مهما تعددّت بعض وجهات النظر , ومهما تباينت اكثر من وجهة نظر حول احداث البصرة او” الثورة البصرية ” , فهنالك ما يدنو ليغدو قاسماً مشتركاً في كلا جانبيه السلبي والإيجابي , والذي تمثّل في حرق القنصلية الأيرانية ورفع العلم العراقي فوقها !
اقتحام هذه القنصلية كان كسلاحٍ ذو حدّين , فقد لعب دوراً حسّاساً ساعد على وقف التظاهرات الأحتجاجية خشيةً من ردودِ افعالٍ لا تُحمد عقباها اطلاقاً سواءً من الجانب الإيراني او من الفصائل العراقية المسلحة الموالية لأيران , وهذا من جانب , وكانَ كعملية تنفيسٍ للإحتقان المضغوط للجمهور البصري جرّاء سلسلة غير متسلسلة من التصرفات الأيرانية ضدّ البصرة وشعبها وعموم العراق ايضاً , فقد سبق حرق القنصلية الأيرانية اعتداءاتٌ متفرقة على عوائل عراقية في مدينة مشهد الأيرانية كانت متجهة لأغراضٍ علاجية وزيارة مرقد الإمام الرضا ” ع ” , ودونما ايّة مبررات ولا حتى مسوّغات , وقد اعقب ذلك انطلاق تظاهرة ” مفاجئة ” في مدينة عبادان الأيرانية التي لا يفصلها عن البصرة سوى شط العرب , التظاهرة كانت تهتف وتصرخ < عراق برّه .. برّه > .! , فهل انطلقت جماهير عبادان العربستانية من تلقاء نفسها .! والا ينعكس ذلك سيكولوجياً ووطنيّاً على سكّان ابصرة والمحافظات العراقية , وكلّ ذلك بتزامنٍ وتناغمٍ غير متناغم من حرف اتجاهات انهار ايرانية تصبّ داخل العراق وبحانب سكب مياه البزل الأيرانية والتسبب بملوحة فائقة في مياه شط العرب ادت جتى الى نفوق الأسماك .! , ولا نتطرّق ” هنا ” الى مياه الشرب ومياه السقي , لكننا نتطرّق الى الإتهامات الموجّهة لجموع المتظاهرين ” الذين يجري اختزالهم بمفردة المندسين ! ” وكأنهم عملاء القنصلية الأمريكية في البصرة , ولا نبرّئ ايّ سفارة وقنصلية في العراق من العمل ضد الصالح العراقية العليا والأدنى.
والى ذلك ايضاً فلا يمكن القبول ولا الدفاع ضد تخريب مؤسساتٍ حكومية او مقراتٍ ومكاتبٍ لهذه الجهة او تلك ودونما تمييزٍ بينها , فاللجوء الى العنف مرفوضٌ في اية تظاهرات كما مرفوض قتل المتظاهرين وفتح النار عليهم عشوائياً وغير عشوائيٍ .! , إنّما ولكنما ينبغي الأخذ في الحسبان للحالة السيكولوجية والسوسيولوجية التي افرزتها اوضاع الحرمان للجمهور البصري جرّاء التراكم المتجمع والمتزامن لفقدان مياه الشرب والتعرض للتسمم من المياه الملوثة , بجانب ازمة الكهرباء والبطالة المتفشية التي قادت الى ضنك العيش , والتي جعلت من محافظة البصرة وكأنها بلا ادارة , بلا قيادة , بلا حكومة محلية , وكأنها ايضاً غير مرتبطة بحكومة مركزية او دولة , وتتحكّم بمصائرها قوىً حزبية نافذة ومتنفذة , فالأنعكاسات التي افرزتها هذه المعاناة على السلوك الجمعي للمتظاهرين بمختلف اعمارهم واتجاهاتهم ينبغي استيعابها في طريقة فهم المعضلة , قبل الشروع بردود الأفعال المضادة وصبّ الأتهامات والأرتباطات .! , وليس صعباً على الجهات المسؤولة < حزبياً وحكومياً > اعتبار معظم عمليات التخريب والحرق للمباني والدوائر كردودٍ افعالٍ قبل أن تكون افعالاً مقصودةً ومتعمدة .. مطلوبٌ جداً من القيادات العراقية بمختلف الوانها سعة الصدر واحتواء الأوضاع التي سادت وطغت على حركة المتظاهرين , بل مطلوبٌ التحلّي بذلك اكثر وأشدّ , إذ لا ضمان أنْ لا تتجدد مثل هذه التظاهرات في محافظاتٍ اخرى , ولا مجال للتكهنات , وكلّ الإحتمالات مفترضة في عالم الأضطراب السياسي – العراقي .
وَ نستميح العذر بالقول الإفتراضي ومن زاويةٍ ليست ضيقة جداً .! . إذ يبدو أنّ للحرائق عدوى قابلة للإستفحال والأستشراء , فمنذ احراق صناديق الأقتراع في بداية العملية الأنتخابية , فقد اعقبت ذلك سلسلة طويلة من عشرات الحرائق المتنوعة في العاصمة والمحافظات , وجرّتْ حتى احترقَ ما احترقَ في البصرة .! , مع تمنياتنا بتحوّل الحريق الى رحيق , وقبل قدوم يوم < عذاب الحريق ” سورة الحج – آية 22 > .!