في مقالات سابقة تحدثت عن متغيرات تصفير الازمات كنموذج لقطف ثمار الاتفاق النووي الإيراني، لكن تبدو واشنطن قد وقعت في ذات المطب الذي وقعت فيه عام1991 ما بعد عاصفة الصحراء وحولت العراق الى بلد جريح تحت مبضع العقوبات الدولية، فانتهى به الامر الى نموذج “الحملة الايمانية” التي حولت حزب البعث العلماني الى حزب طائفي يؤيد السلفية الجهادية في نموذج تنظيم القاعدة الافغاني .
وهكذا انتهى العراق الى ما رسمه المحافظون الجدد للفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط الجديد بعد ان وضعوا الدب الروسي في ثلاجة الانتقال من الاقتصاد الاشتراكي الى الاقتصاد الحر ، لكنهم اليوم يكررون ذات الأخطاء الاستراتيجية في فهم المصالح المشتركة مع العراق او مع الدول العربية الا من بوابة واحدة تتمثل في إدارة الصراع فقط لصالح المشروع الصهيوني والامكانيات المفتوحة لقيادة اسرائيل الشرق الأوسط الجديد ليس من زاوية الاعتراف الرسمي بالدولة العبرية من قبل شعوب المنطقة بل من اعتبارات التحالفات التكتيكية التي يمكن ان تتحول الى تحالفات استراتيجية وكما اعترفت الامارات العربية المتحدة علنا بهذا التحالف ،فان ذاته معترف من قبل الولي الفقيه في طهران ومن حكومة إقليم كردستان كل على طريقته .
والسؤال لماذا هذه الحرب متعددة الاطراف على تنظيم داعش وهو مجرد مرتزقة بإدارة مخابرات دولية متعددة كل منها يستخدمه لصالح اهداف تكتيكية معروفة؟؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من التوقف عند عدد من المعطيات الموضوعية ان هذا التنظيم بوصفه من التنظيمات شبه المسلحة في عمليات الحرب منضبطة الشدة، لا يمكن ان يخرج عن نطاق الجهات التي تموله والتي توفر له الحاضنة المجتمعية،والتقارير الامريكية المتوالية تؤشر على ان هذه الحاضنة تنطلق من الفكر السلفي بشقيه ،جماعات “التكفير والهجرة” في الاخوان المسلمين وجماعات الفكر الوهابي للسلفية الخليجية .
في المقابل ،وظفت ايران كل هذه الميول والاتجاهات لمصلحة مشروعها النووي لذلك لم نشهد حادثة واحدة قامت بها القاعدة ومن ثم داعش تحت اللحاف الإيراني ،فيما تنشر الرعب والعنف في العراق وسورية تحت عناوين براقة لمحاربة الشيعة وبذلك نجح تاجر السجاد ان يبيع بضاعة غرماءه لهم في أسواق ليست إيرانية مستغلا غباء وسذاجة قيادة الإسلام السياسي الشيعي للدفاع عن ايران باعتبارها الاب الروحي للتمذهب الشيعي من بوابة تقليد المرجعية الدينية المتصدية ممثلة بالإمام الخامنئي، الذي ترك لمرجعيات النجف وقم وجبل عامل فيلبنان الجانب الفقهي فقط .
يكرر السؤال: هل لم تفهم اسرائيل وواشنطن وغيرها من عواصم الغرب هذه الحقيقة؟؟
الإجابة ببساطة نعم تفهم ذلك، بما يعكس حالة التحالف الاستراتيجي غير المعلن في مشروع المحافظين الجدد لتنفيذ الدور الإيراني الذي يجبر العرب على الاعتراف بقيادة اسرائيل للشرق الأوسط الكبير .
وعودة الى السؤال الأول ، عن هذا الظهور متعدد الأطراف في الحرب على تنظيم داعش اليوم ،فان نتاج هذه المعطيات تؤكد موسكو كما سبق لها وان كشفت اتفاقيات سايكس–بيكو عام1916 ،فإنها اليوم تسعى لان تضع بصمتها على الشرق الأوسط الكبير بنموذجه الإسرائيلي بمساعدة طهران التي لا تضمن في تحالفها مع الصهيونية الا بوجود طرف ضامن وليس امامها افضل من “المسقوفي” الوصف الذي وصفت به الثورة البلشفية من العالم الإسلامي بهدف محدد ومعروف عند دراسي النموذج الماسوني في تكامل الاضلاع لزوايا المثلثات الدائرة في هذا المشروع التي بدأت اول معالمه في كتابات إسرائيل شاحاك عام1980 تحت عنوان” مخطط
استراتيجي لمستقبل إسرائيل ” وتحول الى نموذج من سياسات الاحتواء عند مارتن انديك منظر المحافظين الجدد من خلال العقوبات الدولية وانتهى الى غزو العراق والسياسات المتعمدة في افشال نموذجه البرلماني وترك أمواله بيد مجموعات من السراق والنهابين ،لان الحكاية لم ترسم معالم النهاية .
اليوم حينما رسمت معالم هذه النهاية في تفجيرات باريس، وتحفز الجميع للقضاء على تنظيم داعش، تبدو الصورة بانها ترسم تطبيقات لسياسات لحظة بلحظة لان الجنرال “زمن” الذي سبق له وان أنضج طبخة السم الزعاف المطلوب من الجميع تجرعها بالإعلان عن تسويات كبرى سيكون الجميع رابحا فيها الا الشعوب العربية التي ستخضع لمعايير متجددة من الخلافة الاسلاموية بعناوين عثمانية وفارسية وقيادات محلية خانعة لهذه الميول بصفة دولة الغساسنة والمناذرة ونماذج لدول عشائرية تقوم بمهمات “الياور” لحراسة مصالح هاتين الخلافتين ،اما القيادة الحقيقية فستكون بيد إسرائيل لإدارة موارد الطاقة والمال في العالم لخمسين عام مقبل، فهل من متعظ ؟؟؟؟؟.