12 أبريل، 2024 10:11 ص
Search
Close this search box.

تصحر سياسي

Facebook
Twitter
LinkedIn

التصحر هو فقدان التربة لمقوماتها الطبيعية ، وتحول الأرض الزراعية إلى أراضي عقيمة غير منتجة.
أما السياسة فهي (القيام على الشيء بما يصلحه) والتصحر السياسي الذي أعنيه هو العقم السياسي،أواللاجدوى السياسية التي لم تنتج لحد الآن،أحزابا ديمقراطية تمتلك فكرا سياسيا ، تنبثق عنه رؤى سياسية، يلتف الشعب حولها،تنتج توافقا وطنيا،وتنمية مستدامة،لأن التصحر السياسي الذي نعيش في ظله،لا يمكن ان يفرز حزبا ديمقراطيا، لأن الاحزاب لا تصنع الديموقراطية، ولكن العكس هو الصحيح.
فحين تستعرض تاريخ الأمم الحية ، والشعوب الناهضة ، لا يسعك إلا أن تعرب عن عظيم التقدير والإحترام ، لأمم أنجبت عظماء القادة البناة،إبتداء من (جورج واشنطن) أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية مرورا(بإبراهام لينكولن)و(بسمارك) الألماني و(ديغول)الفرنسي،و(غاندي،ونهرو)الهنديان و(مهاتير)الماليزي،و(مانديلا) الأفريقي و(ولي كوان يو) السنغافوري، و(سيلفا)البرازيلي ، أخرجوا شعوبهم من الفقر المدقع الى الإزدهار والرفاه ، ومن الإنقسام على الجزئيات الى التوحد على الكليات الوطنية، ومما يبعث على الدهشة أن كل ذلك قد حصل ، وهم يعانون من ندرة الموارد ، وتسلط الطامعين ، وتنوع المجتمعات دينيا وعرقيا ، وعى الرغم من هذا كله ، إلا أنهم فعلوا المستحيل من أجل تحقيق طموحات شعوبهم .
مجتمعاتهم تنظمها المؤسسات، يعملون وفق معادلات سياسية وإجتماعية مجربة ،يديرون إختلافاتهم بطريقة سلمية،تجنبهم الكوارث والصراعات المفضية الى العدم،والهدر بكل أنواعه،يوظفون ويستثمرون الطاقات وفق معدلات الذكاء التي تضم ثلاثة أصناف من الأذكياء ، الصنف الأول ذكاؤهم أعلى من المتوسط ،  يمثلون 20% من المجتمع، منهم الرؤساء والإداريون ورجال السياسة والقانون ، والصنف الثاني ذكاؤهم متوسط هم الطبقة الوسطى، يمثلون 60% من المجتمع ، منهم الأطباء والمهندسون،وأما الصنف الثالث ذكاؤهم أدنى من المتوسط هم 20% من المجتمع كعمال الخدمات ، والطبقة السفلى في المجتمع .
أما نحن ، فقد قلبنا الحقائق ، وإذا حاولت المقارنة ستصدمك الأرقام والوقائع، ،فأنتجنا الطغاة والمستبدين ، والفاسدين، وأشباه الساسة،والأدعياء في الإدارة ،وغيرها ، بل أهملنا كل المعادلات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها ، فالصنف الأخير الأقل ذكاء رفعناه محل الطبقة الأولى الأرفع ذكاء ، مع أنهم لايمتلكون المخيال السياسي والفكر الثري، ولانواة للتطوير أو إمكانية التدريب،بل لم نحسن استثمار شعوبنا الثرية في الموارد ، والأعمق في التاريخ ، وتراكم القيم الحضارية ، ومع هذا منينا بفشل ذريع في إنتاج القادة والساسة البناة، ولو ذكرت بعض أسماء القادة والساسة من القرن الماضي، لنالتهم سهام المعترضين والمشككين في وطنيتهم ونزاهتهم لعدم قناعة قطاعات واسعة من الشعب بهم ، وهو ما يعبر بجلاء عن إنقسامنا وتنازعنا حول الفرعيات، وإهمالنا للحد الأدنى من التوافق الوطني حول المشتركات الوطنية.
فالمجتمعات الحية وسط المنعطفات التاريخية تستجمع طاقاتها ، وتتمحور حول رؤية توحدها، تطرحها قيادتها التاريخية ،لأن القيادة أو النظام ليس سوى إفراز للشعب ، فالشعوب المتحضرة الساهرة على حقوقها لا يمكن أن تفرز قيادات جائرة (فكل شعب يستحق حكومته) على حسب قول (تشرشل) رئيس الوزراء البريطاني.
ولكن ، من جانب آخر ، كيف تصح المقارنة بين بلاد فيها المؤسسات ضامنة لكل شيء،ساستها يحولون الأزمات الى فرص ، والتنوع المجتمعي الى ثراء ، وبيننا نحن الذين لانزال نعيش في أوطان بلا مؤسسات ، هي الى البدائية أقرب، لذا نحن  اليوم بأمس الحاجة الى آليات تحول التصحر السياسي الذي نعيشه الى أرض بكر، نزرعها بمفاهيم سياسية بناءة ، وإجراءات تنموية شاملة، لأنه ليس مهما أن نحشد الناس ونجمعهم ، بل المهم هو نوعية البرامج والنشاطات التي سيوفرها السياسي لهم ، وحزم الأفكار التي ستغير قناعاتهم المريحة ، وتوسع خياراتهم ، وتكسر أغلال التشاؤم ، وتحفز فيهم روح المبادرة ، ومتعة العطاء  المجتمعي ، وتعزز مفاهيم التنمية السياسية ، والتكامل الوطني ، وحينها سنعبر معا حواجز الوهم التي صنعها ساسة العجز ، لنلتقي على ضفاف أحزاب سياسية ديمقراطية ، لاتفرق بين عراقي وآخر ، إلا بمقدار مايطرحه من جهد خلاق من أجل عراق الغد الأبهى.
إضاءة :  القائد يجد الحلم ثم يجد الناس ، الناس تجد القائد ثم تجد الحلم .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب