تصاعد الدخان الأسود الكثيف من مدخنة البيان الختامي للقمة بغداد إيذانا بفشلها؟ اتفقوا على أن لا يتفقوا؟

تصاعد الدخان الأسود الكثيف من مدخنة البيان الختامي للقمة بغداد إيذانا بفشلها؟ اتفقوا على أن لا يتفقوا؟


تصاعد الدخان الأسود الكثيف من مدخنة البيان الختامي للقمة بغداد إيذانا بفشلها؟ اتفقوا على أن لا يتفقوا؟ 

صباح البغدادي

*”الخلافات العربية / العربية أشد ضراوة من مشكلة حل الخلافات العربية / الإسرائيلية” الرئيس الأمريكي الراحل “كارتر ” في رسالة موجهة الى الرئيس الراحل “السادات”؟

الرئيس”جوزيف عون” في قصر بعبدا في تصريح له مع مجموعة من الصحفيين اللبنانيين عن عدم حضوره للقمة العربية ببغداد:” لم يطرأ أي ملف جديد مهم يستوجب المشاركة في قمة بغداد، لذلك اتفقت مع رئيس الحكومة نواف سلام على أن يمثل لبنان في القمة”.

هذه العبارة من قبل الرئيس “عون”تختزل لنا بصورة لا تقبل الشك أو التأويل وتكشف حقيقة عدم جدوى تمثيل رؤساء وحكام وملوك الدول العربية للقمة بغداد , وإنما رأينها تحدث لبقية القمم السابقة وحتى سوف نراها في القمم اللاحقة التي سوف تأتي بالمستقبل؟

يتصدر حاليا وما يزال النائب “مصطفى سند”المشهد البرلماني بتصريحاته المثيرة للجدل وتنظيره حول محاولته إفشال “قمة بغداد” مستغلا حصانته البرلمانية وكانه في خصومة شديدة والدخول في معركة كلامية مع الحكومة العراقية ويسانده بهذا الأمر رئيس ائتلاف دولة القانون والذي صرح مؤخرآ :” هناك احتمالية إصابة الرئيس السوري احمد الشرع بسوء لحضور القمة العربية وقدومه الى بغداد ستكون مجازفة من قبله محفوفة بالمخاطر” وهي عبارة مقصودة ودعوة صريحة وعلنية ورسالة مبطنة لمن يهمه الامر وقد يفهمها المعارضين و تترجم على أرض الواقع من قيادات الفصائل الولائية المسلحة بسوء نية.

 

وبينما تخوض حكومة رئيس الوزراء “السوداني” خلال الساعات المتبقية قبل انعقاد القمة معركةً شاقة لإنجاحها ، في محاولةٍ محمومة لتحقيق صدى سياسي وإعلامي واقتصادي تتردد أصداؤه محليًا وعربيًا وعالميًا. ولكن، وسط هذا الزخم الظاهري، تكمن حقيقةٌ مريرة: الرهان على إحياء الوحدة العربية يصطدم بحائط الانقسامات العميقة، بينما الشارع العربي يراقب بيأسٍ متزايد، متشككًافي قدرة هذه القمة على كسر دائرة خيبات الأمل المعتادة واليأس والإحباط الذي تجذر في العقل الجمعي العربي طوال العقود الماضية. 

