17 نوفمبر، 2024 3:17 م
Search
Close this search box.

تظاهرات البصرة بين التكنوقراط السياسي والتكنوقراط المهني

تظاهرات البصرة بين التكنوقراط السياسي والتكنوقراط المهني

أعادت تظاهرات البصرة الأخيرة تداول مصطلح التكنوقراط وحكومة التكنوقراط بعد اخفاق منهج المحاصصة الطائفية في ادارة النظام السياسي بعد عام ( 2003) وفي توظيف امكانات الدولة لتامين اهم وابسط مستلزمات حياة المواطن البصري ورفع معاناته لسنين طوال عجاف من شحة ماءعذب في ظل توفر التكنلوجيا المتقدمة لمحطات تحلية المياه. وسبق ان نشرت مقالا في موقع كتابات بتاريخ 10 آذار 2016 وبعنوان” التكنوقراط السياسي والتكنوقراط المهني….تجربة وزير تكنوقراط مهني” , باستعراض تجربتي عند ادارتي لملف الكهرباء من عام ( 2006-2010 ) في حكومة منتخبة ضمت البعض من رجال التكنوقراط المهنيين والسياسيين في ظل نظام سياسي ينتهج المحاصصة السياسية. كان قطاع الكهرباء من أكثر القطاعات التي عانت من الإرهاب، وبلغت ذروتها بين الاعوام (2005-2008), ومن اكثر القطاعات التي تعرضت لضغوط سياسية داخلية و إقليمية, كونه يشكل محورا أساسيا في تقييم إدارة النظام السياسي للدولة، لذا بذلنا جهود كبيرة منذ تولينا المسؤولية لإخراج قطاع الكهرباء من آلية المحاصصة التي أصبحت تقليدا في تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد عام (2003)، لبناء مؤسسة كهرباء مستقلة تعتمد المهنية والتخصص كأساس لها، بعيدا عن تدخلات الكتل والكيانات السياسية اللاهثة وراء مصالحها الضيقة. وكان من المتوقع أن لا يرضى السياسيون من هذا التوجه, لأن معظمهم يخشى من تداوله كونه يهدد بقاءهم في السلطة وفق نظرية انتهاج المحاصصة الطائفية هي الحل الامثل في ادارة الحكم في العراق. ولتاكيد توجهنا المهني لم يكن تخطيطنا لقطاع الكهرباء متوقفا على تغطية الطلب على الطاقة الكهربائية، بل تضمن ايضا مواجهة النمو السنوي المستقبلي، فوضعنا خطة عشرية للسنوات (2006 – 2015) وبدعم من مؤسسات دولية ليكون عام (2013) موعد إنهاء ازمة الكهرباء, والذي تطلب انشاء بنى تحتية جديدة من محطات إنتاج وشبكات نقل وتوزيع. و توسعت الخطة المركزية الى العام (2030) بعد تكليف مؤسسة (بارسنز برنكرهوف) العالمية في العام (2009), وتم إصدارها في شهر كانون أول (2010) بخمس مجلدات تفصيلية. وعلى ضوء ذلك تم توقيع عقودا استراتيجية لمشاريع انتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية, والحقيقة التي نود أن يطلع عليها المواطن أن الفترة التي تولينا فيها إدارة القطاع, ارتفعت نسبة الزيادة في انتاج الطاقة الكهربائية بمقدار (47%) في العام (2010) عن العام (2006), حيث لمس المواطن العراقي التحسن فى تجهيز ساعات الطاقة الكهربائية في الأشهر الاولى من العام (2010) ووصل الى معدلات تصل (18) ساعة في اليوم في معظم مناطق العراق, مع المباشرة بتنفيذ عقود مشاريع الطاقة الاستراتيجية التي اتت أؤكلها بتجاوز خط انتاج الطاقة الكهربائية