الآن وقد هدأت ثورة الغضب.. إثر تصريح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن العراق .. الذي قال مانصه : (الدولة التي تهدم لن تعود مرة أخرى .. هذه تجربتنا ) .. لعل بعض بل ربما أغلب ردود الأفعال التي هاجمته كانت بسبب إجتزاء التصريح ، فقد نقلت وسائل إعلام عراقية تابعة لأحزاب تصريح السيسي بدون القسم الأخير منه ( هذه تجربتنا ) .. ما أثار غضب لاحدود له في وسائل التواصل الأجتماعي تحديدا .
السيسي لم يتحدث عن التجربة العراقية بمعزل عن التجربة المصرية .. بدليل أنه قال هذه تجربتنا ، رغم أن مصر شهدت نقلة نوعية في عهده ، لكنه يعتبر أن الدولة المصرية بعد محاولة جر البلد الى طريق الخطأ في عهد مرسي ممثل الأخوان المسلمين .. لم تصل بعد الى مايمكن تسميته دولة قوية كما كانت في عهد حسني مبارك.. ولعل ثورة العمران التي تشهدها مصر اليوم هي شاهد إثبات لايمكن محوه على السعي الجاد لمحاولات إعادة بناء مصر كدولة قوية محورية بالمنطقة والعالم عموما.
لو تحدثنا بصراحة بعيدا عن أي تأثيرات أخرى .. طائفية كانت أو عنصرية .. فأن السيسي جاء كمنقذ لبلد كبير حجما وثقلا .. سياسيا وإقتصاديا وصناعيا وأمنيا وأجتماعيا .. بعد محاولات محمد مرسي لتحويل مصر الى أفغانستان كبرى بالمنطقة ، ولم يأتي بموافقة إيرانية سعودية أميركية بريطانية تركية ، ولم يرشح وزراء حكومته على أساس أن هذا مرشح المالكي أو الكرابلة أو الحكيم أو النجيفي أو علاوي .. وذاك مرشح الخزعلي أو العامري أو الصدر أو البارزاني أو هيرو خان أو الجبوري .. لم يشترى في مصر منصب رئيس البرلمان بمبلغ 30 مليون دولار .. لم تتشكل حكومته بموجب مزاد دولاري لمن يدفع أكثر .. لم تفرض طهران وزير داخليته، ولن تفرض الرياض وزير دفاعه .. لم تتحكم مافيات الأحزاب بمصير بلاده .. لم تسرق أموال شعبه .. لم تحكم مصر قوى سياسية طائفية وعرقية ودينية .. لم يسمح السيسي بإستشراء ظاهرة الفساد المالي والأداري .. لم تشهد مصر في عهده سرقات بمئات الملايين من الدولارات من قبل أحزاب ولصوص بإسم الدين أو المذهب أو القومية أو المظلومية .. لم تتحكم في مصر أحزاب لديها عناصر مسلحة .. لايوجد في مصر سوى جيش واحد فقط .. لايوجد في مصر شعار البقاء للأقوى في عهده .. تراجع معدل البطالة في مصر عام 2018 الى 10.6 في عهده .. بينما ارتفعت نسبة البطالة في العراق لتصل الى 38.5 حسب تقرير للأمم المتحدة لعام 2018 .. لم تشهد الوزارات المصرية لجان إقتصادية تابعة لأحزاب الوزراء ..لايوجد في مصر 33% من المدارس مبنية من طين أو خشب أو چينكو.. لم يصل حجم الديون في مصر الى 220 مليار دولار في عهده .. طبعا عدا تعويضات حروب الكويت وإيران وحرب الخليج الثانية .. لم يتسلم الجهلة وأصحاب الشهادات المزورة أي مسؤولية في عهده .. والقائمة تطول .
لعلنا جميعا نتحدث بمرارة يوميا عن ما يجري في العراق ،سواء عبر مقالات وتحليلات وأخبار وتقارير تنشر في وسائل ألأعلام ، أو عبر منشورات وتعليقات في وسائل التواصل الأجتماعي .. وإذا كان السيسي قد إختصر الوضع العراقي في جملة واحدة .. فأننا نفصل بإسهاب الفشل في العراق في مرحلة ما بعد العام 2003 ولحد الآن كل يوم ، ولا أعتقد أن أحدا يقول عكس ذلك .. ترى لماذا ثار البعض على السيسي ، ولم يكلف نفسه حتى الأشارة الى فشل التجربة العراقية منذ العام 2003 ولحد الآن ؟! لماذا لم تثر ثائرتهم لطرد اللصوص والقتلة الذين حولوا العراق الى غابة تجتاحها الوحوش ؟! لماذا لم نر لهم موقفا ضد إنتهاك سيادة العراق شرقا وغربا .. شمالا وجنوبا ؟! لماذا غابت أصواتهم عن مصادرة الحريات ومسلسل إعتقالات وإغتيالات الناشطين المدنيين المستمر حتى الآن ؟!
كان الأحرى بنا أن نتوقف عند ما قاله السيسي بشكل هادئ ، ونفكر مليا بما آل إليه الوضع العراقي القائم ، وأن نقدم الحلول العملية لأنتشال البلد من ماهو فيه .. بدلا من إستعراض تأريخنا وحضارتنا التي راحت وأندثرت بلا فائدة .. وأن نتساءل عن السبب الذي جعلنا نفخر بماضينا الجميل مقابل حاضرنا المظلم ومستقبلنا المجهول ؟! العراق يستحق .. أليس كذلك؟!