22 ديسمبر، 2024 7:29 م

تظاهرات التحرير: خطاب الازمة وأزمة الخطاب !!

تظاهرات التحرير: خطاب الازمة وأزمة الخطاب !!

يكثر الحديث عن مرور العراق بمؤامرة دولية توظف تظاهرات الحرمان في ساحات التحرير من خلال تصنيفهم الى سلميين ومندسين، شيوعيين وبعثيين، جوكر امريكي ومجرمين منفلتين، وتأخذ منصات التواصل الاجتماعي نموذجا لهذا الخطاب، ما بين اتهامات بالتآمر على العملية السياسية واستهداف الحشد الشعبي والمرجعية الدينية العليا، وبين اتهامات الحرمان الشعبي العام ومفاسد المحاصصة !!!

والسؤال: من المأزوم وأين تكمن ازمته في هذا الخطاب الإعلامي ؟؟

هناك من يدعو الى أهمية ترويج خطاب اعلامي يقود الراي العام العراقي لاسيما الشيعي منه الى وجود مؤامرة تستهدف العملية السياسية مع اعترافه بنقد الأخطاء الواردة فيها طيلة عقد ونصف مضت، ويعد هذا الخطاب مفاتحا للصمود ضمن محور المقاومة الإسلامية بدلا من الاندماج في مخطط اسقاط العملية السياسية، كمطلب واضح للمتظاهرين.

في المقابل، يتصاعد خط الحرب الناعمة بأساليب متعددة بدأ من البرامج الاستقصائية عن معتمدي المرجعية الدينية التي نشرت في احدى القنوات الفضائية، ووصفت بالسلبية من أطراف متعددة، سياسية وإعلامية، ومن ثم استهداف زعامات في محور المقاومة بعقوبات أمريكية مباشرة وهناك تسريبات عن تصعيد العقوبات الاقتصادية ضد عدد أكبر من قيادات هذا المحور.

الحلقة المفقودة بين كلا الطرفين، تتجسد في الشعب العراقي المتظاهر المطالب بالخلاص من الحرمان، هذا المطلب ليس حكرا على تظاهرات اليوم، بل هو مكمن خطاب أحزاب المعارضة التي تتصدى اليوم للحكم بأسلوب مفاسد المحاصصة، فكان شعار مؤتمر صلاح الدين ((الديمقراطية للعراق والفيدرالية لكردستان))، وأيضا اندرج ذلك فيما وصف بـ (التهميش) بساحات الاعتصام في الانبار وصلاح الدين، الذي يبدو انه انتقل اليوم الى تغريده خارج الصندوق للعمل على تحقيق فيدرالية المنطقة الغربية.

عودة الى السؤال: حتى اذا اتفقت جدلا بان المرحلة بحاجة الى خطاب يحافظ على العملية السياسية، فأي حلول يمكن تنتظرنا بعد انتفاء وجود التظاهرات، وهي قائمة وفي اوج تأثيرها، وما زالت أحزاب مفاسد المحاصصة، لا تغادر تطبيقاتها، في التسويف والمماطلة أولا ، وفي تضليل الراي العام من خلال ما يعرف اليوم بـ (الجحوش الالكترونية) للسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نموذج بدأ ضمن أساليب الحرب الناعمة الخارجية وما زال فعالا على مختلف منصات المشاهدة العراقية ، ناهيك عن أفواج ممن يطلقون عليهم مسميات محللين سياسيين او امنيين او او .. الخ .

مهمة هؤلاء تحويل نظرية إدارة الراي العام من خلال الاعلام بوصفه السلطة الرابعة للتأثير على بقية السلطات ، فتحول هؤلاء في دكاكين فضائيات الأحزاب الى شخصيات مشاهدة ومتابعة من جمهور ذات الأحزاب وكان هذه الأحزاب تريد اسماع صوت جمهورها لبقية اطراف العملية السياسية ، داخل البيت الشيعي او غيرها من تحالفات إدارة الازمة ، فانتهى الامر الى ان الكثير منهم يظهر في قنوات حزبية بلغة إعلامية خاصة بها ،سرعان ما يظهر في قنوات أخرى تدار من خارج العراق بلغة ومصطلحات أخرى ، اما اذا ظهر في قنوات عربية او دولية ، فتكون له لغة ثالثة !!

ما حدث في ساحات التحرير، وفق موقف المرجعية الدينية العليا، بان ما قبلها ليس ما بعدها، وهناك أكثر من تصريح لقيادات سياسية بان الرسالة قد وصلت، لكن رد الفعل الصحيح حتى الان لم يحصل، فقط لان تحليل المرجعية الدينية واضحا وصريحا، بعدم تصديق الوعود التي تقطع من أحزاب مفاسد المحاصصة، وكذلك الشعب، ربما يتظاهر ألف رجل، لكن لهم عمق مليون متظاهر صامت، يرفض واقع الحال المفروض عليهم.

كل ذلك يؤكد ان دعاة الخطاب الإعلامي لمواجهة المؤامرة ، يتطلب عليهم أولا الفرز الواضح والصريح ، بين عملية بناء صحيحة للوط ونتاج حكم رشيد للعملية السياسية من خلال انتخابات عادلة ومفوضية انتخابات تستبعد من اتهامات التزوير، وخطوات ذلك لا تحتاج الى سفسطة كلامية مقابل دماء الشهداء والجرحى في هذه الساحات، بل تحتاج كملة حق ، فالمثقف النخبوي ، عليه ان يقول كلمته ويمضي ، شاء من شاء وابى من ابى ، هذه عملية سياسية فاسدة ، تحتاج الى تغيير جذري ، بوسائل سلمية ، او مواجهة غضب عارم ، ربما ، أقول ربما ، وأكرر ربما ، تقود المرجعية الدينية هذا الغضب الشعبي التي تقف دائما مع الشعب حتى بح صوتها من مفاسد أحزاب السلطة .

الخطاب الإعلامي الاصح اليوم، تكرار النصح بالحث عن حلول وحوارات متحضرة، من اجل عراق في غد مزدهر، بلا مفاسد، وموازنة عامة توفر فرص العمل لا الوظائف الحكومية تضبط إيرادات النفط والمنافذ الحدودية في جميع انحاء الوطن، ومناصرة وتحشيد لسياسات عامة حاكمة تستنهض همم شباب ساحات التحرير للتصدي لأي نموذج من المؤامرة الإقليمية والدولية، فالعراق واحد، وطن الجميع.