23 ديسمبر، 2024 10:07 م

تصنيع المستقبل – من كتاب مقدمة الى علم الدراسات المستقبلية

تصنيع المستقبل – من كتاب مقدمة الى علم الدراسات المستقبلية

إن المقصود بعملية تصنيع المستقبل هو إحالة الأذهان إلى عملية ترشيد الأفكار والآليات وتقنين النتائج التي تسعى اليها دولة ما ومن ضمنها الدول المتقدمة والغاية من دون ادني شك هو الفائدة الكبيرة المرجوة من تحصيل النتائج التي تقدم الفوائد السياسية والاقتصادية والعلمية ، كما ان ما نعنيه بتصنيع المستقبل هو تحضير الأسس والمبادئ والمقومات التي نستطيع بها مواكبة القادم من الأحداث أو بناء الأحداث التي نرغب .
وقد يقال انه لا يمكن الادعاء بقدرة العلم حتى الآن على التنبؤ بأحداث معقدة تنبؤا دقيقا وتكفينا محاولة التنبؤ العلمي في معرفة التقلبات العامة للتغيير ومساعدتنا على اكتشاف الأهداف وفرض تقويم أكثر عناية للبدائل في أي خطة ترسم ، وهو أمر يحمل نوعا من الصدق ، لكن العلم في تقدم مستمر ولا يعلم الفرد ماذا يحمل الغد من نتيجة لهذه الفكرة .
وعلى أي حال فان الحقبة الزمنية التي تخص تصنيع المستقبل هذا قصيرة وما لمسناه إنما تاريخ أو بداية تجريب الأفكار كما في الاهتمام بالمستقبل قديما أو يمكن ان يقال بان ذلك وعي غير مباشر بالمستقبل بالقياس إلى الوعي التأسيسي المتمثل بالمرحلة الثانية من مراحل تقسيم الفكر المستقبلي ،ويتبقى الوعي التخطيطي المباشر الذي يحاول تصنيع وتعديل الخطوط الإستراتيجية المهمة المستقبلية وهو ما تمحور بالمرحلة الثالثة ، التي نحن بصددها . 
ان هذه المرحلة تمتاز بكونها  :
• هي مرحلة متسارعة يكثف فيها الزمن والعلم والتخطيط والتنفيذ .
• لعل المرحلة ابتعدت كثيرا عما يتعلق بالرؤية الأدبية ، واعتمدت على حسابات صرفة عاملها الأهم هو العلم والخيال والغاية المنشودة .
• في هذه المرحلة تبرز ثلاثة مستويات متتالية الأهمية تنتج مسائل أخرى وهي :السياسة ، الاقتصاد والعلم ، والدافع الأهم هو السياسة لأنه يساعد على تطبيق الأفكار المستقبلية فهو يتكون من خطط وأحداث ، اما تنفيذ الآليات فيتبناها العلم ، وبخصوص العامل الاقتصادي فهو يمثل محرك السياسة .
• نتجت عن تلك المرحلة قضية العولمة وتشعبت لتسير في زوايا الاقتصاد والجغرافيا السياسية والسياسة بشكل عام .
• في مرحلة صنع المستقبل يبقى جانب التخمين والظن مطروحا مع تطور الوسائل والمناهج المستخدمة .
• ان ردة الفعل تجاه الحرب العالمية قادت إلى هذه المرحلة ، بأسباب عديدة منها ان انتصار الدول قاد إلى فرض التقدم الاقتصادي والسياسي والسيطرة على البلدان الأخرى ، فتوسعت الخطط والأفكار التي ترسم للاستحواذ على الدول النامية أو لبناء الكبرى كما ان وضع الحرب دفع الدول العظمى لتجنب كوارث مشابهة .
لقد أدت حدة التغير وتسارعه بعد الثورة الصناعية، خصوصًا خلال عقود القرن العشرين وحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى تزايد الاهتمام بالمستقبل، فظهر اتجاه جديد في حقل البحوث والدراسات العلمية، وهو ما يعرف : .
1. بالدراسات المستقبلية Futures Studies
2. أو علم المستقبل Futurology
3. أو بحوث المستقبل Futures Research
4. أو دراسات البصيرة Foresight Studies
5. أو التحركات المستقبلية Futures Movements، وغيرها من المرادفات.
إذن وباختصار شديد, نستطيع القول بأن التحولات والتغيرات الجذرية الكثيرة التي أصابت الحياة والإنسان والمجتمعات الغربية , وخصوصا تلك التي أثرت فيها بشكل مباشر قد غيرت من نماذج التفكير الإنساني بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأميركية , ويعود إليها السبب الرئيس والمباشر لتوجه عالمي و غربي (بشكل أدق ) نحو أساليب التفكير والتخطيط الاستراتيجي , ومنها إلى وضع مناهج علمية وأكاديمية للدراسات المستقبلية والاستشراف خلال العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين , بهدف مواجهة تلك المتغيرات والأزمات التي استجدت وسبل مواجهتها بالإمكانيات المتاحة أو من خلال خلق إمكانيات أضافية  .
وفي تلك الأصول التي ترجع إلى الحرب الباردة تطورت الأفكار الإستراتيجية المتعلقة بقوة الرد النووي التي ازدهرت أوائل الخمسينيات  . وكان دافع التفوق العسكري على السوفيت قد حرك مجموعة واسعة من الطلبات على التكنولوجي الإبداعية وتحول سباق التسلح إلى سباق معرفة .