15 نوفمبر، 2024 5:27 م
Search
Close this search box.

تطبيع العلاقات التركية – الصهيونية : الأبعاد وخفايا التآمر

تطبيع العلاقات التركية – الصهيونية : الأبعاد وخفايا التآمر

سارعتْ محاولة الانقلاب في تركيا الى اتخاذ خطوات اكثر برغماتية في اعادة البلاد الى حالتها الطبيعية بنهج سياسية يراها حكام “العدالة والتنمية” تخدم مصالح الشعب والتي هي في حقيقتها توسعية بحتة مفعمة بحلم “الخلافة” الاردوغانية بأسم الدين الاسلامي والتي هي ابعد ما تكون عنه ، ومن هنا فقد صادق البرلمان التركي في 19 آب 2016 على اتفاق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني .
العلاقات بين الطرفين تمتد لاكثر من 60 عاماً وبالضرورة فأن هذا الاتفاق يأتي تجديداً لاتفاقيات سابقة سنأتي على ذكرها ، اذ ان تركيا كانت اول دولة اسلامية تقيم علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني في عام 1949 الامر الذي دفع بتركيا بقوة الى الانضمام الى حلف الناتو عام 1951 واصبح حضورها رسمياً في المعسكر الغربي وسياستها في الشرق الاوسط اقتربت من الايديولوجية الامريكية . وعلى هذا الاساس كان التقارب مع الكيان الصهيوني فقد سافرت رئيسة وزراء تركيا السابقة تانسو شيللر الى الاراضي المحتلة عام 1994 ، بعد فوز حزب الرفاه الاسلامي بزعامة نجم الدين اربكان ، وهيأت لعقد اتفاقات سياسية وأمنية واقتصادية تكللت بتوقيع ((الاتفاقية الامنية والعسكرية)) عام 1996 وصفتْ ، في حينها ، بأنها لحفظ توازن القوى في المنطقة سبقتها توقيع اتفاقيتين سريتين عامي 1994و1995 في المجال الامني والعسكري .
الاتفاقية الامنية والعسكرية عام 1996 كانت غامضة وغير واضحة لكثير من الدول وشعوب المنطقة انذاك كما ان توقيع هذه الاتفاقية مخالفاً للقانون اذ لم تتم موافقة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي عليها مما يجعل الاسباب الحقيقية التي قامت عليها هذه الاتفاقية مغايرة تماما لما تم الاعلان عنه ، هدفها التآمر على العراق ودول المنطقة لخدمة الاغراض الصهيونية ، ومن جملة ما اثر على العراق لاحقاً انشاء سد اتاتورك العملاق على منابع نهري دجلة والفرات لايصال مليار ونصف متر مكعب من الماء الصافي الى “اسرائيل” والذي ادى الى ضمور الزراعة في العراق بسبب قلة المياه وانخفاض مناسيبها في دجلة والفرات . ومن ناحية اخرى اتت هذه الاتفاقية لسعي الجانب التركي وراء المال لاسيما وان مجموع قيمة صفقات التسليح وتجديد المنظومات الدفاعية وصل الى 3 مليارات دولار الى جانب تطوير نظم الاستخبارات وتطوير الطائرات F-5 وتدريب الطيارين وصناعة دبابات ( ميركافا) و دبابات M ابرامز وصولا الى انتاج طائرات بدون طيار وصورايخ ارض جو ضمن منظومة الدفاع الجوي وتبادل المعلومات الامنية والاستخبارية الحساسة بشأن دول المنطقة ومنها العراق طبعاً .
هذه الاتفاقية اسست لمرحلة ما بعد عام 2003 بكل ارهاصاتها المريرة اذ اعلنت وزارة دفاع الاحتلال وقتها انه قد تم الاتفاق مع تركيا في مجال المناورات والتدريب المشترك واجراء (حوار استرايجي) ، ويمكن ترجمته حالياً بظهور داعش الارهابي وما لحق بالمنطقة مما سمي بثورات الربيع العربي .
العلاقات التركية – الصهيونية تأثرت بشكل واضح بعد ذلك لسببين الاول وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب اردوغان الى السلطة والمعروف بدعمه لحماس وحادثة اسطول الحرية عام 2010 عندما هاجمت مجموعة من القوات الخاصة “الاسرائيلية” بالرصاص وقنابل الغاز سفينة (مافي مرمرة) في المياه الدولية قبالة السواحل القبرصية تحمل على متنها 581 ناشطاً
