18 ديسمبر، 2024 9:17 م

تصريحات المالكي تهديد للديمقراطية

تصريحات المالكي تهديد للديمقراطية

يمثل مجلس النواب أعلى سلطة تشريعية في البلد باعتباره منتخباً من قبل الشعب، وهو الممثل الحقيقي لهم، ومن أولوياته الحفاظ على النظام الديمقراطي للبلد، وبذلك تقع عليه مسؤولية الدفاع عن الجماهير والمطالبة بحقوقها المشروعة، ومجلس النواب هو الجهة الرقابية على العمل الحكومي ومن حقه محاسبة وإقالة أي مسؤول في السلطة التنفيذية، ومن ضمن اختصاصات مجلس النواب أيضاً تشريع القوانين كما نصت المادة (61) أولاً التي تقول (تشريع القوانين الاتحادية)، وفي يوم السبت من الأسبوع الماضي صوت مجلس النواب بالأغلبية المطلقة على مقترح قانون تحديد رئاسات الولايات الثلاث إلى دورتين انتخابيتين فقط، وهذه الخطوة كانت مدعومة من أغلب الكتل السياسية والمرجعيات والقيادات الدينية، بل هي مطلب شعبي للحيلولة دون إشاعة ثقافة الحاكم الأوحد هذه الثقافة التي جلبت الويلات والحروب والدمار للعراق، وبعد تصويت مجلس النواب على هذا القرار عادة أبواق الحزب الحاكم من جديد في الطعن والتشكيك والتهجم على هذا القرار وعلى الجهات التي سعت لإقراره، وكأنهم يريدون أن يحولوا مجلس النواب إلى أداة بيد السلطة التنفيذية، متناسين الدور الكبير المناط بعمل المجلس باعتباره مؤسسة دستورية واجبها تشريعي رقابي يرسم الخطوط العامة لإدارة الدولة ونظامها السياسي، وليس من الحكمة التشكيك والطعن بمؤسسة هي الانعكاس الحقيقي للتنوع السياسي العراقي، ولذلك مثلت تصريحات السيد المالكي في لقاء متلفز بثتهُ قناة العربية ضربة كبيرة لتلك المؤسسة، وتُنذر بخطر كبير على مستقبل العراق السياسي، عندما قال إن المحكمة الاتحادية لن توافق على هذا القانون، لذلك نقول ليس من واجبات السيد المالكي الخوض بالأمور القضائية، باعتبار أن السلطة القضائية سلطة مستقلة وغير خاضعة أو تابعة لأي جهة سياسية أو حكومية حسب المادة (87) من الدستور، تصريحات السيد المالكي لم تكن موفقة وهي هفوة كبيرة وزلة سياسية تكشف مدى ارتباك الحزب الحاكم وتخبطه في أدارة الوضع السياسي والتعامل بحنكة وكياسة مع الأحداث، هذه التصريحات ستزيد من حدة التوتر الذي يعصف بالساحة العراقية، وتُعطي إشارات غير مطَمئِنة لكل المتخوفين من تنامي ظاهرة التمسك بالسلطة وعدم مغادرة كرسي الحكم والانصياع لمطالب الشعب تحت أي ظرف، وبذلك سيكون هناك شرخ كبير في جدار العملية السياسية. الذي أثار انتباهي أنا شخصياً هو حالة الهستيريا التي أصابت أقطاب الحزب الحاكم من هذا القرار، بخلاف الأطراف الأخرى التي تشغل منصب رئيس الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، فأنها تعاملت مع القرار بأريحية وصوتت لصالحه ولم تثير أي صخب حول هذا القرار، مما وضع الأخوة في ائتلاف دولة القانون في زاوية ضيقة وموقف حرج، يكشف زيف شعاراتهم المنادية باحترام الخيارات الدستورية، نقول للمعترضين على هذا القانون ماذا لو كان منصب رئاسة الوزراء لكتلة غير كتلتكم هل سترفضون التصويت أم أنكم ستجندون كل جهودكم السياسية والإعلامية من اجل تمرير هكذا قانون؟؟ تصريحات السيد المالكي ترمي بسهم الشبهات حول عمل السلطة القضائية، وليس من حقه أن يعطي أحكام مسبقة ولا نعلم هل هو ناطق بإسم المحكمة الاتحادية بالوكالة كونه يدير مناصب عديدة بهذا العنوان؟ هذه التصريحات تكشف بوضوح أن السلطة التنفيذية تمارس الضغط السياسي والحكومي على المؤسسات والهيئات المستقلة لتمرير أجندات الحزب الحاكم، وهنا تقع على السلطة القضائية مسؤولية وطنية وأخلاقية في المحافظة على استقلاليتها وحياديتها، وأن تنأى بنفسها عن المؤثرات السياسية التي تشوه من سمعة القضاء العراقي وتضعه في دائرة الاتهام، تصريحات السيد المالكي تهديد واضح وصريح للنظام الديمقراطي ومحاولة لحرف المسيرة الديمقراطية عن مسارها الصحيح الذي يشجع ثقافة التعددية والتداول السلمي للسلطة.