يوم تاريخي , كان الثاني من ايار 2013 , لقاء المتصالحون ــ المتحاصصون ــ في اجتماعهم الرمزي في بيت السيد عمار الحكيم , ابتهجت قلوب العراقيين وانفتحت اساريرهم وابواب امنهم واستقرارهم ورفاهيتم وكذلك مستقبل اجيالهم , حيث التقيا وتصافحا وتصالحا رمزي الطائفتين السيدين المالكي والنجيفي , وبمباركة الأفرازات النفطية للمنتفعين , العراق كان غائباً , مشغولاً بدفن اكثر من ( 1045 ) شهيداً و ( 2392 ) جريحاً , حصيلة ( 560 ) حادث امني بينها ( 83 ) مفخخة , كان هذا لشهر ماي ــ ايار ــ فقط , يوم خالد في حياة العراقيين , توصلت فيه جهود خيرة لأطراف دولية اقليمية احدثت تلك الأنعطافة الحضارية في مستقبل الأمة, حيث المصافحة المباركة بين فخامة الرئيسين, وسمي هذا اليوم (يوم المصافحة ) واقترح البعض من الحاضرين ان يكون عيداً وطنياً وعطلة رسمية , احتراماً لقدسية ذلك اليوم , تراجعت المفخخات وعبواتها ولاسقاتها الى ورشاتها الى حين, ليستكمل المجتمعون رمزية احتفاليتهم, ربما ــ طنطل ــ البعث الصدامي ــ ومكي ماوس ـــ القاعدة , كانا لهم حضوراً داخل الأجتماع الرمزي .
بقت تفصيلات صفقة المصافحة داخل المغلق من خزائن اسرار المنطقة الخضراء , لا يعلمها الا اللـه , وربما لا يعلمها , فأطراف الصفقة احزاب وتيارات اسلامية , تعرف كيف تتحايل في تمويه واخفاء اسارها عنه, ومع ان امريكا تمتلك النسخ الأصلية للملفات , فسبحانه تعالى يحس بوجع العراقيين , فقط تاخذنا تجربة التسعة اعوام خطوات زمنية الى الوراء , وليس بعيداً شهر ايار وحده, حيث تجاوز عدد الضحايا للأرهاب الرسمي وغير الرسمي الـ ( 3442 ) بين شهيد وجريح , وترك خلفه الاف الأرامل والأيتام والمعوقين , فالمتصافحون يحصون ثمار معادلة ” اذا اردت الشعب ان يتقبل ( المـر ) عليك ان تذيقه ( الأمـر )” هكذا كان الحصار ( الأمر ) , اجبر العراقيين على قبول ( مرارة ) التحرير !!! .
عندما مرر مجلس الوزراء مشروع تعديل قانون المسائلة والعدالة والعفو العام والغاء المخبر السري , واطلاق سراح الألاف من المتهمين بجرائم قتل وابادة , والسماح لأعضاء البعث الى حد عضـو فرقة بالتوظيف في مؤسسات الدولة ــ العودة الى وظائفهم ــ , وتكريم فدائيي صدام ( والمخفي اعظم ), وقبلهم الألاف من البعث الشيعي بكل مستويات اعضائه وفدائيه ابتلعوا مؤسسات الدولة واخطر مفاصل الأجهزة الحكومية , ( انه التفسير الطائفي لمفهوم المسائلة والعدالة ), حدثت ردة فعل وطنية رافضة , عبرت عن نفسها بمقاطعة اكثر من نصف الناخبين لأنتخابات مجالس المحافظات , الى جانب ردود افعال اخرى , خاصة في محافظات الوسط والجنوب , مما اضطر اطراف التحالف ـــ الشيعي ـــ الى مناورة التفافية عبر التراجع المنافق , حينها نبه السيد عمار الحكيم محذراً , على ان المقاطعة آمـر خطير يجب التوقف عنده ودراسته ومعالجته , يعني الألتفاف عليه وامتصاصه بالأساليب المجربة , ومنها الأستعانة بالمراجع الدينية التي تتحكم تاريخياً بعقل الناس ووعيهم وحراكهم , عبر صرامة التأثير الروحي والنفسي والمعنوي والأخلاقي لملايين العراقيين , ومنهم في الجنوب والوسط بشكل خاص .
