منها بكثير .
تلك التجارب تستلزم التمعن والمتابعة بحذر شديدين , فلا هيئات شعبية ذات وعي وتجربة سياسية طلت على الساحة لتمثل المتظاهرين ولا مجالس سن انتخبت لتكون ناطقة بأسم المطالب حتى اللحظة .
وخروج تظاهرة مؤيدة لحيدر العبادي , دعى أليها قلة في نفس اليوم الذي أصدرت فيها أولى حزمة الأصلاحات , هو مؤشر خطير على أن التظاهرات قد أخترقت بالفعل , وإن أنشقاقات لربما تحصل ضمن جموع المتظاهرين وناشطيهم .
فلمتابع لصفحات الحراك المدني وما كان يرد فيها من شجب للتظاهرة المؤيدة للعبادي يدفعنا للشعور بالقلق , فالكثيرون أدانوها واعتبروها أنها في غير أوانها , فالمناصب الرئاسية ألغيت نعم , ولكن هل سيتم أيقاف الرواتب والأمتيازات لمن كانو يتبؤون هذه السلطات , وأن تم إيقافها فهل ستنفق تلك الأموال على أعمار البلاد وصيانة بناه التحتية أم أنها ستذهب للمجهود الحربي لتستورد بموجبها اطنان من العتاد والأسلحة ؟
وهل نظام المحاصصة الذي وقع على بنوده الجميع في مؤتمر لندن ومن ثم ليتبلور ضمن ما بات يعرف بالدستور سيتيح أجراء الأصلاحات ؟
كما علينا أن لا ننسى بأن الجارة الأقليمية إيران , لن تبقى مكتوفة اليدين لتتابع بصمت ما يمكن أن تسفر عنه التحولات على الساحة والتي لربما ستعصف بكل ما سعت إليه عبر عقد مضى من الزمان وهي تبلور نفوذها وترسخة في العراق .
الأيام القادمة حبلى بالأحداث , وسيكون الشعب بطلها كالعادة , ولكن من سيقطف الثمار ؟! هذا هو السؤال الذي يدور في خلد معظم العراقيين .