تطبيق آليات وقواعد الحوكمة وأثره على جودة التقارير المالية

تطبيق آليات وقواعد الحوكمة وأثره على جودة التقارير المالية

يشير مصطلح الحوكمة إلى مجموعة القواعد والترتيبات التي تحكم الحقوق والمسؤوليات وتنظمها بين كل من الملاك والإدارة وغيرهما من الأطراف المعنية بالشركة، وهناك العديد من العوامل والأسباب التي أدت إلى زيادة الاهتمام بالحوكمة في السنوات الأخيرة، لعل أبرزها الحاجة الماسة إلى استعادة ثقة المتعاملين في أسواق المال، ولا سيما في أعقاب الانهيارات وحالات الفشل التي حدثت في بعض الأسواق، والتي كان الفساد وسوء الإدارة من أهم أسبابها، ومنها أيضا تسارع خطى العولمة، إذ تسعى المنظمات الدولية والدول المتقدمة بالحوكمة إلى إيجاد أكبر قدر ممكن من التنميط في الأطر والتنظيمات التي تحكم عمل الشركات في مختلف الأسواق.

وتعرف الحوكمة بأنها مجموعة القوانين والقواعدوالمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية،وبين الممولين وأصحاب المصالح من ناحية أخرى، لكي يضمن الممولون حسن استغلال الإدارة لأموالهم وتعظيمربحية وقيمة أسهم الشركة على المدى الطويل، وتحقيقالرقابة الفعالة على الإدارة. كما تعرف بأنها نظامٌ متكاملٌ من الإجراءات والضوابط التي أنشئت داخلياً وخارجياًلمواصلة إدارة الوحدات الاقتصادية من أجل حماية حقوقجميع أصحاب المصالح في الشركة.

إن أهمية حوكمة الشركات تبرز بشكل أساسي من خلال الدور الذي تلعبه في الإفصاح عن المعلومات الدقيقة والشفافة التي يحتاجها كل من المستثمرين والدائنين والموردين وأصحاب المصالح الآخرين في تلك الشركات، كما تعد من أهم الركائز الأساسية التي تستند عليها الشركات في تعزيز أدائها من خلال استقطابرؤوس الأموال الضخمة التي تحتاجها في عمليةتمويلها، كما أن الشركات المطبقة لنظم ومبادئ الحوكمة حتى وأن لم تعتمد في تمويلها على الاستثمار الأجنبي فإن اتباع نظم ومبادئ الحوكمة يطمئن المستثمرين المحليين على الاستثمار فيها، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى انخفاض تكلفة رأس المال بالإضافة إلى اكتساب الشركات المطبقة للحوكمة ميزة تنافسية على الشركات التي لا تطبق فيها، كما أن تطبيق الحوكمة في الشركات تجعل المعلومات المالية التي تتضمنها التقارير الماليةتعكس وبوضوح الوضع المالي الحقيقي للشركة بدون غش أو تلاعب من قبل الإدارات .

هذا وبدأت جهود تحسين فاعلية تطبيق مبادئحوكمة الشركات عن طريق وضع معايير دولية تساعد الحكومات في تحسين الأطر القانونية والتنظيمية في هذا المجال ومن أهم ما أسفرت عنه هذه الجهود هو صياغة مبادئ وقواعد للحوكمة، وبالقيام بتحليل هذه المجهودات يتضح أن مبدأ الإفصاح والشفافية من أهم مبادئ حوكمة الشركات لارتباطها في تحسين مستوى الإفصاحفي التقارير المالية، ولذلك بدأت المنظمات المهنية المحاسبية بإعادة صياغة معايير إعداد التقارير المالية لزيادة فعالية الإفصاح فيما يتعلق بالمعلومات المالية وغير المالية، حيث إن الإفصاح يجب أن يتخطى الجانب المالي إلى المعلومات الهامة الأخرى.

وتجدر الإشارة الى أن الكثير من الشركات تملك آليات الحوكمة لكن ليس بالمستوى المطلوب، حيث لا تزال تلك الشركات تعاني من ضعف الرقابة على الإدارة العليا ونقص الشفافية في الإفصاح عن المعلومات وإعداد البيانات المالية.

