18 ديسمبر، 2024 9:10 م

تطَبيع انظمة الحكم العربي.. وماذا بعد؟

تطَبيع انظمة الحكم العربي.. وماذا بعد؟

اعلن مؤخرا، في البيت الابيض؛ الاتفاق بين البحرين والكيان الصهيوني على تطبيع العلاقة بينهما بصورة رسمية، وقد سبق البحرين، الامارات في الاتفاق على تطبيع العلاقة بينها وبين اسرائيل؛ جاء هذا الاعلان على لسان الرئيس الامريكي، ترمب؛ بث من داخل البيت الابيض.. في خطوة تطبيعَية، لم تكن مفاجئة بل هي متوقعة تماما، بالذات على ضوء، ما جرى في اجتماع للجامعة العربية، على مستوى وزراء الخارجية العرب، الذي رفض ادانة الخطوة الاماراتية، بضغط من مصر والمملكة العربية السعودية والبحرين، وسكوت الاخرون، والسكوت كما يقول المثل العربي، علامة الموافقة؛ والذي اعطى الضوء الاخضر لأنظمة الحكم العربية، التي في جعبتها او في سياستها المستقبلية ونقصد هنا المستقبل القريب للبعض منها وربما البعيد الى حد ما للبعض الاخر؛ بالتطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني. من المؤكد ان هذا التطبيع سيضر بالقضية الفلسطينية، ضررا بليغا، وخصوصا اذا ما تم على نطاق واسع، لأنه سيكون بمثابة الاحجار التي يتم بها؛ بناء جدران عالية لمحاصرة الفلسطينيين، ويمنح الشرعية لكيان امبريالي، استيطاني، عسكري، على مستوى المنطقة والعالم. صحيح ان احدى الدولتين المطبعَتين، البحرين ليس لها ثقل سياسي ناظم لموجهات السياسة في المنطقة العربية. اما الامارات فهي لها في حقل الاستخبارات؛ الذي له ابعاد سياسية في صناعة ادوات تلك السياسة لجهة التغيير في المشهد السياسي الفلسطيني ونقصد هنا السيد محمد دحلان الذي تقول التسريبات من انه كان وفي وقت سابق؛ قد زار الكيان الاستيطاني الاسرائيلي، وهو من ساهم في اخراج، اتفاق التطَبيع بحسب هذه التسريبات. ان الامارات، في توجهها هذا، تبيح لنفسها او تمنح الحرية لها في التدخل في الشأن الفلسطيني بالشكل الخفي وعبر ادوات؟.. بالتعاون مع الكيان الصهيوني ومنذ سنوات وليس الان او منذ سنوات قليلة، بل منذ سنوات عدة، سنوات كثيرة، وبالذات بعد رحيل المرحوم الشيخ زايد، وقبل قليلا من هذ الوقت، في المرحلة التي تلت الغزو الامريكي للعراق واحتلاله، المرحلة التي تغيرت فيها؛ قواعد اللعبة السياسية في المنطقة العربية وجوارها، بزاوية 180درجة. لكن من الجانب الثاني فالأمارات كما البحرين ليس لها ثقل ناظم لموجهات السياسة الاقليمية، سواء في المنطقة العربية او في الجوار الاسلامي. ان التطبيع الرسمي بين الكيان الصهيوني ونظام الحكم في الدولتين انفتي الذكر وما سوف يتعبهما من انظمة الدول العربية الاخرى؛ لم يكن بالمطلق لصالح القضية الفلسطينية باي شكل كان وباي صورة من الصور كما يقول مسؤولو التطبيع؛ بانهم فعلوا ما فعلوه باتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، من اجل القضية الفلسطينية، واستحصال الحقوق الفلسطينية في دولة ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، عن طريق الحوار والسلام؛ في فرية وخديعة كبيرتين. نتن ياهو في معرض وصفه لاتفاق التطبيع: نجحنا بطرقنا الخاصة بتغير مصطلح؛ الارض مقابل السلام بالسلام مقابل السلام. ان التطبيع في حقيقته ومداخيله، تصفية القضية الفلسطينية؛ لارتباط هذا التطبيع بمخطط واسع النطاق،( صفقة القرن) لا ينحصر بالدولتين بل بدول اخرى، في مقدمة تلك الدول، مصر والمملكة العربية السعودية، بدوريهما الوظيفي في متواليات التطبيع بوصفه قاعدة اطارية ومادية لصفقة القرن. ان هذا المخطط هو استراتيجية امريكية اسرائيلية، جرى