23 ديسمبر، 2024 10:41 ص

تظاهرات السليمانية وديماغوجية الخطاب الانفصالي

تظاهرات السليمانية وديماغوجية الخطاب الانفصالي

مرت تظاهرات السليمانية العاصفة دون أي ضجيج اعلامي ، ودون أن ترف عين للحكومة الاتحادية،او المجتمع الدولي، رغم أن ضحايا القمع الذي مورس ضد المتظاهرين كان عنيفا _ وحشيا راح ضحيته العشرات ، في وقت مازالت الاعتقالات متواصلة ضد اهلنا هناك في شمال العراق، ومازال تكميم الافواه مستمرا دون أي محاسبة أو ادانة او حتى إشارة من قبل المسؤولين في بغداد.
السؤال المطروح أين هي حكومة مصطفى الكاظمي من هذه الأحداث ؟ ولماذا يترك المواطنون هناك دون أي موقف رسمي يدعم مطالبهم المشروعة ؟ خاصة أن السيد الكاظمي عودنا على مواقف شديدة وصارمة ضد من يتصدى للمتظاهرين أو يعترض طريقهم لدرجة إصداره أوامر صارمة للجيش والشرطة والامن لحماية المتظاهرين ومحاسبة كل من يمنعهم من ايصال صرختهم أو مطالبهم للجهات المعنية ، وقد حضر بنفسه مرات ومرات إلى مواقع التظاهرات في البصرة والناصربة وبغداد لدرجة انه اقال ضباطا بتهمة التعرض للمتظاهرين رغم أن المتظاهرين استهدفوا هيبة الحكومة وهيبة قوات الامن ، كما اقال محافظين من مناصبهم لمثل هذه الأسباب ، وكنا نتفهم هذه الاجراءات على اعتبار أن الكاظمي جاء على اكتاف ناشطي تظاهرات تشرين ، لكن الذي لايمكن فهمه هو سكوته تجاه احداث السليمانية رغم الدم الذي اريق حيث قامت قوات الأسايش الكردية باستخدام الرصاص الحي ، والقمع والارهاب ضد المطالبين بلقمة العيش الكريم .
حيث كان من المفترض تدخل حكومة الكاظمي في المسالة وفتح تحقيق حول تلك الأحداث ولماذا يتم اللجوء إلى استخدام الرصاص ضد متظاهري السليمانية السلميين فيما يمنع استخدام خراطيم المياه ضد متظاهري ساحة التحرير اللاسلميين.
والاغرب من كل هذا استقبال الكاظمي لوفد حكومة اربيل في بغداد بعد قمع هذه التظاهرات بالاحضان دون ذرة شعور بالخجل من الدماء التي نزفت من أبناء شعبنا الكردي هناك،
كنا نتمنى أن يقوم السيد الكاظمي بزيارة الى السليمانية ويصدر قرارا باقالة المحافظ هناك لندرك أننا في بلد متساوي الحقوق والواجبات ،
ان استقبال الوفد الرسمي لاربيل في هكذا ظروف يعتبر خطأ استراتيجيا ، لان المطلوب هو فتح تحقيق في القضية واستقبال وفد شعبي أو جمع من المتظاهرين كما هو حاله مع متظاهري بغداد والمحافظات الجنوبية المسكينة….
اما الاحزاب الكردية الخاطفة لشمال العراق فهي أرادت من هذه الخطوة تحقيق عدة نقاط لايفهمها القابعون في بغداد.
اولا : ترحيل أزمة الاقليم من كونها بعدا داخليا مرتبطة بفشل حكومة الاقليم إلى مشكلة اتحادية وزجها بالحكومة الاتحادية ، فحكام اربيل حولوا الأزمة من مجرد كونها أزمة مالية سياسية مرتبطة بوضعهم الخاص إلى أزمة من إنتاج حكومة المركز ، وبالتالي رحلوا ازمتهم وعلقوها براس حكومة بغداد على أساس أنها لاتدفع رواتب موظفي الاقليم …..
ثانيا: تركيز فكرة أن مشاكل الاقليم هي من إنتاج حكومة المركز ، وانهم وحدهم الحريصون على مصالح المواطنين الكرد ، والحكومة المركزية لاتولي الاقليم اي حضور ،كما حشدوا اعلام الاقليم للدفاع عن اقطاعياتهم السياسية
واتهام بغداد بعدم الإلتزام بالاتفاقيات السابقة رغم أن العكس هو الصحيح ….
ثالثا: الاخطر من ذلك هو تحرك الكرد على نقل ازمتهم إلى البيت الشيعي ، بمعنى أنهم بالاتفاق المبدئي مع حكومة الكاظمي دون أي غطاء برلماني أو تنسيق سياسي مع مكونات العملية السياسية هو خطأ سياسي اضافي ، فتحوا ثغرات في البيت الشيعي خاصة وانهم اتهموا التيار الصدري وتحالف النصر بعرقلة أي اتفاق بينهم وبين المركز ، مما يعني أنهم ارادوا بهذا الاتفاق استدراج الكاظمي ووضعه بمشكلة مع التيارات التي جاءت به الى السلطة .