تركياً هدفها ايصال المساعدات الانسانية والطبية لفك الحصار المفروض على غزة مما ادى الى سقوط 10قتلى.
اتفاق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني دخل حيز التنفيذ بعد جولات من المفاوضات كل طرف فيها سعى ليسوق للرآي العام انه كان منتصراً ، فقد ركزت فيها انقرة على انها كسرت الحصار المفروض على غزة بينما يصر الجانب “الاسرائيلي” على التأكيد بان الحصار الامني والبحري لازال مستمراً . من ناحية اخرى تسعى تركيا الى الخروج من العزلة المفروضة عليها اقليمياً ودولياً مع توتر العلاقات مع واشنطن اما بالنسبة للكيان الصهيوني فقد اعتبروه مكسباً مهماً لهم مع اشادة رسمية واعلامية واسعة . ويمكن ان نلخص الاتفاق بما يلي :
1. استغلال تركيا للوبي اليهودي في روسيا لرآب الصدع في العلاقة بين انقرة وموسكو بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية (سو – 24) واكمال مد انبوب الغاز الطبيعي الروسي الى تركيا بكلفة 12 مليار دولار وهو الخط البديل للغاز الاوكراني الى جانب التعاون مع الكيان الصهيوني وروسيا للعب دور في مستقبل سوريا ورسم سناريوهات الشرق الاوسط ككل .
2. منع اقامة دولة للاكراد بكل الوسائل الممكنة في شمال العراق وسوريا وحتى مع اليسار اليوناني ذو الغالبية الكردية باعتماد النفوذ الصهوني داخل اثينا .
3. يعوض الجانب الصهوني عوائل ضحايا سفينة (مافي مرمرة) بـ 20 مليون دولار يتم تسديدها خلال فترة 25 يوماً ، في مقابل ذلك تعهدت الحكومة التركية بموجب الاتفاق بتعديل قوانينها لعدم محاكمة جنود الاحلال وقادته امام المحاكم التركية واغلاق الملفات بهذا الخصوص ومنع تقديم الشكاوى امام الهيأت القضائية الدولية.
4. الاتفاق يقر عملياً ببقاء الحصار المفروض على غزة والذي يسميه نيتنياهو ( حماية وضمان امن اسرائيل ).
5. تطمح تركيا للعب دور ممرر الغاز في الشرق الاوسط فبعد صفقة الغاز الروسية سيتم تصدير الغاز الى الكيان الصهيوني مقابل بناء محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية واخرى لتحلية المياه ، وطبعاً قطر ليست بعيدة عن هذه الاستثمارات بمباركة امريكية لضمان تمويل الارهاب وتحريكه على الارض حسب آوامر البيت الابيض .
6. اتفاق التطبيع هذا يسعى من ورائه الاتراك لتحقيق حلمهم القديم بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي بأستخدام لوبي سياسي واقتصادي ضاغط يتمثل في “اسرائيل” والولايات المتحدة خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وتعقيد المعادلة في اوروبا عموماً .
7. يحاول اردوغان اثبات المعادلة الامنية على الارض بعد سلسلة التفجيرات والعمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني بان تركيا قادرة على الحفاظ على مكتسبات حزب “العدالة والتنمية” وحفظ الامن الداخلي والسبب في ذلك ان الاتفاق تضمن بنداً بمنع النشاطات الارهابية والعسكرية ضد “اسرائيل” داخل الاراضي التركية وهنا يشير مراقبون الى ان انهاء خدمات مدير المخابرات التركي (هاكان فيدان) ونقله سفيراً الى استراليا تمهيداً لهذا الاتفاق .
8. تضمن الاتفاق ايضاً بنداً تعهدت فيه الحكومة التركية بمساعدة الكيان الصهيوني على الاننضمام الى الهيئات والمنظمات الدولية ، وهذا بطبيعة الحال يتجاوز موضوع العلاقات الثنائية مقابل مكاسب مادية ضخمة لتركيا .

أحدث المقالات

أحدث المقالات