19 ديسمبر، 2024 12:09 ص

كل عام يتكرر المشهد المحزن المفزع لعاشوراء الحسين عليه السلام بكاء ولطم وتطبير وطبخ ومواكب وعزاء وتهاتر وتقاذف وتراشق وصراع واحتراب وفتاوى واضطرابات ومشي وزيارة وجموع مليونية وينتهي محرم وصفر ويعود الناس الى ما كانوا عليه قبل محرم بلا اي فرق في حياتهم ولا فكرهم ولا وجودهم وكان شيئاً لم يحصل وكأن مدرسة الثورة الحسينية قصيرة المفعول ولا ينعكس مفعولها الا على ظواهر محددة في شهرينفقط من السنة وبعيداً جداً عن الهدف من ثورة الامام المعصوم وبعيداً جداً عن الغاية من اسالة دمه ودماء انزه واشرف الخلق في زمانه من اهل بيته وصحابته وحتى الاطفال الرضع والصبية والنساء.
لم ثار الحسين الامام (ع)؟
اول سؤال يجب ان نجيب عنه هو لم ثار الحسين عليه السلام ولم ضحى بنفسه واهله وصحبه ولم رفض البيعة ليزيد الملعون ولأي شيء قدم القرابين وهو عليه السلام يناجي ربه  ويقول (ان كان هذا يرضيك فخذ يا رب حتى ترضى)؟
لأجل ان نبكي؟
لأجل ان نلطم؟
لأجل ان نطبخ ونأكل؟
لأجل ان نرفع سيوفنا عالياً وبدل ان نضرب بها كل ظالم ومستبد نعود بها الى رؤوسنا؟
لأجل ان نتحاسد ونتباغض ونتقاتل ونتلاعن ونتشاتم ويتبرأ بعضنا من بعض ويظلم بعضنا بعضاً ونفسد في الارض ونسرق ونغش ونزني ونشرب الخمر ونتعاطى المخدر ونخالف القوانين ونرى الباطل ونسكت عليه ونخالف الحق ولا ننصره؟
الأجل هذا ثار الحسين (ع) ولأجل هذا ضحى وخلد ذكره؟ قطعاً لا ولكن لماذا؟
ان عظمة الامام الحسين عليه السلام كشخص وكفكر وكمكانة في الوجود الانساني وكما نفهم تجعل الحفاظ على نفسه ووجوده في المجتمع الاسلامي امراً مهماً جداً كخامس واخر اهل الكساء على الارض والنسل المباشر للرسول الكريم محمد (ص) وابن -اخيه وابن عمه- خير الخلق بعد الرسول الاكرم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وابن بضعة الرسول وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، اذا ما هو الشيء الاهم والاعظم من الامام الحسين عليه السلام والذي ضحى بنفسه وبكل شيء من اجله؟ انه باختصار دين الله والعدالة الاجتماعية واحقية اهل البيت بإمامة الناس بعد ان ظلت البشرية وتخبطت سنين طويلة بين هذا وذاك ووصل الامر الى ان يلي امر المسلمين ملاعبي القردة والكلاب وشاربي الخمر وعابثي الليل والنهار وقاتلي النفس المحرمة.
 ومن هنا وجب ان نعرف هدف الثورة لنعمل على ترسيخه في حياتنا ونسخر انفسنا له حتى يصدق علينا اننا حسينيون واننا سائرون على نهج الامام الحسين عليه السلام والا فلا يحق للسارق والقاتل والزاني والمنحل دينياً واخلاقياً والتارك للصلاة ان يدعي انه حسيني قولاً باللسان بلا فعل ولا التزام بالأركان ولا يحق لكل من هب ودب ان يمارس الطقوس الظاهرية بلا انعكاس باطني على قوله وفعله وعلاقته بربه وبنفسه وبالناس حوله ثم يقول انا حسيني وانا ثوري وانا مناصر للقضية الحسينية!

اذا ما العمل؟
العمل ان نطبق قول الامام الصادق عليه السلام حين قال (كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء) اي ان كل ارض وكل زمان ومكان هو ساحة معركة بين حق الحسين عليه السلام وكل ما يمثله من قيم السماء في العدالة والرخاء ونبذ الظلم وبين كل ما يمثله عكس ذلك وخلافه من حكومات وافراد ومنظمات ودول تعادي السماء ونهجها وتستعبد البشر وتستضعف بعضهم على حساب البعض الاخر وما اكثرهم في كل زمان ومكان وخصوصاً الان فكما قيل سابقاً ان كل موقف من مواقف حياة البشر هو تجسيد لأرض الطف حيث اننا اما ان نكون حسينيون ونستشهد من اجل الحق والعدل واما ان نكون زينبيون ونرفض الظلم والعدوان والباطل بالقول والرفض بالإعلام والتصريح والا فنحن يزيديون بالسكوت والخنوع والخضوع والسير مع تيار الباطل حولنا.
