9 أبريل، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

تصويـــب المســـار الأقتصـــادي … إلى أيـــن ؟؟؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

كثيرة هي العوامل التي تلعب دوراً مهماً في الساحة الأقتصادية العراقية ، ولكن يبقى عاملا القرار السياسي ، والأنتاج النفطي هما العاملين الرئيسيين اللذين كانا وما يزالان يؤثران بشكل فعال في السياسة الأقتصادية العراقية . وبحلول عام ( 2003 ) تولدت القناعة لدى الجميع بأن العراق ، وبعد مغادرته حقبة زمنية قاسية تركت من خلالها آثاراً سيئة على خارطته الأقتصادية ، سوف يقبل على مرحلة جديدة يستند فيها على أقتصاد السوق ، وتمت المباشرة بتبنيّ مرتكزات جديدة ، حيث توسعت الآفاق وتم أعداد البرامج ، وعقدت العشرات من مؤتمرات الأعمار في عواصم الدول العديدة ، التي أبدت قسم منها الأستعداد بأسقاط الديون القديمة ، والقسم الآخر بتقديم المنح والتسهيلات ، وتقدمت الشركات العالمية بعروض مغرية ، وبدأ العراق شيئاً فشيئاً بأستعادة مكانته بين الدول كقوة أقتصادية فاعلة . ولكن رغم التشخيص الصحيح ، والتخطيط الجيد ، والبرامج المعلنة في عام (2005) ، وتفاؤل جميع المؤسسات الأقتصادية داخلياً ، والتعاون المثمر المقدم خارجياً ، لم تكن النتائج بناءة ، ولم تحقق شيئاً على أرض الواقع ، بسبب الأزمات المتعددة والمتتالية ، التي جعلت من الملف الأقتصادي ضحية الملفات الأخرى . في حين أن معظم الدول المتقدمة تتعامل مع الملف الأقتصادي ضمن أهم أولوياتها ، وتكرس معظم جهودها من أجل دعم النشاط الأقتصادي ، وترى من الضروري أن يكون القرار الأقتصادي في الدولة تابعاً للنشاط الأقتصادي ومتغيراته ، وبعيداً عن أيديولوجية النظام السياسي وردود أفعالها نتيجة الضغوط الخارجية والداخلية ، وأن يكون تدخل الدولة ضمن نطاق تحديد نوع وحجم القيود والعوائق التي تعترض التنمية ، من أجل توفير الدعم الكامل لأحداث التغييرات في الهيكلية الأقتصادية ، وتهيأتها للدخول في المنافسة في الأسواق المحلية . وأن أجراءات التحول من التنمية بالتخطيط المركزي بقيادة القطاع العام الى التنمية بالخصخصة وأقتصاد السوق ( كما هو مخطط له ) ، يجب أن يأخذ بنظر الأعتبار عوامل النجاح ، و بشكل مدروس ، للوصول الى الطريق المنشود ، خصوصاً أن جميع المراحل الزمنية السابقة والحالية ، كانت محكومة بالمناخ الغير مستقر . فقد تم أعداد برنامج ستراتيجية التنمية الوطنية الذي صدر من وزارة التخطيط للمدة التي حددتها بالأعوام ( 2007 – 2005 ) والذي تبنىّ من خلاله هيكلة الأقتصاد الوطني وتوسيع قاعدته الأنتاجية كماً ونوعاً إعتماداً على آليات السوق ، وتحرير الأسعار والتجارة من القيود الكمية والنوعية ، على أن يتولى القطاع الخاص القيادة في تحقيق ذلك من خلال تعزيز قدراته المالية والفنية ، وكذلك أصلاح ( 158 ) شركة حكومية تعرضت للدمار والتخريب من أصل ( 192 ) شركة تمتلكها الحكومة العراقية ، يعمل فيها بحدود ( 700 ) ألف منتسب . ورغم كل هذه الأجراءات التي تم التصريح بها ، لم يتحقق شيء على أرض الواقع وعلى صعيد كلا القطاعين ، فبقيت نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الأجمالي في نفس المعدلات ( %30 ) ولم يتم تطبيق إجراءات الأصلاح للشركات الحكومية ، رغم إعداد خطة متكاملة تتكون من عدة مراحل ( ما بين التصفية والهيكلة والخصخصة ) بعد تصنيف وتحديد الشركات تبعاً لحالتها الأقتصادية . بل تم تحميل الدولة عبئاً أضافياً من خلال إعادة المفصولين السياسيين الى الخدمة للعمل في الشركات ، وتم صرف رواتبهم المتراكمة ، وكذلك الأستمرار بالتعيينات الجديدة . وبحلول عام ( 2010 ) تم توسيع الدراسة المعدة لأصلاح الشركات الحكومية من قبل هيئة المستشارين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، وإشراك ممثلين من الوزارات المعنية ووزارة المالية ، وتم إعداد خارطة طريق صادق عليها مجلس الوزراء بالقرار رقم ( 314 ) لسنة ( 2010 ) ولم تتمكن الحكومة السابقة من تنفيذ توصياتها . وتم الخروج بتوصيات بضرورة التعاقد مع شركات أستشارية عالمية لدراسة وضع كل شركة من حيث تثبيت رأس مالها وأصولها وتثبيت ديونها وإلتزاماتها وكيفية معالجة الكادر الفائض ، وتهيئة البرامج الخاصة لكل شركة للتحول الى شركة رابحة ، على أن يتم ذلك خلال مدة زمنية أقصاها ( 4 ) سنوات من تأريخ إكمال الدراسة . وبعد التعاقد مع هذه الشركات الأستشارية عام ( 2012 ) وإستكمال الدراسات الدقيقة عن وضع الشركات في منتصف عام ( 2015 ) ، لم يتحقق أي تغيير يذكر في وضع الشركات ، عدا تقليص قسم من الكوادر ( من الذين تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة ولديهم خدمة أكثر من 15 سنة ) ، مستفيدين من قانون التقاعد الموحد الذي أعطى الشرعية لتلك الأجراءات ، مع الأستمرار في أجراء التعيينات بصفة عقود أو أجر يومي . واليوم وبعد مرور خمسة عشر عاماً من إعلان التحول وتصويب المسار ، بقيت البرامج المعلنة ، مجزأة ، خالية من الستراتيجية المترابطة ، تعيد وتكرر نفسها ، ولم نشهد الأستفادة من المعلومات والدراسات التي تم أعدادها من قبل الشركات الأستشارية والتي تم حفظها في أرشيف الشركات ، وأصبحنا نمتلك خارطة أقتصادية مجزأة غير مجدية ، لأننا نفتقر الى البوصلة التي تمكننا من تحديد الأتجاهات الصحيحة .