رابعا: الملفت أن هذه الزيارة كشفت المواطنين الكرد وجردتهم من الشعور بوجود حكومة مركز يمكن أن تحميهم وتقف إلى جوارهم ، وقد راينا مناشدات كردية للحكومة بغداد تطالبها بتخليصهم من الاقطاعيات السياسية الفاسدة التي تحكمهم بقوة الحديد والنار ،وبالتالي لم تكن حكومة الكاظمي فاعلة في ملف الكرد ، كما هو حالنا في الملفات الأخرى ومنها نزول العملة العراقية أمام العملات الأجنبية ، مما سيكلف المواطنين خساءر كبيرة حيث عوضت قضية توزيع الرواتب بقضية خفص العملة الوطنية لتسحب وتضعف القوة الشراءية للمواطن العراقي وتضعه في رصيدها.
خامسا: تظاهرات السليمانية هي وثبة شعبية بوجه السلطات الفاسدة التي لم تعط الموظفين حقوقهم ، فرغم استلامهم رواتب تسعة اشهر الا أنهم لم يوزعوا على الموظفين سوى خمسة أشهر واستقطاع مايقرب من النصف من رواتبهم بذريعة الادخار الاجباري ، وبالتالي أين هي حكومة مصطفى الكاظمي من هذا الواقع المرير لاهلنا في الشمال! ولماذا لاتحاسب سلطات الاقليم التي تقيم دولة داخل دولة ..
كان من الأولى على حكومة الكاظمي مكاشفة اهلنا في الشمال ووضعهم أمام حقيقة الأمر ، كما يتوجب عليها محاسبة سلطات الاقليم ومساءلتهم عن الأموال التي تصرف للاقليم ولكنها لاتدخل جيوب المواطنين ، كما أنها مطالبة بفضح سلطات الاقليم بخصوص عاءدات النفط والمنافذ والضراءب , أين تذهب هذه الاموال، ولماذا لاتصرف على رواتب الموظفين، ولماذا يقدم الاقليم لبغداد قواءم برواتب ملايين الفضاءيين لدرجة ادراج رواتب لموظفي السكك الحديدية بينما الاقليم لايمتلك أي سكك للحديد!
خامسا: حكومة المركز مازالت بعيدة عن واقع ومعاناة المواطن الكردي، وكل ماتسمعه أو تؤسس عليه هو من لسان الاحزاب المختطفة للاقليم وللمواطنين،كما أنها لاتملك أي وجود رمزي لها في الاقليم ، وليس لها تمثيل في حكومة أو برلمان الاقليم ، وبالتالي فهي مشاركة في الجراءم التي تلحق بالمواطنين هناك.
مايلفت النظر هو الخطاب الديماغوجي الذي تتشدق به سلطات الاقليم التي كرست أحداث السليمانية لاتهام حكومة بغداد قانونيا ووظيفيا بأنها سبب تلك الأحداث ، وعليها دفع ضريبة ماجرى من مصداقيتها وعدم اهليتها للسيطرة على الشمال…
اما مايخص الاتفاقية التي تم التوصل إليها بين حكومة الكاظمي ووفد حكومة اربيل وادراج حصة الاقليم ضمن موازنة عام 2021، فهذه هي الأخرى في غاية الرداءة، والتي تعكس مدى استسلام المركز لشروط الاقليم ، متجاهلة حقاءق شاخصة، منها ،أن الاقليم باع نفط الشمال الى الجانب التركي لخمسين عاما قابلة للتجديد، وبثمن بخس ، 10 دولارات للبرميل الواحد .
ثانيا: الاقليم يسيطر على كل موارده دون ان يقدم فلسا للمركز ، مقابل أن يغطى المركز كل ميزانية الاقليم ، بمعنى أن تتحول بغداد إلى محفظة جيب للاقليم ، فالاقليم يستثمر النفط في المناطق التي يسيطر عليها ، بالاضافة الى نفط كركوك ، الذي هو من المفترض أن تسيطر عليه الحكومة بعد استرجاعه من سيطرة الاحزاب الكردية بعد تحرير كركوك ومصفاة بيجي من سيطرة داعش التي دخلت العراق بدعم من الاقليم.
الاقليم حسب الاتفاق الجديد القديم من حيث المبدا ، يعطي 250 برميل للحكومة ، ونصف عاءدات المنافذ الحدودية ، مقابل ادراج حصة الاقليم التي تتجاوز 12 بالمءة في ميزانية 2021 م ، وإذا قبلنا بإمكانية التزام الكرد بالاتفاق وعدم الدوس عليه كما فعلوا في المرات السابقة ، فإن أبسط جردة تؤكد أن الاتفاق مسرحي لضمان تدفق المال للحاكمين في الاقليم مقابل لاشيء للمركز، فالاقليم يصدر 650 برميل لتركيا بعشرة دولارات للبرميل ولخمسين عاما، فيما يصدر 250 أخرى إلى جهات مجهولة !! ، وما اتفق عليه هو اعطاء 250 برميل من نفط كركوك الذي هو بالاساس من حصة الحكومة ، كما ان المنافذ الحدودية هي تحت سيطرة الاقليم وحتى العلم المرفوع عليها علم الاقليم دون أي وجود لعلم العراق , وبالتالي كيف يمكن التأكد من العاءدات التي تم الاتفاق عليها، بمعنى أن الحكومة تعطي كاش للاقليم بينما يعطي الاقليم سرابا للمركز، والايام القادمة ستكشف المزيد من الحقاءق في الاقليم المفتوح لعشرات القواعد الأمريكية والتركية بينما لايسمح لجندي عراقي واحد بالبقاء فيه،وحتى المواطن العربي لايسمح له الدخول للاقليم الا بكفالة من مواطن كردي ، والعاقل يفهم….
..