متظاهرونا جل احترامي لهم كسياسيينا – من غير إحترامات – لا يفقهون شيئا عن المصطلحات التي يلوكونها أمام عدسات الكاميرا كما تلوك الجمال اشواك الفيافي والقفار ، فهم لا يفرقون بين الوقفة الإحتجاجية والتظاهرة ، صعودا الى الإضراب ، الإعتصام ، العصيان المدني ، الوثبة ، الانتفاضة ، الثورة وشعارهم في ذلك – خبط ولصق – وإن كنت أعذر عامة المتظاهرين في ذلك ، فأنني لا أجد عذرا لقادة التنسيقيات ، اذ كيف يتسنى لمراسل و لي في المراسلين بحكم عملي الطويل معهم رأي قد لا يعجب الكثيرين منهم سأفرد له مقالا في القريب العاجل ، أن يتصل بي ليلا مدفوعا بقياديي احدى تنسيقيات الجنوب العراقي ويخبرني بأن تظاهرة سلمية حاشدة ستخرج يوم غد ظهرا في ذي قار لتغطيتها ، وبعد تكليفه بنقل وقائعها ومطالبها وتصويرها بغية إعداد تقرير لأحدى القنوات المتلفزة ، صدمت بأن مجموع المحتجين لا يتجاوز 75 شخصا ، نصفهم كان يضحك للكاميرا ويلوح لها ، غير مصدق بأن حبيبته ستراه – مناضلا – في نشرة الأخبار المسائية فتوافق على الاقتران به من غير مقدم ولا مؤخر كونه اصبح جيفارا الناصرية على وفق ظنه بعد ان كان جبانها وعاطلها وبطالها !! ورحم الله الدكتور علي الوردي، فله في هذا الصنف من البشر صفحات ضمنها كتابه ” لمحات إجتماعية من تأريخ العراق الحديث ” ولم ينقصهم سوى الحاجة ( لطفية ) لتظهر باسمة من دون طقم أسنانها الصناعية وهي تسلم على أولادها وبناتها في ميسان لمناسبة عودتها من رحلة العمرة الميمونة عبر طريق الحج الصحراوي !!على المتظاهرين ان يفقهوا مصطلحات الإصلاح والتغيير السلمي قبل الشروع به والذي من المفترض أن الدستور قد كفله لهم بحسب المادة ٣٨ منه والتي تنص على ( تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل) برغم التضييق هنا ، والهراوات هناك ، او الإختطاف و الإغتيال و الاعتقال والضرب المبرح على يد مجهولين ملثمين في جنح الظلام هنا وهناك كما حدث على مدار عام من تظاهرات الوسط والجنوب العراقي والتي بدأت يسارية الهوى والهوية وشعارها ” باسم الدين باكونا الحرامية ” وانتهت راديكالية ترفع شعارات مناهضة لسابقتها .واضيف ان على المتظاهرين عدم الخلط بين المفاهيم فضلا عن الشعارات وعليهم ان يفهموا بأن الوقفة الاحتجاجية انما تعني تجمهر مجموعة للمطالبة بما تظنه حقا لها او تنديدا بإجحاف صدر بحقهم من قبل جهة ما ، اما الاعتصام فهو احتجاج سلمي يتحقق بالمكوث في مكان أو مقر يمثل او يشير إلى الجهة مناط الاحتجاج لحين تلبية المطالب ، أما الإضراب فهو التوقف الجماعي عن العمل في مؤسسة خاصة أو عامة بهدف الضغط على إدارتها للحصول على المطالب ، ويسمى اضرابا عاما في حال تطور ليشمل العديد من المؤسسات المتباينة في نفس الوقت ولذات الهدف ، بينما الانتفاضة هي بمثابة حركة شعبية واسعة ذات طابع سلمي قد يتطور الى ثورة مع استخدام العنف المفرط ضد جماهيرها ، اما العصيان المدني واشهر صوره ما قام به المهاتما غاندي ضد التاج البريطاني ، والعصيان المصري ضد الاحتلال البريطاني في عام 1919 والعصيان في جنوب أفريقيا لمناهضة التمييز العنصري ، فيعد وسيلة سلمية للثورة على قوانين مجحفة بحقهم من وجهة نظرهم ، وتبقى الوثبة وهي مصطلح صيني اطلقه ماوتسي تونغ لتحويل المجتمع الزراعي إلى مجتمع زراعي- صناعي ، بمعنى هي انتفاضة اقتصادية قد تصيب وقد تخطئ بحسب الزمان والمكان ، وانوه الى أن القفز على إحدى المسميات المذكورة آنفا وتجاوزها في طفرة متسامية من الاحتجاج الى الثورة من دون المرور بمراحل تطورها الطبيعي قد ينتهي بكارثة تسيل من جرائها دماء تتبعها دماء وبالأخص في دولة هشة ومهددة بالزوال والتفتت كالعراق ولابد من التوقف عند هذه الحقيقة طويلا قبل التهور وإرتكاب حماقات ، لاشك ان الفائز فيها خسران .