23 ديسمبر، 2024 5:26 ص

تطييبا للخواطر وتوضيحا للحقائق بصدد مقالنا عن مراكز التحكيم ومستشار التحكيم

تطييبا للخواطر وتوضيحا للحقائق بصدد مقالنا عن مراكز التحكيم ومستشار التحكيم

كتبت ثلاثة مقالات عن مراكز نشر ثقافة التحكيم ومنحها مناصب خلاف القوانين واخرها مقال بعنوان(انتحال صفة مستشار عنوة وباء انتشر بين المحامين والحقوقيين)  والهدف من كافة مقالاتي ليس لنصب دريئة للخلاف والتنازع والفصام والخصام والبغضاء بين اخوة احباء وانما لإنارة الأماكن المعتمة في مجال ما، حيث بلغني ان المقال استخدم في أيقاظ مسلسل الأزمات النائمة بين رجال القانون ولان ميثاقي مبني على الحكمة وسعة الأفق، ولأجل فض هذه الخلافات وتطبيقا لقاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح ولتدخل اطراف احتسبها مفتاح للخير مغلايق للشر، ولان الله انعم علينا فسحة للتنصل عن المكاسب لأجل درء المفاسد والاعتماد على فضيلة النسيان التي فرضت علينا فرضا بسبب ترادف المحن وتتابع المصائب، وكل الطرق مراقبة بأجهزة ضبط السرعة، إلا الطريق إلى الله فإنّه مكتوب عليه (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم)، فأسرعنا فيه، ونقول:
ان مراكز التحكيم المنتشرة في العالم العربي كثيرة ولها مسميات عديدة وجدت لأجل نشر ثقافة التحكيم التي يفتقر لها العالم العربي والعراق، وعندما كنت في بريطانيا سنحت لي الفرصة لان أزور أحد مراكز التحكيم في ليفربول وهو مركز متخصص كفء ينشر عدة ثقافات إضافة للتحكيم بأنواعه، واطلعت على جزء كبير من نشاطه بفضل شرح لاحد الاخوة الأكاديميين ممن يعملون في المركز من السودان، ورأيت طالب من المغرب يدرس فيه وكان وسيما وتحاورت معه قليلا، وعدت الى العراق واطلعت على عدة دورات اقامتها النقابة واتحاد الحقوقيين في هذا المجال وكتبت مقالي الأول في شباط من سنة 2015 على جزئين، عن هذه المراكز لاجل تصويب عملها وان تمارس ثقافة التحكيم الدولي وتمنح مشاركيها شهادات تثقيفية تدريبية في مضمار التحكيم وشؤونه وهو جهد مشكورة عليه النقابة والاتحاد اذا انصرف في نفس الاتجاه، و99% من رجال القانون في البلاد العربية لا يفقهون شيء بالتحكيم واولهم كاتب المقال، والقراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً دقيقاً(قول منقول)، واطلعت على مركز جنيف للتحكيم في كردستان وهو مركز متطور ويحاضرون فيه أساتذة اجلاء، والمنهج الذي يتم تدريسه فيه ثقافة جيدة عن التحكيم والحصانات الدبلوماسية وعن العلاقات الدولية والقضاء الدولي وهو منهج متنوع، والتقيت برئيسه وهو محامي صديق لي وما ان التقيت به حتى تذكرت الطالب المغربي في ليفربول لان الشبه ودماثة الاخلاق كانت ماثلة في محياه بحيث الذاكرة اسعفتني مباشرة، واثنيت على جهوده وأكدت عليه من الضروري نشر ثقافة التحكيم الدولي لأنها مهمة وكانت النيات الحسنة معقودة لأجل تطوير المركز بالطريقة الصحيحة وطلبت منه ان يكون نشاطه وشهاداته محصورة ضمن الضوابط والاطر القانونية المعمول بها في مجال التحكيم، وان يركز على إيجاد أساليب متطورة لأجل توسيع ساعات الدورة حتى تغطي مساحة واسعة من موضوع التحكيم خصوصا ان المركز يحاول ان يوفر كافة السبل الضرورية للوصول الى طالب استفاد من كافة المحاضرات بطريقة ميسرة وشفافة، وكادر المركز كان دؤوبا في تقديم ما هو احسن، ولاحضتهم جميعهم بعيدين عن سموم الطائفية، فقد حملت سفينة الأحزاب والاصطفاف المذهبي والقبلي والقروي مئات النكرات والمتخلفين ممن يحملون بجدارة لقب وزير أو نائب او مستشار أو مسؤول الغفلة، وهم يشغلونها لحساب منظومة المحسوبية والمنسوبية وهم يقومون بواجباتهم في تدمير البلاد وإفسادها حتى غدت الأكثر فسادا وفشلا في العالم حسب توصيف مؤسسات الشفافية العالمية؟