تبنيها منذ سنوات اي منذ ولاية بوش الابن؛ وتتمحور اطاريا في اعادة رسم الخرائط الجغرافية السياسية للمنطقة العربية، الذي سمي في حينها؛ الشرق الاوسط الكبير. ان صفقة القرن هي العمود الاوسط للشرق الاوسط الكبير، بمعنى اخر؛ لا يمكن تمرير صفقة القرن الا في تمرير مخطط الشرق الاوسط الكبير، كما لا يمكن تمرير مخطط الشرق الوسط الكبير الا بتمرير صفقة القرن في توائم زماني ومكاني، وفي علاقة جدلية بين المشروعين واللذان هما من حيث الهدف، مشروع واحد باتجاهين. وسط هذا التدافع في الاحداث؛ ما هو المطلوب من الفلسطينيين وبقية العرب في الاوطان العربية لمقاومة هذا المشروع الامبريالي الامريكي الصهيوني والذي يستهدف الفلسطينيين في حياتهم ووجودهم، والشعوب العربية في اوطانهم المهددة بالتقسيم: اولا؛ مقاومة او اختيار طريق المقاومة الفلسطينية بجميع اشكالها وفصائلها؛ لدحر هذا المخطط وافشاله، وعلى اقل تقدير كمرحلة اولية؛ الحد من تأثيراته. ثانيا؛ تجسير منطقة الفراغ، التي خلقتها الاوضاع الحالية التي تعيش فيها الاوطان العربية، بين المقاومة الفلسطينية، بجميع فصائلها مع الشعوب العربية في الاوطان العربية المهددة بالتقسيم، سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، ونقصد هنا الشعب المقاوم للمشروع الامريكي الصهيوني الهادف في نهاية المطاف الى تقسيم تلك الدول الى دويلات او الى فدرلتها على شكل كونفدراليات لخلق دول هشة وضعيفة، يسهل السيطرة عليها وعلى مقدراتها والتحكم فيها الى الامد البعيد؛ وبالتالي الانفراد بالشعب الفلسطيني اي تجريده من الظهير العربي الساند والداعم له ولنضاله. هناك من يحيل هذا التحول الدراماتيكي العربي من القضية الفلسطينية الى سياسة امريكا ترامب الداعمة للكيان الصهيوني على حساب الحق الفلسطيني في دولة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 والتي استندت اليها المبادرة العربية التي اسدل الستار عليها او تم وضعها في غرفة الارشيف التاريخي المهمل والذي لم يعد احدا بحاجة اليها؛ من دهاقنة الانظمة العربية المطَبعة، سواء بالتطبيع الرسمي والمعلن او التطبيع المحتجب وراء غربال الغش والكذب والخديعة. ان هذه الاحالة، خطأ في قراءة الاستراتيجيات الامريكية التي يتم وضعها من قبل امريكا الرسمية او امريكا العميقة، وما الرئيس الامريكي اي رئيس امريكي الا منفذ لتلك السياسات، بهامش واسع جدا؛ في اختيار الوقت والظرف المناسبان لتحويل تلك الاستراتيجيات الى واقع؛ وهذا هو ماقام به ترمب بتفعيلها على ارض الواقع. تذهب هذه القراءات على ان الوضع سوف يتغير بمجيء حوزيف بابدن الى رئاسة الادارة الامريكية، الذي سيغير المشهد السياسي في المنطقة العربية، وفي المقدمة منها؛ السياسة الامريكية حول القضية الفلسطينية.. ان هذا لن يحدث حتى بوصول بايدن الى رئاسة الادارة الامريكية. ان الحقيقة الثابته في السياسية الامريكية؛ هي موقفها المؤيد الى الكيان الصهيوني، بلا قيد او شرط. ان الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، مهما اختلفا فهما متفقان على الالتزام الاستراتيجي الثابت الذي لا تلعب به او لا تغيره جميع تغييرات السياسة الدولية والاقليمية، في ضمان امن اسرائيل المستدام، وتفوقها العسكري، على جميع جيرانها العرب. ان الذي يجبر الادارة الامريكية ومن وراءها او بتوجيه استشاري من امريكا العميقة؛ على ادخال تغييرات مهمة على سياستها ومواقفها سواء في فلسطين التي يهدف المشروع الامريكي الاسرائيلي على ابتلاعها بالكامل الا غيتوات محاصرة بالقوة العسكرية