حكومة “السوداني”، التي تسعى لتسجيل نقطةٍ تاريخية في سجلها، تبذل جهودًا جبارة لتقريب وجهات النظر بين القادة العرب،آملةً في صياغة موقفٍ موحدٍ قويٍ يعالج القضايا المصيرية، وعلى رأسها القضيةالفلسطينية، فضلاً عن تسوية الخلافات البينية التي تُمزق النسيج العربي. لكن، هذه الجهود تبدو كمن يحاول جمع الماء بغربال . الانقسامات بين الدول العربية، سواء في المواقف السياسية أو الأجندات الاقتصادية، أعمق من أن تُحل باجتماعاتٍ رسمية وخطاباتٍ صورية مُعدة مسبقًا. القمة، التي تُروَّج كفرصةٍ لـ”لم الشمل العربي” تواجه تحدياتٍ شائكة ومعقدة وليس كما يصورها الاعلام الموجه . فمن جهة، تسعى بغداد لإبراز دورها كمركزٍ إقليمي مؤثر، مستفيدةً من ثقل مشاريعها الاقتصادية المتاحة وعبر وعودٍ بمنحٍ مجزية واستثماراتٍ اقتصاديةلدولٍ مثل الأردن ومصر، كما كشفت التسريبات الأخيرة . ولكن، هذا النهج يُثير تساؤلاتٍ حادة: هل يمكن شراء الوحدة العربية وقدوم قادة الدول المشاركة بالقمة بصفقاتٍ اقتصادية خلف الأبواب المغلقة ؟ وهل ستكون هذه الصفقات على حساب جودة ونوعية ونزاهة المشاريع بعيدا عن الفساد المالي والإداري الذي اصبح السمة والسمعة الملازمة للحكومة العراقية أو مصالح الشعب نفسه؟من جهة أخرى، الشارع العربي، الذي أُنهكته عقودٌ من القمم الفاشلة، ينظر إلى هذه التحركات بعين الشك. كل قمةٍ تُعقد تُعيد إنتاج نفس السيناريو الباهت والعقيم يتمثل بـ : شعاراتٌ رنانة، بياناتٌ خجولة، وغيابٌ تامٌ لأي فعلٍ ملموس على أرض الواقع . القضية الفلسطينية ما زالت طوال العقود الماضية تراوح مكانها من غير اي نتيجة او حل حتى ولو بسيط جدآ ، والتي أصبحت مع مرور الوقت تُستخدم كورقةٍ للاستهلاك الإعلامي ، تظل الضحية الأولى لهذا العجز الجماعي . فكيف يمكن لحكومة “السوداني”، مهما بلغت حسن نواياها، أن تُقنع شعوبًا فقدت الثقة بقدرة القادة العرب على تجاوز مصالحهم الضيقة؟ الواقع يكشف عن مفارقةٍ قاسية : بينما تسعى بغداد لتلميع صورتها كعاصمةٍ للوحدة العربية، فإن الانقسامات السياسية والتبعية للأجندات الخارجية تُقوض أي أملٍ في موقفٍ عربيٍ موحد وجامع . التسريبات الإعلامية عن شن حملاتٍ إعلاميةٍ مدفوعة من الأردن ومصر تُضيف طبقةً أخرى من الغموض والريبة والشك،مُشيرةً إلى أن القمة قد تتحول إلى ساحةٍ لتصفية حساباتٍ اقتصادية وعقد صفقات تجارية , أكثر من لحل المشاكل والتباحث حول القضايا المصيرية وإيجاد حلول لها ، وبدلًا من منصةٍ لمعالجة قضايا الأمة.

قد تكون عبارة “اتفقوا على أن لايتفقوا” هو الوصف الدقيق لحالة الانقسامات والخلافات بين الدول العربية، خاصة في سياق القمم العربية السابقة والتي لم تأتي بأي نتيجة تذكر أو الاجتماعات وزراء خارجية جامعة الدول العربية والتي كانت تفشل في التوصل إلى قرارات موحدة بشأن القضايا المصيرية، مثل القضية الفلسطينية. إنها تلخص بمرارة الانقسامات العربية وتكرار الخلافات التي تُجهض أي أمل في توافق حقيقي. 

القمة فشلت حتى قبل أن تبدأ ؟ هذا ما يسمع أصداء صوت المواطن العربي، والبيان الختامي لن يكون سوى وثيقة شكلية تخفي بين سطورها غياب الإرادة الجماعية. القمة العربية في بغداد لم تبدأ بعد، لكنها ولدت ميتةٌ مسبقًا، جثةٌ هامدةٌ تُزيّنها خطاباتٌ رنانة باهتةٌ ووعودٌ كاذبة. هذه ليست قمة،بل فضيحةٌ مكشوفة، مسرحيةٌ بلا جمهور، يتقاسمها حكّامٌ وملوك ورؤساء خلافاتهم مع بعضهم البعض أصبحت متجذرة في نفوسهم وعقلهم الباطن وأصبحت بمرور الوقت أعظم واقوى من خلافاتهم مجتمعين مع إسرائيل، غارقون في تبعيتهم وصفقاتهم السرية، عاجزون حتى عن إدخال حفنة أرز إلى غزة المحاصرة. أي مهانةٍ هذه؟ أي سقوطٍ وصلت إليه أمةٌ تُسمّى”عربية”؟ القضية الفلسطينية تُذبح أمام العالم. إسرائيل تقتل المدنيين، تُحطّم المستشفيات، تُميت الأطفال جوعًا وخوفًا، وتتحدّى كل قرارات الشرعية الدولية بصفاقةٍ لا تُضاهى. وماذا تفعل الدول العربية؟ لا شيء ؟! مجرد همهماتٍ بائسة، بيانات شجبٍ أضحت نكتةً مُرّة. لا يستطيعون إدخال رغيف خبز، ولا علبة دواء، لا حتى كلمة احتجاجٍ تُسمع. أي خنوع هذا؟ ويُفرض على شعوبٍ تُشاهد إبادة إخوتها ولا تملك إلا الصمت؟ا لتمثيل الدبلوماسي؟ سخريةٌ مُرّة ! رؤساءوملوكٌ يُرسلون نوّابهم، وكأن دماء الفلسطينيين لا تستحق حضورهم. هؤلاء الحكّام، يُشاركون في صمت بهذه الجريمة. يُصافحون في العلن من يُموّل الإبادة، ويُوقّعون في الخفاء على صفقاتٍ تُكرّس الهزيمة. لا إرادة، لا شجاعة . فقط خطاباتٌ مُعادة،مُجوّفة، تُلقى لتُنسى . 

واقتصاديًا، العرب في قاع الهاوية. لا سوق مشتركة، لا تعاون، ولا حتى بوابة مفتوحة بين دولٍ تُزعم أنها “شقيقة”. مواطنٌ عربيٌ يُذلّ بتأشيراتٍ وعلى أبواب الحدود والجمارك ، بينما الأجنبي يتجوّل بلا قيود. أي منطقٍ هذا؟ أي إهانةٍ تُفرض على شعوبٍ تُعامل كاللاجئين في أوطانها؟ الدول العربية لا تكتفي بالتشرذم، بل تتآمر على بعضها البعض. خياناتٌ خفية، صفقاتٌ مع أعداء الأمة،وكل دولةٍ تُطعن أختها في الظهر لأجل مصلحةٍ زائلة.الشارع العربي أصبح يغلي يأسًا . كل قمةٍ تُعقد تُجدّد فيها خيبة الامل الذي طال انتظاره ولن يأتي ، تُذكّرنا أننا أمام حكّامٍ لا يملكون إلا الشجب والاستنكار، أقسى ما في جعبتهم. والقضية الفلسطينية ليست إلا مجرد ملفٍ على طاولتهم، لماذا الصمت؟لماذا العجز؟ هل باعت هذه الأنظمة صوت ضميرها للغرب، أم أنها فقدت حتى القدرة على التظاهر بالكبرياء ؟القمة العربية في بغداد ليست سوى مرآةٍ مكسورة،تعكس وجوهًا مشوّهة بالهزيمة والخذلان. لا وحدة، لا قوة، لا أمل. فقط مسرحيةٌ بائسة، يُشاهدها شعبٌ عربيٌ مكسور القلب والجناح ، يتساءل: متى ستنتهي هذه المسرحية الساذجة؟متى سيقوم قائدٌ واحدٌ يملك ذرة شجاعةٍ ليُوقف هذه المهزلة ويُنقذ أمةً تُحتضر؟ حتى ذلك اليوم، ستبقى القمم العربية قبورًا للأمل، والقضية الفلسطينية تنزف بلا منقذ.

