18 ديسمبر، 2024 11:42 م

تطور وإنتشار الأديان ونظرية الميمات

تطور وإنتشار الأديان ونظرية الميمات

أعتمدَتْ ألأديان السماوية وألأديان والمعتقدات ألأخرى لترسيخ أفكارها ومعتقداتها على ألايحاء، فألأذان وألصلاة المتكررين لخمس مرّات في اليوم وألذِكْر وألصوم وألحج من وسائل تثبيت العقائد والافكار في عقول ألبشر، إنَّ ألايحاء يحدِث تأثيره بواسطة ألبشر ايضا، فألانسان يستطيع نقل أو ترسيخ أفكاره في عقول ألاخرين بألكلام ألمباشر أو ألكتابة، وحسب المعتقدات ألاسلامية فإنَّ ألشياطين وألجِن لها قابلية  ألتأثير على عقول ألنّاس فيسمّى ألايحاء حينئذ بألوسوسة ((  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ* ))….. سورة ألنّاس، ونفهم مِنْ هذه السورة أنَّ ألوسوسة يُمكِن أنْ تَحدُث بواسطة ألإنسان أيضا وهنا يكون العامل الحاسم في تحديد ذلك هو نيَّة ألموسْوِس، فإذا كانت نيّته شريرة فعندئذ تسمّى بألوسوسة.
في مؤلفه الجينة الأنانية يتساءل ريتشارد داوكينز قائلا : ((( هل ثمة أسباب مقنعة تجعلنا نفترض بأنّ جنسنا البشري فريد من نوعه؟ أعتقد بأنّ الجواب هو نعم.
الواقع أنّه يُمكن إختصار معظم ما يُعتبر غير إعتيادي في ما يتعلق بالإنسان، بكلمة واحدة هي “الثقافة” وأشير أنني لا أستخدم هذه لكلمة بمعناها الصلف وإنّما بالمعنى الذي يعتمده رجل علم. والجدير ذكره في هذا الإطار أنّ الإنتقال الثقافي يشبه الإنتقال الجيني من حيث أنّه قد ينشأ كشكل من أشكال التطور، وإنْ كان مقاوما للتغيير في الأساس.
يبدو أنّ اللغة “تتطور” وفقا لأساليب غير جينية ولإيقاع يفوق بسرعة إنتشاره سرعة التطور الجيني. إنّ جنسنا البشري هو الذي يبين ما يمكن التطور الثقافي تحقيقه فعليا. واللغة ليست سوى مثال من أمثلة كثيرة. فالموضة  في الملبس والمأكل، والإحتفالات والأعراف، والفن والعمارة، والهندسة والتكنولوجيا، كلها تتطور تأريخيا بطريقة تبدو أشبه بتطور جيني سريع جدا، علما بأنّ لا علاقة لها على الإطلاق بالتطور الجيني. لكن كما هي الحال في التطور الجيني، قد يحدث التغيير بصورة تدريجية.
كما تنتشر الجينات في الجمعية الجينية عبر القفز من جسد إلى آخر بواسطة الحوينات المنوية أو البيوض، تنتشر الميمات “ألميمات تعبير يطلقه ريتشارد داوكينز على كيانات متضاعفة أو مستنسخة ناقلة للثقافة” في الجمعية الميمية عبر القفز من دماغ إلى آخر بواسطة مسار يمكن تسميته بالمعنى الواسع “التقليد”.
وكما أوضح زميلي “أن.كاي. هامفري بإيجاز”، ” ينبغي النظر إلى الميمات بإعتبارها بُنى حيّة، ليس على مستوى التشبيه فحسب، إنّما ايضا من الناحية التقنية. فعندما تزرع ميما خصبا في عقلي، تتطفل على دماغي وتحوله إلى وسيلة لنقل الميم تماما كما تتطفل جرثومة على الآلية الجينية للخلية المضيفة.
