18 ديسمبر، 2024 8:12 م

لغة اليد والإشارة لغة أساسية موازية للغة المنطوقة ولا يمكن الاستغناء عنها في مواقف كثيرة، وهي لغة تتميز بالبراعة والقدرة على إسناد اللغة المنطوقة في إيصال المعلومة.

يؤكد بعض الباحثين الأوروبيين بنوع من التعالي وبنبرة عنصرية مضمرة، أن الشعوب ذات الثقافات الشفاهية والشعوب ذات الطبيعة العاطفية المنفتحة تبالغ في استخدام الإشارات للتعبير عن الانفعالات والمواقف، ويعدونها سمة للشعوب الشرق أوسطية، وكلما كان المجتمع متّسما بالعقلانية وبعيدا عن التدفق العاطفي تناقصت لديه إشارات الأيدي والتعابير المفرطة في الوجه والجسد.. ويقدم هؤلاء الباحثون أمثلة على طروحاتهم، فالشعوب الإسكندنافية وشعوب شمال أوروبا عادة هي التي تتجنّب التعبير الجسدي بحركة الأيدي والوجه، بينما يمثل سكان حوض البحر المتوسط: اليونانيون والإيطاليون والأسبان والعرب والأتراك النمط الثاني الذي يبالغ في استخدام لغة الإشارة وتعابير الوجه.

يعلن علماء لغة محدثون أن لغة اليد والإشارة لغة أساسية موازية للغة المنطوقة ولا يمكن الاستغناء عنها في مواقف كثيرة، وهي لغة تتميز بالبراعة والقدرة على إسناد اللغة المنطوقة في إيصال المعلومة..

كشف مشروع بحث جامعي في ألمانيا عن بعض جوانب من نتائج بحوث الفريق المكون من عشرين عالما في تخصصات مختلفة من مركز بحوث جامعة “فرانكفورت أون أودر” الشرقية. درس المشروع لغة الإشارة لدى الإنسان الناطق في مناطق مختلفة من العالم وبين فئات متباينة. وقام أعضاء الفريق بتصوير عيّنات عشوائية من أناس مختلفين يتحدثون ويقرنون الحديث بإشارات وإيماءات ذات دلالات متنوعة، ودرست رئيسة الفريق هذه الإشارات وأنجزت بحثا تحليليا لقواعد لغة الإشارة التي يستخدمها الإنسان الناطق، ووجدت أنها تختلف عن تلك الإشارات التي يستخدمها الصم. وبناء على البحوث الميدانية والتحليلية كشفت هي وفريقها عن قواعد لهذه اللغة تضم أربع مجموعات أو أصناف من الإشارات:

المجموعة الأولى إشارات الأفعال، والثانية إشارات الموديلنك أي تمثيل الشيء، وإشارات الرسم التي ترسم أشكال وأحجام الأشياء، والإشارات التجسيدية، وخلصت إلى أن لغة الإشارة ليست مسألة بسيطة، بل هي غاية في التعقيد واختزان المعاني، فنحن البشر الناطقون نستخدم الإشارة كفنانين لأننا غالبا ما نرسم ونؤدي الحركات ونعرض المشهد ونقوم بالتمثيل البانتومايم ونختار الإشارات التي تتناغم وتتلاءم مع الكلام والمحيط الثقافي والحدث الذي نرويه أو الفكرة التي نقدمها.

وتدرس مجموعة من الفريق عمل المناطق العصبية في الدماغ وتشرح إحدى الباحثات أن نوع الأنشطة الدماغية المصاحبة للإشارات تختلف عن الأنشطة التي تصاحب النطق اللغوي للأفعال نفسها، وتضرب مثلا بعملية فتح الباب بمفتاح، إذ ينشط جزءان من الدماغ على اليمين واليسار إذا قمنا بالعمل وفتحنا الباب حقيقة، ولكن إذا أدينا إشارة فتح الباب دون أن أفتح، فإن الجزء الأيسر من الدماغ هو الذي ينشط فحسب وهو الجزء المختص باللغة، ومعنى ذلك أن الإشارة تعادل اللغة في نشاط الدماغ! وفي هذا دحض لما طرحه الباحثون حول تقسيم الشعوب إلى متخلفة ومتحضرة بمقدار ما تستخدم من لغة الإشارة.

يقول أحد علماء الفريق “إن الإشارة هي ضرب من فعالية لغوية وتقع منطقة الاستجابة لها في الجانب الأيسر من الدماغ حيث مركز الاستجابات اللغوية”. وانطلاقا من هذه الحقيقة أوجد فريق البحث قواعد لهذه اللغة الإضافية المساندة للغة المنطوقة وتوصل إلى أن الإمكانات المتوفرة لدى الصم تفوق إمكانات الناطقين لأن الصم يمتلكون قدرات كبيرة للتعبير الرمزي بالإشارات وتطويعها.

وتصبح اليد، في حالة التعبير بالإشارة، هي الأبجدية والأصابع حروفها والحركة تكويناتها، فنحن البشر لا نكتفي باللغات التي ورثناها والتي اكتسبناها بالتعلم بل نلوذ بالجسد يمدنا بلغات مرئية تتراقص فيها المعاني وتلتوي أو تتواشج وتهبنا إمكانات لا حدود لها في التواصل والاتصال..
نقلا عن العرب