لقد خضعت الدراسة التي أعدها فريق هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء الى مجموعة من الأجتهادات والتقاطعات نتيجة تعدد مصادر القرار فيها ، مما أفرغتها من محتواها الحقيقي وحيّـدتها من مسارها المرسوم ، ولم يتم التعامل بجدية تتناسب مع حجم المشكلة ومعاناة الشركات ، ولم تقدّر الدراسة أننا أمام نقطة تحول حقيقية في السياسة الأقتصادية ، وأننا نتعامل مع أضخم عدد من المؤسسات التي تشكل مفاصل مهمة في إدارة الدولة ، وتشكل مفاصل حيوية في أقتصادها ، وتضم مئات الآلاف من المنتسبين وتمتلك من الأصول والموجودات كلفت الدولة عشرات التريليونات من الدنانير ، فكان تعاطي الفريق مع مواضيع الدراسة ومساهماته في وضع الحلول إنتقائياً ، لأن التوجهات كانت محمّلة بأفكار وأستنتاجات مسبقة قبل الشروع بالدراسة ، إضافة إلى عدم تمكن الدراسة من التخلص من تأثيرات توجهات البنك الدولي . ورغم أن رؤية الفريق الى مشكلة الشركات ، كانت مفعمة بالأمل وتتطلع الى تخطيط حقيقي للتغيير ، وكما جاء في مقدمة الدراسة (( جعل الشركات العامة وحدات اقتصادية تعمل وفق مباديء اقتصادية ومعايير تجارية ، الربح والخسارة ، وتتمتع منتجاتها بالتنافسية إقليمياً وعالمياً ، تعتمد التميز والإبداع ، وتساهم في نمو وتطور الاقتصاد الوطني باتجاه تنوعه ، وتخلق فرص عمل وتستخدم الموارد بفاعلية وكفاءة اقتصادية ومسؤولية )) وكذلك (( لا يوجد نموذج محدد للهيكلة والتحول ، وانما تتم دراسة الشركات حالة بحالة ولكل منها يتم اتخاذ الإجراء المناسب )) . إلا أن المعالجات إقتصرت في محورين أساسيين ، هما كيفية التخلص من العمالة الفائضة ، وكيفية تقليص مساهمة الدولة في تحمل الأعباء المالية للشركات ، وحتى أن التقييم الذي تم أعتماده في تصنيف الشركات الى ( رابحة أو خاسرة ) ، ( مجدية ، غير مجدية ) إستندت الى محورين فقط ، هما أعداد منتسبيها و مدى مساهمة الدولة في تغطية رواتبهم . ولم تعتمد المعايير الأقتصادية الأخرى مثل ( الأداء المالي ، الربحية ، تقييم المنتجات والخدمات ، التسويق والمبيعات ، تطور الأنتاج والخدمات ، الموارد البشرية ) وهذا التقييم لا يعكس الصورة الحقيقية لوضع الشركات ومدى نجاح التحول . فقد أعتبرت الدراسة قسم من الشركات رابحة رغم أن الدولة كانت قد تحملت جميع المبالغ المرصودة لتطوير وتأهيل وصيانة منشآتها من الموازنة العامة ، بل أن الدراسة إنتقدت آلية إعتماد مبدأ ( الربح – الخسارة ) في تقييم الشركات ، وأعتبرت الطريقة المتبعة في الأحتساب غير حقيقية ومشوهة . وأعتمدت الدراسة على إفتراضات مسبقة مثل (( حتى لو تم توفير الطاقة لـ(24) ساعة في اليوم ، والتخلص من العمالة الفائضة ، فأن ذلك لن يساهم في تحقيق الربح ولن تكون الشركات مجدية !!!! )) ، بل ذهبت الى إستنتاجات أبعد مثل (( لا يمكن إبقاء الشركات تحت الأدارة العامة للدولة ، حتى وإن كانت مربحة ، وتعمل وفق آليات السوق ، وكانت منتجاتها منافسة وكفوءة !!! )) وحاولت الدراسة أن تقدم مشروع التحول متفادية طرح عنوان ( الخصخصة ) ، أو طرحت العنوان مع تقديم التوضيح والتبرير من أجل تخفيف صدمتها وآثارها ، كون كلمة (الخصخصة) تحمل مفاهيم حساسة لدى المجتمع العراقي ، لأنها تعني تخلي الدولة عن منتسبيها وتركهم أمام فكي أفتراس القطاع الخاص الذي يحمل صورة مشوهة تأريخياً ، وكما جاء في نصوص الدراسة (( لا تتم الخصخصة من أجل الخصخصة ولكن وفق معايير مقارنة تجعل من أداء الشركات خارج إطار الدولة أكثر جدوى أقتصادياً من بقائها ضمن الدولة ، كما أن الخصخصة لا تعني البيع بالكامل لأن دخول القطاع الخاص بأي نسبة كانت في (الإدارة) أو في (الإدارة والملكية) معاً للشركات هو بحد ذاته (خصخصة) بدرجات متفاوتة ، حيث يمكن للشركات خصخصة بعض أنشطتها دون بعض وفق عقود متعددة ومختلفة من شركة لأخرى )) .
وكانت خلاصة الدراسة كما يلي :-
تضمنت الدراسة حالة (157) شركة من أصل (176) شركة حكومية ، البالغة عدد منتسبيهم بحدود (500) ألف منتسب .
تصفية (17) شركة خاسرة وغير مجدية .
الأبقاء على (44) شركة رابحة أو مجدية مع تطبيق الأصلاح .
عرض (96) شركة لـ( الأصلاح ، الهيكلة ، الأستثمار ، الخصخصة ، التحول ) .
تحويل (181) ألف منتسب أي بحدود (%36) من العدد الكلي الى ( مركز تنمية الأعمال ) الذي يتم إنشاؤه في مقرات الوزارات لغرض تأهيلهم أو إحالتهم الى التقاعد ، وتسريح أوتقليص (22) ألف منتسب من الأجراء اليوميين .

