قام الاعلام الحكومي بدعاية واسعة حول أهمية ما سمي “بمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” الذي عقد قبل أيام في بغداد بحضور عدد من الدول الإقليمية والخليجية وبمشاركة دولة واحدة من دول التحالف هي فرنسا، وغياب أي تمثيل للاحتلال الأمريكي حتى ولو كان على مستوى السفير في بغداد! ان قراءة سريعة للبيان الختامي للمؤتمر تنسف بالكامل موضوع التعاون ومعه موضوع الشراكة، فالبيان ليس فيه ذكر لبرنامج تعاون حقيقي محدد ولا لشراكة ملموسة بين العراق والدول المجتمعة ولم يتم توقيع أي اتفاق مشترك لتعاون وشراكة بين العراق والدول المجتمعة! البيان الختامي ورقة مطلية بجمل تلمع حكومة عملية الاحتلال الأمريكي السياسية حيث تشيد بمسيرتها من جهود دبلوماسية لدعم استقرار العراق والمنطقة: “للوصول الى أرضية من المشتركات مع المحيطين الإقليمي والدولي في سبيل تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية وتبني الحوار البناء وترسيخ التفاهمات على أساس المصالح المشتركة ” ويكرر نص البيان المواضيع الوهمية ذاتها التي تتضمنها بيانات المؤتمرات السابقة والعديدة التي انعقدت فيما سبق بمناسبة الانتخابات والتسويق لها سواء في العراق ام في دول الجوار مثل “تضحيات العراق في القضاء على الإرهاب بمساعدة التحالف الدولي مجددين رفضهم لكل أنواع واشكال الإرهاب والفكر المتطرف “.
ليس القراءة السريعة وحدها ما يفند عنوان المؤتمر واهدافه بل ان العراقيين لن يصدقوا كلمة عن المؤتمر وما قيل عنه لانهم اعتادوا قبل كل انتخابات على جملة من اللقاءات والمؤتمرات والوعود لإعادة البناء والشراكة والتعاون سواء مع الدول العربية وخاصة السعودية ودول الخليج او مع دول التحالف، ولأنهم طوال ثمانية عشر عاما لم يروا على ارض الواقع أي مشاريع محسوسة وثمار او بناء وتعمير ، وشاهدوا كيف ان هذه الدول تنهب خيرات البلاد وتسرق حتى لقمة عيش المواطنين وزرعه وتسوء أوضاع الشعب العراقي عام بعد عام وانتخابات بعد انتخابات ومؤتمرات بعد مؤتمرات . وما التظاهرات المستمرة منذ اكثر من عشر سنوات اخرها ثورة تشرين واسقاطها حكومة عادل عبد المهدي وتعثر إقامة أكثر من حكومة حتى تم تعيين مصطفى الكاظمي بحجة “الاستجابة لمطالب الثوار” في التغيير. يتحدث البيان الختامي عن دولة وحكومة ومؤسسات ودستور تتطور في حين ان الكاظمي تجاهل كل ما وعد به الشعب العراقي وسار على خطى سلفه في التغاضي عن قتل المتظاهرين واغتيال قادتهم وتهديدهم بل انه قام بأكثر من ذلك حينما لبس زي الميليشيات التي هددته ومرغت صوره تحت بساطيلها وانذرته بأنها لن تبقيه في مكانه ان فكر بالخروج عن أوامر الولي الفقيه الإيراني الحاضر ممثله في المؤتمر والذي تكلم عن مساعدة بلده للعراق. أذن عن أي حكومة ومؤسسات ودستور يتكلم المجتمعون؟
مؤتمر بغداد هذا ليس الا دعاية للانتخابات المقبلة التي تريد الولايات المتحدة باي ثمن اقامتها كما في كل مرة وتجديد ولاية الكاظمي اربع سنوات أخرى ضد رغبة الشعب العراقي، دعاية معادة أصبحت بائتة ومجترة مرات ومرات لتسويق المتعاونين مع المحتلين قبل كل انتخابات كما تضمنه البيان الختامي بشكل صريح يقول ب” دعم المشاركين لجهود الحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الدولة وفقا للأليات الدستورية واجراء الانتخابات النيابية.. ودعم جهود العراق في طلب الرقابة الدولية لضمان نزاهة وشفافية عملية الاقتراع المرتقبة “، وهذا هو بيت القصيد من كل ضجة المؤتمر.
لقد اعتادت الولايات المتحدة قبل كل انتخابات ان تتولى تسويق عملية الانتخابات بنفسها سواء عبر مسؤولين في ادارتها او عبر سفيرها في العراق وجولاته المكوكية بين الأحزاب بالتنسيق مع السفير الإيراني، لكن يبدو انها قد كلفت هذه المرة فرنسا للقيام بهذه المهمة لتكنس “تمثيليات ومناكفات القاء الصواريخ على ساحة سفارتها وقرب قواعدها” اتباع إيران من ميليشيات وتغلق بوجهم الباب من ناحية ومن ناحية أخرى تولي هذه المهمة المتعبة لشريكتها فرنسا التي ترتبط بعلاقات خاصة مع طهران تمكنها من إدارة هذا الملف كما يجب.
تصدرت فرنسا مؤتمر بغداد لأنها ومنذ سنوات أصبحت اهم شريك للولايات المتحدة في كل عملية الغزو كما في قيادة حلف الأطلسي لتدافع عن احتلال العراق وعمليته السياسية بعد ان كانت مساعدتها تقتصر بداية على الدعم اللوجستي وتميزت الشراكة الفرنسية مع الولايات المتحدة بعملية تدمير فرنسا لأكبر معقل للمقاومة العراقية المتمثل بمدينة الموصل وهي واحدة من أكبر الخدمات التي يمكن ان تقدمها دولة للولايات المتحدة في عملية غزوها للعراق منذ 2003.
جاء الرئيس ماكرون الى بغداد ليدافع بنفسه عن العملية السياسية وعن احزابها وميليشياتها لإعطاء دفعة قوية لحكومة الكاظمي ولتثبيت العملية السياسية. بل انه طمأن اشرار المنطقة الخضراء ومن يقبع فيها ممن تلطخت اياديهم بالدم العراقي والفاسدين بقوله “ان فرنسا ستبقى في العراق حتى لو غادرت الولايات المتحدة”. ان تصدر فرنسا لمؤتمر بغداد لتجميل العملية السياسية والدفع لاستمرارها دفاعا عن حصتها في الغنيمة لن ينقذ هذه العملية المهترئة من السقوط بعد ان زعزعتها ثورة تشرين التي عمت كل مدن العراق.
لقد زار ماكرون مدينة الموصل وهو يتجول فيها فرحا ونسي ان جيش بلاده قد حول ام الربيعين الى مدينة منكوبة ما تزال جثث سكانها تحت الأنقاض ترفض الحكومة التي جاء لدعمها انتشالهم وهي تنتظر ان تبنى بسواعد أبنائها لا باستثمارات من قتلها واباد سكانها وحرق مكتباتها ودمر كل مستشفياتها قبل الانقضاض عليها بالقنابل والطائرات.
اليوم وامام انظار العالم، انسحبت الولايات المتحدة وهي مهزومة من العاصمة الافغانية بعد عشرين عاما من حرب كلفتها الفي مليار دولار وقبلها بسنوات انسحبت القوات الفرنسية. وغدا سيكون موعد العراق وشعبه في طرد الغزاة ومعهم كل متعاون يجرون معهم آثام القتل للأبرياء وتدمير بلد بحجج كاذبة وبيع ضمائر لم يعرف لها التاريخ مثيل.