ومناسبة الحديث ان بغداد تشهد حالة من التوتر والغليان المشوب بالحذر مع زيادة أعداد المتظاهرين في ساحة التحريروسط العاصمة ، جمعة في إثر جمعة ، مع التلويح بإقتحام المنطقة الخضراء في حال عدم الاستجابة لمطالبهم واحتمال انهيار الأوضاع فجأة بوجود مندسين ، و وجود رغبة عارمة لتغيير الوجوه الكالحة برغم ان الوصف الأخير يليق بملكة جمال مزيفة تضع طنين ونصف الطن من المكياج مضافا لها مزيج البصل والثوم للفوز باللقب بناء على معايير الجمال المحلية التي لاتعير للوزن الثقيل ولا للشعر الكث ولا للرائحة النتنة التي تزكم الأنوف اهتماما يذكر ، لا بسياسي فاسد سرق خزينة العراق بالكامل مع دعوته للشعب بالتقشف وهو لا يدري بأن الشعب متقشف من جذوره بالتزامن مع دعوة آخرين بعدم تناول – النستلة والكيك – ضغطا للنفقات ودعما موازنة 2016 والتي تعاني من عجز بسبب الفساد المالي والإداري يبلغ 25 مليار دولار !!وبالعودة الى تظاهرات الأكفان وقراءة ما بين سطورها ، يتضح جليا بأن الصدريين نجحوا حتى الآن في سحب البساط من تحت اقدام اليساريين ، لأن يساريي العراق لايعلمون يقينا ماذا يريدون ،هل يريدون الإصلاح والتغيير حقا ، ام اطلاق الحريات على الغارب و لعب القمار والرايسز وافتتاح الخمارات والملاهي الليلية ودور البغاء المجازة من دون حسيب او رقيب ، وبعد تردد طويل لليساريين في حسم مطالبهم بتظاهرات ساحة التحرير التي انطلقت قبل عام تقريبا من دون جدوى مع عقد تحالفات جانبية لبعض تنسيقياتها مع الفاسدين من خلف الكواليس واعتقال بعض ناشطيها او اغتيالهم ، تمكن التيار الصدري من سحب البساط من تحتهم وتولي زمام المبادرة بنفسه بالتزامن مع اعلان اميركا ارسال قواتها مجددا الى العراق وفي مقدمتها قوات النخبة وليس قبلها !! قيادة عمليات بغداد حملت الصدريين مسؤولية أي خرق أمني سيحدث أو أضرار في الممتلكات العامة اثناء تظاهرات الجمعة ، فيما كشف مقتدى الصدر عن تلقيه تهديدات بالقتل لمنعه من المشاركة في التظاهرات، داعيا الى ، أن” تكون التظاهرة “غاضبة بصفة سلمية” بأنتظار انتهاء المهلة وقدرها 45 يوما، ذهب بعضها وبقي اكثرها ، مع ان صورا ألتقطت قبل اسبوع اظهرت عشرات المسلحين من اتباع التيار في شوارع بغداد ممن لا تبدو عليهم السلمية الغاضبة بقدر الغاضبة والغاضبة فقط ووووو العتب على النظر! .المتشككون بنجاح التظاهرات الحالية والمشككون بأهدافها إنما يقلقهم بالدرجة الأساس ان التيار الذي يقودها الان ضد الفساد والمفسدين له داخل المنطقة الخضراء التي يلوح بإقتحام اسوارها 40 نائبا وثلاث وزراء خدميين،هم كل من وزير الصناعة ووزير الاسكان والاعمار ووزيرالموارد المائية، اضافة الى محافظين اثنين خارجها ، أحدهما هو محافظ العاصمة بغداد ، فضلا عن عشرات المستشارين ووكلاء الوزراء والمدراء العامين ، وبناء على ذلك فأن الديكارتيين المحليين وشعارهم ” انا اشك بالسياسي العراقي اذن انا موجود ” يطلقون عليها ” تظاهرات الحكومة ضد الحكومة ” لإستبدال وجوه بوجوه فقط لاغير” ، على حد وصفهم . و ما يهم عامة الشعب اليوم هو تغيير الأوضاع وايقاف طاحونة الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام التي يقودها مزدوجو الجنسية ، وتحسين الظروف المعيشية والخدمية والتعليمية والصحية البائسة ، فضلا عن تغيير الوجوه الكالحة والمالحة والسائحة التي لا تحضر الى العراق الا لتسلم الراتب – وفي امان الله ، جولة أوربية واقليمية وراجعين باي باي iraqi سي يو اكين – اضافة الى عودة النازحين واعمار المناطق المدمرة واطلاق سراح المعتقلين بوشاية المخبر السري ممن لم تثبت ادانتهم ، وهذه المطالب الأخيرة تحديدا غير مرفوعة ضمن شعارات ساحة التحرير حتى الان برغم الدعوة الى إرتداء الأكفان .فلو نجح المتظاهرون بتحقيق المطلب الأول من دون تداعيات اكبر، فكان بها ونعمت .وان اضافوا لها المطلب الثاني وهذا امر مستبعد حاليا ، فقمة الروووعة ، اما ان إكتفوا بحكومة – تنك .. قراط – وهمية فالحال على ما هو عليه وحتى إشعار آخر والبؤس مع التقشف والبطالة مخيم على العراقيين وداخل كخفافيش الليل الى منازلهم المستأجرة ، الآيلة للسقوط ان لم يكن من الباب فمن – المبردة – والملاحظ ولعلها من تدابير القدر، او البشر ، أن المهلة الممنوحة للعبادي لتنفيذ الإصلاحات او إجتياح المنطقة الخضراء ستنتهي مع ذكرى احتلال بغداد في 9/ 4/ 2003 .اودعناكم اغاتي