كانت دعوة السيد عمار الحكيم الى الأجتماع الوطني ( الحكومي ) واتفاق اطراف المأزق على صيغة ميثاق ( شـرف !!! ) , قد حصلت على الضوء الأخضر من جميع كتل وتيارات واحزاب الأسلام السياسي بوجهي عملته , وبمباركة المراجع والوقفين , فكان الأجتماع ( الرمزي ) لتمرير الصفقة قد عبر عنها السيد صالح المطلك بتصريحه بعد انتهاء الأجتماع مباشرة ” ان قادة الكتل السياسية, ابلغوني بموافقتهم على تمرير قوانين العفو العام والمسائلة والعدالة والمخبر السري وقوانين اخرى تهم المتظاهرين … وقد رفعت الى البرلمان ” نعم ستمر الصفقة ( المرة ) بعد ان ذاق العراقيون ( الأمـر ) في مجازر ايار , هكذا يتعامل المتصافحون المتحاصصون مع من وثق بهم وصوت لهم .
كان الأجتماع ( الرمزي ) ممسرحاً , والوجوه كقطع الصفيح ــ الجينكو ـــ الملمع , كاذبة على بعضها اولاً وثانياً , وعلى العراقيين دائماً , افواه كثقوب الجلد , تخرج عنها الأبتسامات صفراء كأفرازات الجراد , والتصريحات ميتة , بينما الوجه الأجمل للعراق كان مغيباً , حيث بأستثناء الكتل الطائفية , لا وجود لمن يمثل الرأي العام , كمنظمات المجتمع المدني المستقلة , وممثلي الثقافة , كأتحادات الأدباء والصحافة والأعلام الحر , وكذلك اساتذة الجامعات وتجمعات الشبيبة والطلبة والحركة النسوية , هذا اذا ما استثنينا ( الچرچوبة ) العلمانية للحزب الشيوعي , حيث كان سكرتيره السيد حميد مجيد موسى , تطوع ان تكون بهارات الحزب نكهة اضافية لتحسين مذاق الطبخية ( الصفقة ), ما يهمه ان يكون حزبه لا زال محسوباً على العملية السياسية , حتى ولو كان صفراً من خارجها .
تجهيل وافقار واذلال العراقيين , يشكل مشترك الطائفيين المؤدلجين ( شيعة وسنة ) وهم حريصون على ان يمددوا الحالة البائسة للملايين الى ابعد ما يستطيعونه , وهنا يصبح تحرير العقل العراقي من سجون التاريخ واصفاد الموروثات , واعتماد العراقيون وعيهم وتجاربهم وارادتهم في استعادة حقيقتهم المغيبة وذاتهم المخترقة ومعنوياتهم المنهكة وهويتهم الممزقة , نقطـة اشعاع , سيحترق فيها الموهوم من تاريخهم والمستنسخ من شخصيتهم والمشوه من موروثهم , ليستكشفوا طريقهم المستقيم االى وحدة وطنهم وتماسك مكوناتهم .
المهمة تلك , لا يمكن لها ان تنجز بمعزل عن الأفاضل من رجال الدين , والخيرين من رواد الثقافة الوطنية , والنزيهين من الساسة , حراك شجاع مثمر من داخل اطار المشروع الوطني العراقي , قوته الحقيقة , المواطن المتحرر من عبودية فقره وجهله وتخلفه واوبئته الجسدية والنفسية والروحية والأخلاقية , صحيح ان الأمر ليس سهلاً , فالرموز والمراجع التي افقدتهم السلطة والمال والجاه ( وجسد المرأة ) ثوابتهم , سوف لن يستسلموا حتى ولوا اضطرتهم مصالحهم ومنافعهم وامتيازاتهم خذلان ربهم وخيانة وطنهم , لكن وكما تشير المتغيرات الدولية والأقليمية , وتفاعل الرأي العام العراقي مع تأثيراتها , ان التاريخ سيصلح اعوجاجه , ويتجاوز لا معقوليته, ويبدأ العراقيون اعادة تقييم وكتابة حقيقتهم .
واخيراً : استسلم لصراخ ضميري .. ان كانت شيعيتي وسنيتي فوق الوطن وبديلة عنه , فأعلن برائتي منهما واستغيث ايماناً بعراقيتي .