القيم عبارة عن تصورات من شأنها أن تفضي إلى سلوك تفضيلي، ووجدت مع الإنسان منذ بدء الخليقة، فقيم الأمانة والإيثار وإكرام الضيف والغزو وغيرها من القيم السلبية والإيجابية نماذج من القيم عرفها الإنسان منذ القدم، وشكلت إطارا محددا لسلوكه وتصرفاته وتنظيم علاقاته مع الآخرين، وهاديا لتفضيلاته وخياراته، ومعيارا لتقويم سلوكاته، تحدد ما هو مقبول أو مرفوض خطأ كان أو صوابا ،كما أنها تعتبر بمثابة معايير للاختيار من بين البدائل السلوكية المتاحة للفرد في موقف ما، ومن ثم فان احتضان الفرد لقيم ،معينة يعني توقع ممارسته لأنشطة سلوكية تتسق مع تلك القيم التي هي عبارة عن الأحكام التي يصدرها الفرد بالتفضيل أوعدم التفضيل للموضوعات أوالأشياء ، وذلك في ضوء تقييمه أو تقديره لهذه الموضوعات أو الأشياء ،بحيث تتم هذه العملية من خلال التفاعل بين الفرد بمعارفه وخبراته في ظل الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ،ويكتسب خبرات معارف ، أنماط سلوكية ، عادات وتقاليد في مضمونها بوضع معايير للسلوك الإنساني وهي المستمدة من مصادر التشريع الذي يعتبر الحسن هو ما يستوجب الثوابت و غاية إنسانية وواجب لا تقوم الحياة بدونه ، و الانسان من خلال العمل يحقق الحكمة من وجوده في الدنيا .
الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأولى في المجتمع، وعلى صلاحها وقوتها واستقامتها يتوقف صلاح المجتمع وقوته وتماسكه، فالمرأة والرجل هما عماد الأسرة؛ إذا صلح كل منهما استطاعا أن يكوِّنا بيتا نموذجا على القواعد التي وضعها الإسلام، وقد وضع الإسلام قواعد البيت فأحكم وضْعها، فأرشد الزوجين إلى حسن الاختيار، وبين أفضل الطرائق للارتباط؛ قال تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدةً وَرَحْمَةً ﴾،واذا صلحت الأسرة صلح الفرد وهي المحضن الطبيعي الذي يتولَّى حماية الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها، وفي ظله تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكامل، وتتطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هدْيه ونوره تتفتح للحياة وتتعامل مع الحياة ، وإذا صلح الفرد صلحت الأُسرة، وصلح المجتمع؛ فالأسرة هي التي يتشرب منها الفرد العقيدة والأخلاق، والأفكار والعادات والتقاليد، فهي البيئة الطبيعية الأولى التي تتعهد الطفل بالرعاية والتنشئة الاجتماعية منذ الصغر وتعوِّدهم على ممارسة فعل الخير، ومن ثم يجب على الوالدين أن يغرسا في نفوس أبنائهم القيم والفضائل الإسلامية الحميدة، ولا تحمل الأسرة وحدَها العبءَ في مجال غرس القيم والفضائل، ومن ثم فإن المدرسة والمسجد يسهمان بدور بارز في هذا المجال اعتبار القيم بأنها الإطار المرجعي الذي يشمل الاتجاهات والمعتقدات والقناعات في البنية المعرفية للفرد التي توجه سلوكه وجهة معينة، وهي نتاج اجتماعي يتعلمها ويكتسبها الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية، وعن طريق التفاعل الاجتماعي يتعلم الفرد أن يفضل بعض الدوافع والأهداف على غيرها، أي يعطيها قيمة أكثر من غيرها.
يقع مفهوم القيم في دائرة اهتمام العديد من التخصصات كالفلسفة ، والدين ، والتربية ، والاقتصاد ، وعلم الاجتماع وعلم النفس ، وهذه الأهمية التي تكتسيها تترك المجال واسعا للبحث والجدل القائم بين هذه التخصصات ، حيث تنتهج أساليب علمية موضوعية مختلفة في تحديدها وقياسها و إبراز أبعادها ،من حيث أنها تمس وتخص الفرد البشري فقط ، ويمكن التطرق لتبيان مفهوم القيم وبعض المفاهيم المصاحبة لها ، وكذلك معرفة خصائصها ، ووظائفها وتحديد أصنافها، وكذلك الوقوف على عوامل اكتسابها وكيفية تغييرها .