الحاصل فعلاً
الذي يحصل كل عام هو تكرار نفس سيناريو الاعوام السابقة واللاحقة ربما حيث ينشغل الاغلبية الساحقة من الناس بالمظاهر دون الجوهر والمعنى ويركز العامة وحتى بعض الخاصة من الناس على امور روتينية تقليدية بحجة انها شعائر مقدسة وتبدأ محاولات البعض لمصادرة الثورة في النفوس واجهاض المشروع النهضوي والتوعوي في نفوس الناس حتى قبل ان ينزل الى ارض الواقع بزرع الخلافات والنزاعات بين (س) و (ص) من التوجهات المتفاوتة وتبدأ رحلة الصياح والسب والشتم والبراءة والتنابز والتلاعن والادعاء من قبل كل طرف انه الوحيد من يحب الحسين عليه السلام ويمثله وان الطرف الاخر بعيد عن الحسين (ع) في حين يأخذ صنف اخر من الناس بجانب الفاجعة فقط والدمعة الساكبة واستدرار العواطف وتحريك المشاعر طيلة الشهرين الحزينين بلا اي اثارة لحركة عقل او نية عمل او توجيه لحركة او تنوير او تثوير والكل ينعى شهيد الحقيقة والعدل ولكن الكل يعيش الظلم بكل جوانبه ومناحيه ولا يحرك ساكناً لتغييره وهكذا يتم سنوياً مصادرة الثورة وتحريف اهدافها وتمييع مبادئها وحرف مسار تلاميذها عن اهدافها الحقيقية وهكذا دواليك ومنذ قرون يبكي شيعة الحسين (ع) ثورته ولا يطبقون شيئاً مما قامت لأجله فألى متى؟ وهل الى صحوة من سبيل؟
اتهامات جاهزة
طبعاً هذه المقالة ستتعرض كغيرها الى الاتهامات الجاهزة من انها ضد القضية وضد الشعائر وانها مؤامرة لأبعاد الناس عن الثورة والقضية والدمعة التي يجب ان لا تتوقف الى يوم القيامة وكرد على ما سيقال نقول اننا لسنا ضد اللطم والطبخ والبكاء والعاطفة الجياشة التي تعتري صدر اي مؤمن يذكر المصيبة الراكزة وكما قال الرسول محمد (ص) ( ان لقتل ولدي الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد الى يوم القيامة) والتي لا يستطيع احد ان يقتلها في صدور المؤمنين الى ان يظهر صاحب الثأر روحي لمقدمه الفداء ولكن ما لا بد ان يقال هو ان الثورة بحاجة الى جنود وطلبة يحققون اهدافها او يموتون في هذا السبيل في كل عصر ومصر ولا يجب المبالغة في جانب العاطفة على حساب العقل والدين والشرع والعقيدة التي استشهد الحسين (ع) من اجلها ويجب العمل بكل ما اوتينا من قوة لتجسيد الدين والمبادئ في حياتنا ونتخلص من كل سلبيات سلوكياتنا كأفراد وكمجتمعات ودول وحينها فقط نستطيع ان نقول (حياتنا حسين مماتنا حسين).
من نافلة القول بعد ما قيل ان نقول ان القضية التي اريد لها ان تبقى راسخة ثابتة دائمة ابد الدهر لا يمكن بحال من الاحوال اختصارها بأمور ظاهرية عاطفية بلا اعمال للعقل والفكر وبمقاييس الدين الصحيحة لتطبيق مبادئ الثورة على كل وقت وزمان ومكان حسب ظروفه ومتغيراته والا فلا الخطاب التقليدي يصمد ولا التصرفات الغير مدروسة تصمد بوجه النقد والتصيد الذي يقوم به المغرضون او حتى الناقدون لما يجري نقداً بناءاً يرومون منه الاصلاح فلا ننسى ان امامنا الحسين عليه السلام خرج للإصلاح في امة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ونحن مازلنا نرى ان الامة لا تشهد اي صلاح لا مادي ولا معنوي اذا فهدف الثورة قائم ونحن المعنيون بإكمال المسيرة بالاقتباس من جذوة نار الثورة الحسينية المباركة للهيجان ضد كل خطأ مهما كان صغيراً ومحتقراً في اعيننا فطول مدة الخطأ وثباته في النفوس والمجتمعات جعل الكثير منا مصاباً بعشو لا يرى سوء وقبح ما يحيط بنا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.