البالغ ( 16000 ) ميكاواط ولتاريخه, ولازالت هنالك قدرات انتاجية متاخرة في تفيذها تنتظر اضافتها وبمقدار (1200) ميكاواط ومنذ عام (2014 ) لاسباب فنية وادارية, ليصل الانتاج ذروته, وليغطي طلب القطاع الصناعي والزراعي والخدمي من حاجته من الطاقة الكهربائية. ورغم كل الجهود التي بذلت لبناء مؤسسة (كهرباء) مستقلة غير خاضعة لشروط المحاصصة الطائفية وبعيدة عن تجاذبات الكتل السياسية ومعتمدة على قيادات من التكنوقراط، إلا أن صراعات هذه الكتل ما لبثت إن إنعكست وبشكل ضاغط على سير عمل الوزارة، خاصة بعد مغادرتي الوزارة وانحرافها عن الخطة الاستراتيجية في بناء منظومتها. غادرنا الوزارة لتلتحق هذه المؤسسة العريقة من بعدنا – وبكل أسف – الى قافلة المؤسسات الملحقة بالمحاصصة الطائفية. سقت هذه المقدمة لأبين لأبناء شعبي وللمعنيين من التكنوقراط المهنيين والتكنوقراط السياسين تجربتي عند ادارتي لملف الكهرباء, التي لم تتزامن مع تجارب قطاعات اخرى خدمية او اقتصادية من عدم اعدادها خطط استراتيجية خمسية او عشرية ومنها قطاع الموارد المائية لغرض تامين الاطلاقات المائية لحوضي دجلة والفرات, لتتضمن استئناف العمل في منظومة السدود المتوقفة ومنها سد البخمة العملاق بسعة تخزينية تبلغ (17) مليار متر مكعب على نهر الزاب الاعلى الذي يتمتع بايرادت معظمها وطنية ولايقع ضمن الخارطة الابتزازية لدول المنبع, وكذلك لتتضمن اعتماد الاساليب الحديثة لمصائد المياه وتقنيات الري المتطورة. حيث ستكون كمية الايرادات المتوقعة من دول المنبع بحدود (40 ) مليار متر مكعب في عام (2020 ) وبنقص متوقع نسبته 50% من الاحتياجات الكلية البالغة (80 ) مليار متر مكعب, خاصة بعد أكتمال انشاء منظومة السدود لمشروع جنوب شرق الاناضول (GAP) فـي تركيا. وانعكست هذه الشحة ومنذ سنوات على كمية الطلاقات الواصلة الى مياه شط العرب لتتجاوز الحدود الدنيا والبالغة ( 50 ) متر مكعب في الثانية مما مكن من تمدد اللسان الملحي الى اعالي شط العرب والذي تسبب في تضرر القطاع الزراعي وهجرته والى ايقاف مشاريع محطات تصيفية مياه الشرب التقليدية التي تعتمد اساسا على الماء الخام المجهزمن مياه شط العرب. ولم يقدم قطاع البلديات خطته المركزية بتقديم بدائل استراتيجية على ضوء شحة الموارد المائية بأنشاء محطات تحلية لمياه الخليج او لمياه شط العرب وبشكل مبكر لتجاوزالازمة قبل استفحالها, بل تم اهمال العرض المقدم لوزارة الكهرباء بعد مغادرتي الوزارة, والممول من قبل الحكومة الفرنسية بقرض أمده سبع سنوات بفائدة بسيطة من خلال سفيرها في بغداد في عام ( 2010), والخاص بأنشاء محطة انتاج طاقة كهربائية بخارية بسعة (1200 ) ميكاواط في محافظة البصرة مع محطة تحلية لمياه الخليج العربي في منطقة الفاو وبسعة نصف مليون متر مكعب في اليوم لتامين كامل احتياج محافظة البصرة من المياه العذبة, ومشابها لمشروع متكامل في محطة الشعيبة في المملكة العربية السعودية, ومجهزا من قبل شركة الستوم الفرنسية.