علماء النفس يركزون اهتماماهم بخصوص القيم على دراسة قيم الفرد ومحدداتها سواء كانت نفسية، وإجتماعية وتعني علاقة الفرد مع الآخرين في مجتمع مع، دينية وهي المبادئ والقواعد والمثل العليا، التي يؤمن بها الناس، ويتفقون فيما بينهم، الانسانية الموروثة في كل المجتمعات بغض النظر عن الدين أو الجنس مثل الصدق والأمانة، والنزاهة، المساواة، العدالةوالتسامح.، الوطنية ويعبر عنها بالمواطنة الصالحة، الجمالية وهو جميل الشكل أو متناسق، الشخصية التي تعبر عن صفات خاصة بالفرد، مثل الصبر مقابل التهور، وتحمل المسئولية مقابل اللامبالاة، معرفية التي تمثل الأخلاق العلمية والسمات العقلية مثل الفضول، والعقلانية، والدقة، والموضوعية…. ويمثل الفرد بؤرة ومركز اهتمام علماء النفس في دراسة موضوع القيم في حين علماء النفس الاجتماعي فيهتمون بكل جانب من جوانب سلوك الفرد في المجتمع ولا يتحدد بإطار محدد لنظام أو نسق، وتنبثق منها كذلك قيمة الاحترام التي نادت بها جميع شعوب الأرض والديانات والحضارات و تقاس هذه القيمة بحسن تعامل الفرد مع الآخرين. تتجلّى هذه القيمة باحترام الإنسان لكونه إنسانا وليس لمنصبه، أو وظيفته أو انتمائه لمجموعة أو فئة معيّنة، أنّ لكلّ فرد في المجتمع الحق بأن يحترمه الآخرون ويتعاملوا معه باحترام في جميع المجالات. فالاحترام يعني احترام ومراعاة الاختلاف بين الناس من حيث: اللون، الجنس، الدين، الثقافة، الرأي وحتّى الإعاقات الجسديّة ومن هنا تمّ سن قانون “احترام الإنسان وحريّته” في بعض الدول، وينصّ هذا القانون على احترام الإنسان كإنسان، وعدم مسّه نفسيّا أو جسديّا.
ويمكن تحديد مفهوم القيم عموماً وقيمة العمل واتقانه خصوصاً وأهمية القيم ومكوناتها ومصادرها وخصائصها ومجالاتها ووظائفها ، وتحديد مكانة العمل في الاسلام . والعلاقة بين التربية والقيم مع بيان أهمية غرس القيم والطرق المستخدمة في غرسها ، كيفية تربية الناشئة على اتقان العمل واسرار الاتقان ، مع تحديد مؤشرات القيم والمؤشرات الدالة على قيمة العمل ، وبيان طرق غرس قيمة العمل وتطويرها لدى الناشئة في البيت والمدرسة ، والمحتمع ،لان عملية زرع القيم وتنميتها لدى الفرد تبدأ منذ أيام حياته الأولى وهو طفل وتنتهي بوفاته .
من أهم طرق غرس قيمة العمل : القدوة الحسنة ، الموعظة باستخدام أسلوب الحوار والاستجواب ، الموعظة بالمداعبة ، الموعظة بضرب المثل ، الموعظة باستخدام اسلوب التشبيه والتمثيل ، الموعظة باستخدام وسائل و تتكون القيم من ثلاث مكونات معرفية وسلوكية ووجدانية ، والقيم غير ثابتة في المجتمع بل متغيرة لأنها من صنع الأفراد ، وبالتالي فهم قادرون على تغييرها من أجل إثراء التفاعل ، وليست أطر خارجية تفرض على الأفراد من البيئة الخارجية ، وتستطيع المجموعات أن تقيم لنفسها واقعا في داخلها إذا توصلت إلى فهم مشترك وقيم مشتركة شكلت بناءها العقلي، فالجماعة و أن تشكل لنفسها رموزا يتعارف عليها أعضاءها لتحقق تفاهما مشتركا وبالتالي تؤسس قيم ومعايير مشتركة وعامة.