ومقالي الأخير لم يفهم بانه وجهة نظر ليس الا، لا كما لو أنه حقائق منزلة لا يطالها الشك أو وقائع دامغة لا ترقى إليها الريبة، ولم يكن باب من أبواب النيل او التقليل بل مجرد تأشير حالة سلبية قد حصلت، بخاصة اصبح تجاهل الخطأ أو ابتلاعه فن وعلم، وصار له مبدعوه ودعاته وحواريوه، ولم يكن مقالي عنوان لتهبيط العزائم في إقامة دورات أخرى مماثلة كما فهم من البعض، ابدا اننا نشد على المركز في الاستمرار في نشر ثقافة التحكيم وإقامة دوراته التدريبية، اننا اشرنا فقط في مقالنا بصدد منح لقب او منصب مستشار واكدنا ضرورة ان يكون ذلك وفق القوانين المرعية في هذا المجال، منها مثلا( قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل في المواد 20 و21).
  يقول أبو الطيب المتنبي :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه    وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عُداته           وأصبح في ليل من الشك مُظلم
لقد تعلمنا، ان المحاماة قضية خطيرة فهي وكالة لدفع باطل واسترداد حق، وتعودنا في كتابة المقالات، ان نكون مهنيين وصادقين(قدر المستطاع) في ايضاح الامور للرأي العام ولا جدوى من الدخول في حوارات ثانوية لا تخدم الصورة المبتغاة من المقالات وهي ايصال الحقيقة فقط وليس في مدح او ذم شخص ما او جهة او مركز، ويقول الامام علي عليه السلام (من اراد عزّا بالباطل أورثه الله ذلا بالحق). 
في مجتمعنا العراقي، يملكون قدرات غير عادية وجلوداً سميكة تمكنهم من تجاهل الخطأ أو ابتلاعه ولا يصابون أبداً بعسر الهضم مهما يبلغ عدد الأخطاء أو جل خطبها، لا لشيء سوى الحصول أو الفوز بأكبر قدر من المنافع المادية والشخصية وعلى تقديرات أعلى في فن التملق والرياء والقبح وإراقة ماء الوجه.
هناك مقدرة بطولية لبعض المحامين على العبور دون توقف أمام الخطأ ولا يكلفون أنفسهم عناء فهم أبعاده أو تدبر كيفية تصويبه، رغم اتفاقهم في الأداء إلا أنهم مختلفون في الدوافع، فمنهم من يعلم جيداً أن بيته من زجاج ولا يليق أن يقذف على الخطأ حجر أو حتى حصاة، ومنهم من تجرع كأس القهر والهوان وأدمنه، والكثير منهم يرون أن ذاتهم ورغباتهم هي الأولى بالرعاية والاهتمام والقليل منهم من حاول أن يرفض الخطأ مرة.
وبعض المحامين يصطفون مع الباطل ويصفقون له من باب الصداقة والمحافظة على المصالح، وهذا هو شأن الخاسرين فهم كالبعير لا يذكر ربه الا بعد سقوط المطر خشية الزلق، انهم بلا خلق مهني ويفتقرون ويحتاجون لجرع في كيفية احترام الاخرين وفق مكانتهم ومنازلهم تأكيدا لحديث الرسول (ص) حينما قال: (انزلوا الناس منازلهم) فالتصفيق مع الباطل دون تروي ما هو الا تملق يؤدي بنا الى المجهول، وقال عمرو بن العاص:
(فإن يسقط ألفٌ من العلية خيرٌ من أن يرتفعَ واحد من السفلة)
العتب ينظف القلوب، لكن هناك محامين يجيدون التراجيديا الكاذبة، لينسجوا من وهمِ خيوطها بيتاً يتوقع أنه سينجيه من إعصار الحقيقة، واعتادوا على لفلفة الباطل بثوب الحق، والظلم بعباءة العدل، والعدوانية بالرحمة والمودة والابتسام، جريا وراء المجد الشخصي والسلطنة؛ ودواخلهم تغلي بالشر والعدوان والكراهية والأنانية والجشع والغدر والخيانة والنفاق.
والمحامي ومهنته في المحصلة النهائية لا تقل خطورة عن دراسة الطب، فالأولى يتعامل بها المحامي مع معاناة الناس الحقوقية والنفسية والثاني يتعامل بها الطبيب مع معاناة الناس الجسدية والروحية.
وأخيرا؛ دعونا نفهم بعضنا ونذوب في الأعراف والاجناس والأفكار والاطياف والألوان والأديان ولا نتحول فيما بعضنا الى سم زعاف، واختم مقالي بقول الامام علي عليه السلام حينما قال: “اما بعد فاني كنت اشركتك في امانتي, وجعلتك شعاري وبطانتي, ولم يكن في اهلي رجل اوثق منك في نفسي, لمواساتي ومؤازرتي واداء الامانة الي, فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب, والعدو قد حرب, وامانة الناس قد خزيت, وهذه الامة قد فتكت وشغرت, قلبت لابن عمك ظهر المجن, ففارقته مع المفارقين, وخذلته مع الخاذلين, وخنته مع الخائنين, فلا ابن عمك اسيت, ولا الامانة اديت, وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك… “