اعلان مسبقآ مدفوع الأجر يتم الترويج له ومن المزمع أن تُختتم القمة العربية في بغداد بإصدار ما يُسمى “إعلان بغداد”، وثيقةٌ جوفاء تُزعم أنها ستُجسد “الموقف العربي الموحد” تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، بينما لا تعدو كونها حبرًا على ورقٍ يُخفي الانقسامات العميقة والعجز المزمن. بدلاً من أن تعكس طموحات الأمة، ستكون هذه الوثيقة، كالعادة، مرآةً للتخاذل العربي، مُزينةً بشعاراتٍ رنانةٍ عن “التضامن والتكامل” في تناقضٍ صارخٍ مع واقعٍ يغرق في الصراعات البينية والتبعية للأجندات الخارجية. أي تضامنٍ هذا الذي يفشل في إدخال رغيف خبز إلى غزة؟ وأي تكاملٍ يُروَّج له بينما الدول العربية تُطعن بعضها بعضًا في الخفاء؟ إن “إعلان بغداد” لن يكون سوى شهادة وفاةٍ أخرى للأمل العربي، مُغلفةً بكلماتٍ براقةٍ تخدع السذج وتُعمّق يأس الشعوب . والطريف حقًا هو هذا التضخم في الطموحات الافتراضية ؟ بينما الأمة تتخبط في أزماتٍ وجودية. يقفز لنا , الذكاء الاصطناعي؟ التحول الرقمي؟حماية التراث؟ كلها عناوين براقة تُلقى لتشتيت الانتباه عن الفشل الأكبر: غياب تام لاإرادةٍ سياسيةٍ لدعم فلسطين، لوقف الإبادة، لتحقيق أدنى درجات التضامن. القمة،بمبادراتها المُبهرجة، لا تُنتج سوى خيبة أمل ووهمٍ جديد، يُضاف إلى سجلٍ طويلٍ من الخيبات.إنها مسرحيةٌ مُعدةٌ بعناية، تُباع للشعوب كأملٍ زائف وسراب لا يروي عطش ، بينما الحقيقة تظل ساطعة:الجامعة العربية، وقادتها، يتفننون في إعادة إنتاج الفشل، مُغلفًا هذه المرة بوعودٍ تكنولوجيةٍ وإنسانيةٍ لا تُطعم جائعًا ولا تُنقذ مظلومًا، وتأتي مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية المسماة “المبادرة العربية للذكاء الاصطناعي: نحو ريادة تكنولوجيا وتنمية مستدامة”. يا لها من فكرةٍ ساطعة! ؟ بينما غزة تُحاصر وتُقصف، ومستشفياتها تُدمّر، تتوهم الجامعة أنها قادرة على قيادة ثورةٍ تكنولوجية ؟! . أي ريادةٍ هذه التي لا تستطيع إدخال علبة دواء إلى شعبٍ يُباد في كل ساعة ؟ أي تنميةٍ مستدامةٍ يُتحدثون عنها بينما الأمة غارقةٌ في التبعية والتشرذم؟ولا تتوقف الكوميديا السوداء هنا. تتضمن القمة مناقشة “مشروع دعم وإيواء الأسر النازحة من الأراضي الفلسطينية” والتصدي لمحاولات تهجير الشعب الفلسطيني. كلماتٌ براقة وحنونة ، لكنها تُلقى في فراغ. أين الإجراءات الملموسة لكسر حصار غزة؟ أين الضغط الحقيقي لوقف الإبادة الإسرائيلية؟ وبدلًا من ذلك، تُكرر القمة شعاراتٍ مستهلكة، تُشجب وتستنكر، بينما إسرائيل تُواصل مخططاتها بلا رادع، مدعومةً بصمتٍ عربيٍ مخزٍ. إن الحديث عن “التصدي التهجير” بينما الدول العربية عاجزة عن فرض قرارٍ واحدٍ ملزمٍ هو إهانةٌ لعقل الشعوب , هل نكتفي بعرض هذه الحقيقية الغائبة التي يحاول البعض جاهدا إخفائها عن اعين وسمع الشارع العربي ام نكمل !؟ .

حكومة “السوداني” تقف أمام اختبارٍ شبه مستحيل: إنقاذ قمةٍ عربيةٍ من مصير الفشل المعتاد، واستعادة ثقة شعوبٍ التي سئمت الوعود الكاذبة. ولكن، ما دامت الدول العربية تُفضل الصراع على التعاون، والتبعية على الاستقلال، فإن جهود بغداد، مهما كانت جادة، قد تذهب أدراج الرياح، تاركةً الشارع العربي يغرق في يأسه، وفلسطين تنزف وحيدةً في انتظار فعلٍ لا يأتي وقد لا يأتي أصلا ؟.

وفي الختام وبينما تتكدس خيبات الأمل في الشارع العربي، يظل العقل الجمعي مُتشبثًا بوهمٍ قديم : انتظار “المخلّص”، ذلك الكائن الأسطوري الذي سيظهر من العدم لينتشل الأمة من مستنقع المهانة والذل. هذا الحلم الخرافي، الذي يتغذى على اليأس والإحباط، ليس سوى قيدٍ جديد يُكبّل الشعوب، يُلهيها عن مواجهة الحقيقة المرّة: لا مخلّص سيأتي، ولا بطلٌ سينهض، ما دامت الأمة تُفضّل الانتظار على العمل، والشكوى على المقاومة.
إن “المخلّص” الحقيقي ليس كائنًا خرافيًا، بل إرادة شعبية ترفض الخنوع، تُحاسب قادتها، وتُعيد رسم مصيرها بيدها. لكن، حتى ذلك اليوم، سيظل العرب ينتظرون في ظلال الوهم، بينما التاريخ يسجّل فصلاً آخر من الهزيمة، مُوقّعًا بأسماء قادةٍ تخلّوا عن أمتهم، وشعوبٍ سمحت لليأس أن يُملي عليها مصيرها ويرسم ملامح مستقبلها.

[email protected]