وتفاجأ المواطن العراقي والبصري وهو في مخاض انتفاضته بما حدث في الجلسة البرلمانية الطارئة في يوم السبت المصادف 10 ايلول 2018, عند مناقشة ازمة مياه الشرب لمحافظة البصرة, حيث تبين بان مشكلة تجهيز المحافظة بمياه الخام العذبة تكمن في تجهيزها من المصدر الرئيسي من قناة البدعة من نهر الغراف والتي اكتمل انشاءها عام (1997 ) بطول ( 238 ) كيلومتر وبعرض (15) متر وبمعدل اطلاق ( 7 ) متر مكعب في الثانية, من انخفاض اطلاقاتها عن بسبب التجاوزات الكثيرة من قبل اصحاب احواض تربية الاسماك والمزارعين, وبغياب دور الجهة المعنية بادامة وحماية وتشغيل القناة وهي وزارة الموارد المائية, اضافة الى توقف او انخفاض كفاءة مضخات محطات التصفية سعات (1500 ) متر مكعب في الساعة لمشروع R-ZERO العائد الى وزارة الاعمار والاسكان والبلديات ثم الى محافظة البصرة, وهي مضخات صغيرة ومتوفرة مقارنة بمضخات مآخذ مياه النهرالعملاقة بسعات (180-200) الف متر مكعب في الساعة والعاملة في محطات الناصرية والهارثة وبيجي والمسيب وغيرها من المحطات البخارية في قطاع الكهرباء والتي تعمل بكفاءة ومنذ انشاء المحطات منذ ثمانينات القرن الماضي من خلال برنامج صيانة سنوي وبرامج تاهيل عند انخفاض اداءها. وهذا ينطبق ايضا على قطاعات الدولة الاخرى التي انتهجت مؤسساتها نظام المحاصصة السياسية والطائفية وبانها ليست بافضل اداءاً من اداء قطاعي الموارد المائية والبلديات. ان احتجاجات محاقظة البصرة الاخيرة ستحرج بقاء سياسيوا نظرية انتهاج المحاصصة الطائفية في السلطة خاصة بعد فشلهم في تامين ابسط مسلزمات حياة المواطن, وهذ الاحتجاجات ولدت بعد مخاضات مظاهراته الربيعية في ساحات التحرير والفردوس والناصرية. ولكن هل اقتنع سياسيوا التغيير بعد سونامي البصرة ان نظام السياسي للدولة يجب ان تقوده حكومة تكنوقراط تعني ببناء نظام مؤسسي جديد ينتهج برنامجا للاصلاح السياسي والثقافي ليشكل الركيزة الاساسية للاصلاح الاداري والاقتصادي والاجتماعي, بدأً ً من رياض الاطفال بتفعيل درس التربية الوطنية التي فقدت هذه المفردة تأثيرها ومعانيها بعد انتهاج نظام المحاصصة السياسية والولاءات الطائفية والعرقية ولتصحيح المسيرة الديمقراطية التي اقتربت حدودها من الفوضوية. وهل يستطع رئيس مجلس الوزراء القادم المعرف بالمواصفات التي حددتها المرجعية, بان يكون حاميا للمشروع الاصلاحي من خلال كابينة تكنوقراط مهني منقذة وواعدة وليست بتكرار تجربة كابينة التكنوقراط السياسي، وهل يستطع الأخذ بالتجارب الادارية المهنية الوطنية المستقلة كمعاييرباختيار كابينته , وهل يستطيع ان يقدم لكابينته الضمانات بحمايتها من تاثيرات الصراعات والمناكفات والتسقيطات السياسية, وهل يمكن لحكومة التكنوقراط المهنية القادمة ان تنجح في أدائها بمفردها, مالم تكون متكئة على قاعدة جماهيرية تؤيدها وتوظف طاقاتها ممثلة ببرلمان يسندها لتنفيذ خططها ومشاريعها من خلال تنمية انفجارية واعدة ينتظرها المواطن.

أحدث المقالات