وهذه ليست مجرد طريقة في الحديث فحسب، فميم الإيمان بالحياة بعد الموت على سبيل المثال، يتحقق ماديا ملايين المرات كبنية في الأجهزة العصبية للأفراد من البشر في جميع أنحاء العالم”.
ولنأخذ مثالا فكرة ألله. نحن لا نعرف كيف نشأت هذه الفكرة في الجمعية الميمية. لكنها نشأت على الأرجح عن “تحولات” مستقلة متعددة. إلا أنّها في مختلف الأحوال تبقى فكرة قديمة. لكن كيف يتضاعف هذا الميم؟ هو يتضاعف بالكلمة المكتوبة والمسموعة، متعاونا مع الموسيقى الرائعة والفن الباهر.
والسؤال هو: ما الذي يجعل لهذا الميم هذه القيمة المهمة لجهة البقاء؟ تذكروا أنّ قيمة البقاء هنا لا تعني القيمة بالنسبة إلى الجينة في الجمعية الجينية، وإنّما القيمة بالنسبة إلى الميم في الجمعية الميمية. والمقصود تحديدا السؤال التالي: ما المميز في فكرة ألله الذي يعطي هذه الفكرة الثبات والمقدرة على إختراق البيئة الثقافية؟
الواقع أنّ قيمة البقاء بالنسبة إلى ميم ألله في الجمعية الميمية تنشأ عن الإغراء النفسي المهم الذي تنطوي عليه. فهذا الميم يقترح جوابا مقبولا ظاهريا للأسئلة العميقة والمقلقة بشأن الوجود وهو يقترح أيضا أنّ الظلم في هذا العالم قد يصوّب في الحياة الثانية (الثواب والعقاب في ألآخرة بالنسبة للدين الإسلامي…..كامل علي). “فاليد الخالدة” تؤمّن وسادة لمظاهر قصورنا وتبقى فعالة لأنّها خيالية كما الدواء الغفل الذي يصفه الطبيب.
وهذه بعض الأسباب التي تجعل الأجيال المتعاقبة تنسخ فكرة ألله من الأدمغة الفردية. فالله موجود، سواء أكان ميما يتميز بقيمة مهمة للبقاء، أو قوة يسهل نشرها في البيئة التي تؤمّنها الثقافة البشرية.
والآن نتساءل هل أصبح ميم ألله على سبيل المثال مرتبطا بميمات أخرى، وهل يدعم هذا الإرتباط بقاء كل من الميمات المشاركة؟ ربما يمكننا النظر إلى الكنيسة ببنائها المعماري وطقوسها وقوانينها وتراتيلها وفنونها وتقاليدها المكتوبة بإعتبارها مجموعة ثابتة من الميمات المتعاونة المتكيفة معا.
( كذلك يُمكن إعتبار الجامع بطرازها المعماري وصلوات الجماعة وصلاة الجمعة فيه، والصوم في رمضان والحج مجموعة ثابتة من الميمات المتعاونة المتكيفة معا….. كامل علي ).
وأذكر كمثال خاص على ذلك جانبا في العقيدة أثبت فعاليته في تطبيق القوانين الدينية، أقصد تحديدا التهديد بنار جهنم. فالعديد من الأطفال وحتى بعض الراشدين، يعتقدون أنّهم سيلاقون ألواناً من العذاب بعد الموت إنْ هم لم يخضعوا للأوامر الكهنوتية. ولاشك في أنّ هذه تقنية مقيتة للإقناع سبّبت الكثير من الكرب النفسي خلال العصور الوسطى وحتى في أيامنا هذه.
لكنها في الواقع تقنية شديدة الفعالية. وربما خطط لها متعمدا رجل دين مكيافيلي متمرّس في تقنيات التلقين النفسي العميق. لكنني أشك في أنْ يكون لرجال الدين هذا القدرمن الذكاء. والأرجح أن تكون الميمات غير الواعية قد ضمنت بقاءها بفضل تلك المزايا نفسها للقسوة الزائفة التي تحسن الجينات استعراضها. ففكرة نار جهنم هي بكل بساطة فكرة أبدية تتكرر ذاتيا بسبب تأثيرها النفسي العميق. وقد أرتبط هذا الميم بميم ألله لأنّ أحدهما يعزز الآخر ويساعد على بقائه في الجمعية الميمية.