وهكذا إنحسرت الدراسة بالتصفية ، للشركات الخاسرة ، والهيكلة والأصلاح للشركات المجدية ، والخصخصة لبقية الشركات ، ولم يتم إنشاء مركز تنمية الأعمال ، بل تمت الأستفادة من قانون التقاعد الموحد وإحالة عدد كبير من المنتسبين الى التقاعد ، إضافة الى فسح المجال أمام المنتسبين بتقديم إجازة طويلة لمدة (5) سنوات مع إحتفاظهم بالراتب الأسمي وحق ممارسة العمل لدى القطاع الخاص أثناء تمتعهم بالأجازة .

ويمكننا أن نلخص الأسباب الحقيقية لفشل برامج التحول وخصوصاً هيكلة شركات القطاع العام وكما يلي :-

غموض أدوار القطاع العام والخاص في الخارطة الأقتصادية ، وعدم وجود برامج أقتصادية مدروسة وواضحة خصوصاً لبرامج التحول المقترحة .
تدهور المناخ العام للوضع الأقتصادي نتيجة القرارات الأرتجالية والمفاجئة بسبب التقلبات السياسية والتي خلقت بيئة طاردة للأستثمار المحلي والأجنبي .
خلل في التشريعات ( نقص وتقاطع ) تربك الأدارات عند أتخاذ القرارات ، وكذلك تعدد مصادر القرار .
أفتقار المؤسسات المالية والأقتصادية الى مباديء الأدارة الرشيدة التي أفقدتها ثقة المستثمرين .
الفساد المستشري وخصوصاً في مفاصل القطاع العام .
معظم الدراسات التي تم أعدادها كانت نظرية ، مثالية ( وخصوصاً من حيث كيفية التخلص من الكادر الفائض ، كيفية زيادة الأيرادات وتقليص النفقات ، كيفية التطوير والتأهيل ، كيفية زيادة أنتاجية الوحدات الأنتاجية ، كيفية الحصول على فرص عمل جديدة ) كون معظم المعالجات المطروحة ضمن خارطة طريق هيكلة الشركات ، خارج مقدرة وصلاحيات الشركات العامة ، وتخص جهات أخرى متعددة تشكل الشركات فيها أضعف الحلقات .
العمالة الفائضة ترعب المستثمرين ، وغياب السياسات الواضحة لدى القطاع العام في كيفية التخلص من الفائضين أو كيفية تأهيلهم للأستفادة منهم في أنشطة جديدة .
غياب التشخيص الحقيقي لمعايير الربح والخسارة في شركات القطاع العام ، وعدم تحديد الخط الأدنى وخط الشروع في مفاصل عملها .
عقلية العاملين في القطاع العام إتكالية غير تنافسية ، وبعيدون عن ثقافة السوق ، وهناك مقاومة لأجراءات التحول الى الخصخصة ، لأنها ستفقدهم الكثير من الأمتيازات التي يتمتعون بها وخصوصاً الأدارات العليا .
هيمنة الوزارة على معظم قرارات شركات القطاع العام ، وهناك تمسك من الوزارات بعدم إنفصال الشركات منها أو عدم السماح لها بأستقلالية القرارات .
عدم إمكانية تقدير رأس المال الثابت والمتداول سواءاً بالقيمة الدفترية أو الجارية للشركات ، حيث إقتصر التخمين للأصول والموجودات من قبل الشركة الأستشارية المكلفة بأعداد الدراسة وبالأستناد الى التشاور مع الشركة العامة والمكاتب التجارية المحلية مع عدم مصادقة وزارة المالية على التخمين ، وهذه الضبابية في تثبيت وضع الشركات لم تخدم البرامج المعلنة والدراسات المعدة .
لم تتطرق الدراسة الى كيفية معالجة الديون القديمة والألتزامات السابقة للشركات .
لم تقدم الدراسة حلولاً حقيقية للمعامل والمصانع الحكومية ، حيث أن حالة المعامل الأنتاجية التابعة الى الشركات العامة متشابهة ولا تبشر بأمل جديد ، كون معظمها ذات مناشيء قديمة ، تعرضت الى الدمار والتخريب نتيجة الحروب والتخريب والنهب وقد تحولت معظمها الى مواقع متروكة نتيجة
إنهيار البنى التحتية لها ، والمتبقي منها حالياً تعاني من سوء الأدارة ، نتيجة العقلية المسيطرة على
القائمين بالتشغيل ، كون مردوداتهم ثابتة نتيجة إلتزامهم بالتواجد والدوام فقط ( مثل أي منتسب أداري
آخر ضمن مؤسسات الدولة الأخرى ) ، مع عدم وجود ترابط بين المردود المالي للمنتسب والأنتاجية
في ظل غياب نظام الحوافز ، وتعاني معظم هذه المعامل من التقادم والأستهلاك نتيجة إستيرادها منذ
ثمانينات القرن الماضي ( تقنيات قديمة ) ، و تعاني من التدني في الأنتاجية بسبب نقص الطاقة ،
وزيادة في كلف الأنتاجية ، وأن السلع المنتجة غير قادرة على الدخول في المنافسة في السوق .

*************************

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب