23 ديسمبر، 2024 12:47 ص

تطور اللغة عند الانسان يحير العلماء

تطور اللغة عند الانسان يحير العلماء

في سنة 1866 تضمن القانون التأسيسي لجمعية باريس اللغوية الفقرة الاتية: لا تقبل الجمعية اية مراسلة من المراسلات تتعلق بأصل اللغات او تتعلق بإيجاد لغة عالمية. وكان دارون قد نشر قبل ذلك ب 7 سنوات فقط كتابه عن اصل الانواع وقد حيره التطور اللغوي الموازي للتطور الجسدي. وبما ان الجمعية اعلاه لها توجهات كاثوليكية فقد منعت الخوض في تطور اللغات واصولها.وبعد مرور اكثر من قرن من الزمن لم نسمع الكثير عن تطور اللغة حتى بالرغم من كون الخوض في تفسير تطور كل الظواهر الحياتية سواء كانت جسدية او سلوكية قد اصبح في ذلك الزمان من الامور المألوفة
اما الان فان النقاش في تطور اللغة اصبح من الامور الحيوية ولكن مازال هناك عدم وجود اجماع على كيفية وسبب تطور اللغة. وقلما يوجد هناك أي اتفاق على تطورها اصلا على اساس انها منتج خاص من منتجات الاختيار الطبيعي التدريجي
ومن الاشخاص الذين تفادوا الخوض في ذلك هو نعوم تشومسكي حيث بقيت هذه الشخصية البارزة في علم اللسانيات الحديث لعدة عقود من الزمن ترفض الانجرار الى التنظير حول ظهور اللغة عند البشر حيث يعتقد تشومسكي انه بالرغم من تطور اللغة بالمعنى العام يستحيل علينا معرفة الكثير عن ذلك
والكلام كما هو معروف لا يتحول الى متحجرات كما هو الحال مع المخلوقات الاخرى كالديناصورات. ولدى العلماء المختصين معرفة ببداية تطور عقل الانسان الى حجمه الكبير بشكل غير عادي ولكن لا يعلمون كيف بدأت تلك المخلوقات بتوظيف ذلك العقل في استخدام اللغة . وشارك في هذا النقاش ستيفين جاي غولد وهو عالم احياء احدث ثورة في مجال اختصاصه ومحبوب كثيرا لكتاباته المعروفة حيث قال ان اللغة اشبه بالفراغ الكائن فوق المدخل المقوس للمباني.. مستعيرا هذا المصطلح من فن النحت حيث ان هذا الفراغ بين طرفي القوس بمرور الزمن يزين بمظاهر لها خصوصيتها . وبالطريقة ذاتها تقريبا كان غولد يعتقد ان كلا من العقول الكبيرة و الذكاء المتزايد للإنسان يشكلان مظاهر التزين هذه . وكانت القدرة على تحويل هذه المظاهر الى عمليات اتصال بسيطة او معقدة كانت هو ما ادى الى تلاحم طرفي القوس
في سنة 1990 اثار الكاتبان ستيفين بينكر وبول بلوم من معهد ماتسيسوس للتكنلوجيا في مقال كتباها قضية خلافية بشكل مدهش. ففي رأيهما ان اللغة بطبيعة الحال قد تطورت على طريقة داروين العادية وبشكل بطيء اولا كنتيجة للتحولالتغير العشوائي ولكن منحت البشر ميزة او فائدة امكانية البقاء وهذه الميزة كانت هي ان كل مولود جديد لا يحتاج لان يعرف معلومات قيمة بالخبرة المباشرة ولكن يمكن ان يتعلمها من اولئك الناس قبله تدريجيا مثلا: في حالة الطعام يقال للإنسان كل هذا وليس ذاك او في حالة الصيد تجنب هذا الحيوان خطر او في حالات صناعة الحاجيات الضرورية يقال له هكذا يمكن ان نصنع فأسا . وبالرغم من عدم استطاعة احد القول ما هي المراحل الكائنة بين نشوء الصراخ عند الانسان وبين النحو الحديث المعقد الا ان السيدين بينكر وبلوم كانا واثقين من الافتراض ان تلك المراحل بدأت تحدث بالتدريج
اما تشومسكي فقد توصل الى حل مختلف وغير عادي وهو ان تحول واحد فقط في احد البشر اعطى لذلك الشخص قدرة سماها تشومسكي “الدمج”. هذه القدرة ليست للاتصال ولكن لتكوين الأفكار. أي انها (أي القدرة) تسمح بتركيب افكار ابسط الى افكار اكبر واكثر تعقيدا وان هذه الافكار المعقدة كانت هي ميزة البقاء الحقيقة. والجزء الانساني الحقيقي من هذه اللغة -القدرة على تجميع وحدات صغيرة (الكلمات والعبارات ) وتحويلها الى وحدات اكبر (العبارات والجملة الصغيرة والكبيرة) في رأيه كانت منتج ثانوي مفيد. ويمكن للمرء ان يسمي الكلام الذي يملأ الفراغ بين طرفي القوس والتفكير هو القوس الاصلي ذاته بالرغم من ان تلك الكلمات ليست من كلام تشومسكي
وما اثمر عنه هذا البحث هو التركيز على عناصر اللغة التي يشترك فيها الانسان مع ابناء عمومته من الحيوانات. فالطيور يمكن ان تستعمل عدد محدود من الوحدات من اطلاق سلسلة من الاصوات المختلفة كما يفعل الانسان مع الكلمات.. وكذلك بإمكان القرود بمختلف انواعها ان تتعلم المئات من اشارات اليد وحتى الجمع بينها بطريق بدائية و لكن خلاقة . ويعتقد ما يكل كوربوليس عالم نفس من جامعة اوكلاند ان الاشارات علامة من علامات ظهور اللغة المعقدة وهي نظرية سيقوم بتوسيعها في كتابه ( الحقيقة حول اللغة) الذي سينشر السنة القادمة . واللغة الاشارة في الحقيقة لها كل تعقيدات اللغة المنطوقة وحتى الاطفال الصم نراهم يستخدمون اياديهم مثلما يرون الاطفال العاديين يستخدمون أفواههم
ان قيام عقول متعددة وشهيرة في هذا الميدان من امثال تشومسكي وبنيكر وغولد بأبداء اراء مختلفة يمكن ان يمثل فشلا علميا غريب او قد يفهم على كونه تذكير جذاب بانه حتى اذا العلم ترك ألغاز الخلق وامثال ذلك من القصص تركها في الماضي فان بعض المشاكل مثل امور الوعي بالإضافة الى اللغة تبقى صعبة الحل وذلك يرجع بالضبط الى كونها امور بشرية محضة تخص البشر. ولا بد من القول ان ما من احد مطلقا قال ان دراسة العقل البشري المذهل قال ان هذا العقل ذاته شيء بسيط وسهل
ترجمة بتصرف عن الإيكونيميست البريطانية