(ألعقاب في ألجحيم هو ألسبب ألرئيسي لتهافت ألنّاس على ألإيمان بالإسلام، لأنَّ ألعذاب وألرعب ألموصوف في ألقرآن لا يدانيه أفضل أفلام ألرعب ألأمريكية منذ أكتشاف ألسينما، أنظر إلى هذه ألآية (( أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ *إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * ))…سورة ألصّافات ألآية 62- 68، فأصحاب ألجحيم يأكلون مِن شجرة أسمها ألزقّوم وفاكهة هذه ألشجرة تشبه رؤوس ألشياطين.
وكذلك (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))…سورة ألتحريم 16.
وأخيرا وليس آخرا اقرأ هذه ألآية (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ))…سورة ألنساء ألآية 56…… كامل علي ).
وأذكر عضوا آخر في مركب الميمات الدينية هو الإيمان. والمقصود بالإيمان الثقة العمياء بصعوبة الإثبات حتى في ظل غياب أي إثبات. والواقع أنّ ميمة الإيمان تضمن خلودها الذاتي عبر الذريعة اللاواعية لإحباط الإستفسار العقلاني.( لقد ورد في ألقرءان حول ذلك ألآية 101 من سورة المائدة (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ))….. كامل علي).
ولابد من الإشارة إلى أنّ الإيمان الأعمى يبرر أي فعل. فإنْ كان أحد الرجال يؤمن بإله مختلف، أو حتى إنْ كان يعتمد طقوسا مختلفة في عبادة الإله نفسه فقد ينص الإيمان الأعمى على ضرورة موته. ( كمثال على ذلك قتل التكفيريون للمخالفين في الدين والمذهب …كامل علي)، فلميمات الإيمان الأعمى طرائقها الخاصة للإنتشار. وهذا الواقع ينطبق على الإيمان الوطني والسياسي كما ينطبق على الإيمان الأعمى.
صحيح أنني كنت سلبيا بعض الشيء في ما يتعلق بالميمات، إلا أنّ للميمات أيضا وجهها المرح. فعندما نموت، يمكننا أنْ نخلف وراءنا شيئين هما الجينات والميمات. لقد بُنينا كآلات جينية وأُوجدنا لننقل جيناتنا. لكن هذا الجانب منا سيصبح منسيا بعد ثلاثة أجيال. فأبنك أو حتى أبن حفيدك  قد يشبهك، ربما في بعض ملامح الوجه أو في موهبته الموسيقية أو لون شعره. لكن مع مرور كل جيل تتناقص مساهمة جيناتك إلى النصف.
ولن يمر وقت طويل قبل أنْ تصبح النسبة زهيدة جدا. فقد تكون جيناتنا خالدة، لكن مجموعة الجينات التي تشكّل كل واحد منا محكومة بالتلاشي. فلا يُفترض بنا أنْ نبحث عن الخلود في التوالد.
لكن إنْ أنت ساهمت في ثقافة العالم، كأن طورت فكرة جيدة أو ألفت لحنا موسيقيا، أو أبتكرت شمعة إشعال، أو كتبت قصيدة، فقد يبقى إنجازك على حاله حتى بعد مرور وقت طويل على ذوبان جيناتك في الجمعية المشتركة.
فكما لاحظ  “دجي. سي. ويليامز”، ربما لا يشتمل عالمنا اليوم على جينة حية أو أثنتين من جينات سقراط، ولكن من يكترث؟ فالمركبات الميمية الخاصة بسقراط وليوناردو وكوبرنيكوس وماركوني لا تزال تنتشر بقوة ))).
مصادر البحث :
–         الجينة الأنانية ……………  ريتشارد داوكينز