كما أن الأحداث العالمية الأخيرة المتمثلة بانهيار مجموعة من الشركات العالمية الكبرى وما تلاها من اكتشاف تلاعب في القوائم المالية وعدم توفر الإفصاح والشفافية في القوائم والتقارير المالية أظهر بوضوح أهمية حوكمة الشركات حيث خرج مفهوم الحوكمة من الإطار التقليدي الذي يحكم وينظم العلاقة بين الإدارة والملاك، إلى إطار أوسع ليشمل عدداً من الجوانب الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والمالية التي تنظم علاقة الشركات بالأطراف الأخرى.

ومن هذا يتضح أن معايير الحوكمة تلعب دوراً مهماً في مواجهة الفساد الإداري بشركات قطاع الأعمال العام إذا ما تم تطبيقها بشكل فعال، كما أن هناك ثلاثة معوقات أساسية لها تأثير على مستوى تطبيق الحوكمة بشركات قطاع الأعمال العام وهي، سوء اختيار القيادات الإدارية، وعدم الاقتناع بإمكانية تطبيق الحوكمة بشركات قطاع الأعمال العام، وقلة أعضاء مجلس الإدارة المستقلين بهذه الشركات. حيث أن حوكمة الشركات تعملعلى ضبط السلوك الانتهازي للإدارة وحماية المستثمرين والحيلولة دون فشل الشركات وبالنتيجة استمراريتها.

وكما هو معلوم أن هدف هيكل حوكمة الشركات يتمثلفي تحقيق التزام قانوني وأخلاقي للشركة، وتتضمنالأدوات المتعلقة بذلك عملية التأكد من أن جودةالسياسات المحاسبية ونظم الرقابة الداخلية بالإضافةللمراجعة الخارجية يتم تفعليها باستمرار لمنع حدوثالغش وتوقع المخاطر المالية وتعزيز إفصاح دقيق وذو جودة مرتفعة وفي توقيت ملائم عن المعلومات المالية وغيرالمالية الهامة، لذلك فإنه كلما زادت فاعلية نظام حوكمةالشركات تحسنت جودة المعلومات في التقارير المالية،وهذا بلا شك يجعل مستخدمي القوائم المالية ذوي قدرةللتعرف على المركز المالي الحقيقي للشركة، كذلك يتعينالالتزام بالإفصاح الكامل والشفافية والمساءلة المحاسبية،حيث تعزز الشفافية عملية المساءلة المحاسبية مما يضفيمزيداً من المصداقية والجودة على التقارير.

ومن ذلك يتضح بأن هناك علاقة طردية بين تطبيق مبادئ حوكمة الشركات وجودة التقارير المالية، حيث إن المعلومات الجيدة الواردة في التقارير المالية تستخدم كمدخلات للحوكمة وبالتالي ينتج عنها تطبيق جيد للحوكمة. ولا يخفى بأن هناك قصور في تطبيق اليات ومبادئ الحوكمة في الأسواق المالية العربية، ففي العراق لا يوجد نص أو تشريع قانوني خاص بآليات ومبادئ حوكمة الشركات باستثناء بعض النصوص التي توجد ضمن القوانين كقانون الشركات أو قانون المصارف أو غيرها من القوانين المنظمة لعمل الشركات، ولا تعوض تلك النصوص والقوانين عن غياب مبادئ الحوكمة كون تلك المبادئ صادرة عن منظمة دولية متخصصة ولها فقرات مترابطة و مكملة لبعضها لتحقيق أهداف أصحاب المصالح وليست جميع تلك الفقرات موجودة ضمن القوانين العراقية، كما أن التزام الشركات ببعض آلياتومبادئ الحوكمة كون بعض مبادئ وآليات الحوكمة تكون من ضمن متطلبات وآليات العمل الدارجة.

ومن هذا يتضح أن عدم وجود قوانين وأنظمة واضحةللحوكمة سيؤدي إلى إخفاء الكثير من المعلومات المالية وغير المالية، والتي قد تؤثر على أسعار الأسهم للشركات وعزوف المستثمرين عن الاستثمار في تلك البيئة لارتفاع المخاطر فيها، فهناك علاقة تبادلية فيما بين حوكمة الشركات وجودة التقارير المالية حيث إن تطبيق الحوكمة بشكل جيد في الشركات سيؤدي إلى إنتاج تقارير مالية جيدة، كما أن إعداد ونشر تقارير جيدة تتصف بالجودة يمثل أحد دعائم تطبيق الحوكمة بشكل جيد في الشركات.

أحدث المقالات

أحدث المقالات