والامنية الصهيونية، او في الاوطان العربية التي يشتغل المشروع الامريكي الصهيوني على اعادة رسم خرائطها الجغرافية السياسية، لضمان استدامة المحطات النهائية للمشروع الامريكي الاسرائيلي الى الامد البعيد جدا او الى الابد كما يتخيلوه في شكله الختامي؛ هو قوة وصلابة ومطاولة المقاومة في فلسطين وفي الاوطان العربية، بأشكالها وانواعها المتعددة. عندها يؤكد لهما، الواقع على الارض، ان الزمن يشتغل بالضد من مشروعهما، وان استمرار المقاومة تحفر عميقا تحت جرف هذه الهيمنة، وبوصلتها الموجه لمشروعهما، مما يؤدي مع مواصلة الكفاح الى انهيار هذه الهيمنة. لذا، ان مواصلة النضال برؤية واضحة، ومحددة في الخطاب النضالي، وفي الترجمة الفعلية له، على ارض الواقع؛ تأخذ في الاعتبار عند التخطيط لها، الوضع الفلسطيني والعربي والاقليمي والدولي، وما فيه من تغييرات أنية ومستقبلية، سواء في فلسطين او في الاوطان العربية التي يشتعل فيها لهيب الصراع الاهلي، بموجهات امريكية واسرائيلية، بواسطة ادوات الانابة العربية عنهما او غيرها؛ في زيادة سعير تلك الحرائق، وتوسيعها الى ان تصل الى حافاتها النهائية التي تستدعي حضور الحلول من الراعي الامريكي وغير هذا الراعي من القوى الدولية الاخرى. ان من يمنع هذا السقوط؛ هو طريق الكفاح ولا طريق غيره. ان هذا التوجه؛ هو من يدفع امريكا الرسمية الى اعادة النظر في مشروعها، بإدخال تغييرات مهمة لصالح الاوطان العربية والقضية الفلسطينية حتى تتجنب الخسارة الكلية. هناك عوامل مهمة جدا الا وهي المواقف الدولية ونقصد هنا؛ موقف القوى العظمى والكبرى؛ سيتغير جديا وواقعيا وحقيقيا وليس لفظيا كما هو جاري في الوقت الحاضر؛ حين يكون الوضع في الاوطان العربية التي تتعرض الى هجمة تطال وجودها في الحاضر والمستقبل، والوضع في فلسطين المحتلة؛ موقف في كلا الوضعين الفلسطيني والعربي، موقفا موحدا على طريق المقاومة من اجل حق شعوبها في الحياة والوجود الحر في دول مستقلة ذات سيادة فعلية وليس لفظية، وفي حقيقتها مستلبه. عندها سوف لن يكون امام العالم بقواه الدولية المؤثرة في القرارات الدولية الا البحث عن حلول منصفة وعادلة. في السياق يبقى السؤال المهم: هل هناك في العالم، كل العالم وبجميع قواه الدولية والاقليمية، من يمنح حقوق الضعيف والخانع والخائف، كبادرة انسانية يفرضها العدل والانصاف والحق، بالتنازل عن مشروع الهيمنة والسلب والنهب للثروات وسلب الإرادة لصالح قتل روح الاعتراض الشعبي على هذا الاستغلال؟ الاجابة المؤكدة او التي يؤكدها واقع السياسية الدولية بمداخلها ومخارجها: لا توجد هكذا دولة في كل المعمورة، وفي جميع مراحل تاريخ السفر البشري. ان التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ هو بيع للأوطان العربية وفلسطين في سوق النخاسة، بلا مقابل، المقابل الوحيد؛ هو حماية الحاكم العربي من غضب الشعب، والسكوت على جرائم هذا الحاكم. ان التاريخ علمنا، ان الشعوب لا تقهر، ونهاية الحاكم الظالم والمتجبر، والمحتمي بالحامي الدولي بقوته العسكرية الهائلة، والذي اشترى منه الوطن وما فيه من ثروات، وشعب، ومستقبل، مقابل حمايته من انفجار شعبه؛ مكب قمامة التاريخ. في الخاتمة؛ نؤكد ان التطبيع لن ولن يجلب السلام والاستقرار الى المنطقة العربية بل ان العكس هو الصحيح بالكامل. الغالبية العظمى من الشعوب العربية وقواها واحزابها؛ رفضت التطبيع رفضا كاملا. اما في فلسطين، فقد رفض رفضا تاما ومطلقا من قبل الشعب العربي الفلسطيني؛ سلطة واحزابا وفصائل مقاومة ومنظمات فلسطينية مقاومة..