21 فبراير، 2025 3:24 م

تشيع جنازة الأمين العام لحزب الله اللبناني تسدل السِّتارة لانتهاء سردية المواجهة العسكرية

تشيع جنازة الأمين العام لحزب الله اللبناني تسدل السِّتارة لانتهاء سردية المواجهة العسكرية

قد لا يدرك الرأي العام أن التشييع المرتقب بعد أيام ,الذي اتفق عليه ليكون يوم الأحد الموافق 23 شباط الحالي، لجنازة الأمين العام الراحل “حسن نصر الله” ومعه نائبه هاشم صفي الدين” إلى مثواهما الأخير، سوف يسدل الستار ويأخذ معه رمزية “حزب الله” وينهي سرديته في المواجهة العسكرية مع إسرائيل وإلى الأبد . ومع ذلك ، ومهما حاول ما تبقى من قادة الحزب استثمار رمزية هذا التشييع قدر الإمكان لدى الحاضنة الشعبية له ولدى ما تبقى له من متعاطفين ومناصرين الرأي العام العربي، ومحاولة تأكيدهم بدورهم بأن الحزب ما يزال في قوته وصموده، فإن العودة إلى ما قبل يوم 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من عملية تفجيرات “البيجر” وما تلاها من تصفية قادة المجلس الجهادي، تجعل الأمر أكثر تعقيدًا مما يصوره الاعلام وتصريحات ما بقي من هؤلاء القادة الذين لن يكونوا بزخم وقوة شخصية وحضور سلفهم الراحلين.

ويمثل لنا في الوقت الراهن وحسب ما نراه , بأن انعكاس تشييع جنازة الأمين العام ستكون لحظة محورية فارقة في المشهد السياسي اللبناني والإقليمي، حيث يُتوقع لنا، وبدرجة عالية من اليقين ومن خلال قراءتنا للبعد الآخر لهذا الحدث المهم، بأن تُسدل الستارة معها على مرحلة تاريخية ارتبطت بمفهوم محور “المقاومة والممانعة” الذي تم الترويج له من خلال أطر عقائدية ودينية اغلبها كان ذات طابع طائفي. ولقد شكّل هذا المحور الإيراني بدوره وتم تصويره للرأي العام بأحد أهم الركائز الأساسية لاستراتيجيات المضادة للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة , ولكن ومع التحول وانتهاء نظرية المواجهة على متغيرات مسرح الإحداث الجيوسياسي، بدوره، سيؤدي إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، ويفتح المجال واسعا أمام إنهاء الجدل الدائر حول المواجهة العسكرية مع إسرائيل .أو على الأقل خلال فترة الأربع سنوات العجاف القادمة للرئيس ترامب وكما سيترك لنا بدوره تأثيرًا مباشرًا على مستقبل ديناميكيات الصراع العربي-الإسرائيلي، وبالتالي سيُعيد لنا تعريف جديد عن أدوار الفاعلين الإقليميين والدوليين في ظل التحولات الاستراتيجية الراهنة.

أن تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي قبل ايام بشكل صريح بأن :”إسرائيل لن تسمح بأي حال من الأحوال بالعودة إلى الوضع الذي كان سائدًا قبل السابع من أكتوبر 2023 ” حيث كان “حزب الله” يتمتع بوجود عسكري مكثف في المناطق الجنوبية اللبنانية المواجهة مباشرة للمستوطنات الإسرائيلية. خلال تلك الفترة، وكان مقاتلو الحزب ينتشرون بشكل واسع، مدعومين بقواعد عسكرية متقدمة ومزودين بترسانة من الأسلحة والمعدات العسكرية التي شكلت تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل في حينها . ولضمان عدم تكرار هذا السيناريو، أعلنت إسرائيل عن عزمها الاحتفاظ بخمس نقاط استراتيجية في الجنوب اللبناني، تعتبرها حيوية لأمنها القومي. هذه النقاط هي “تلة الحمامص، تلة النبي عويضة، جبل بلاط، اللبونة، والعزية” وتتميز هذه المواقع بموقعها الجغرافي الذي يطل على معظم المستوطنات الإسرائيلية في الشمال، مما يمنح الجيش الإسرائيلي قدرة على المراقبة والردع في حال حدوث أي تهديدات محتملة من جهة “حزب الله”ومن وجهة نظرهم لهذا التواجد العسكري فإننا نعتقد بان هذه الفرضية التي روج لها تشير الى الاحتفاظ بهذه النقاط يُعتبر إجراءً وقائيًا ضروريًا لخلق منطقة عازلة تمنع “حزب الله” من إعادة انتشار مقاتليه وأسلحته بالقرب من الحدود. ومع ذلك، فإن الترويج لهذا الإجراء يقابله بان يُنظر إليه من الجانب اللبناني والدولي كاستمرار للاحتلال وانتهاك للسيادة اللبنانية، ومما قد يؤدي بالتالي إلى تفاقم التوترات وزيادة احتمالية اندلاع مواجهات عسكرية جديدة ولو انها مستبعدة لنا في الوقت الحاضر . وفي هذا السياق، تُظهر لنا بان  إسرائيل عازمة على تصميمها على تعزيز أمنها القومي من خلال السيطرة على هذه النقاط الاستراتيجية، بينما ترى الحكومة اللبنانية أن هذا الإجراء يُعتبر استفزازًا يهدد الاستقرار الإقليمي. وبالتالي، فإن استمرار هذا الوضع دون حلّ دبلوماسي قد يُبقي المنطقة على حافة الهاوية، مع احتمال اندلاع مواجهات عسكرية في أي لحظة، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة وعدم وجود آليات فعّالة لاحتواء الأزمة.لذا، فإن الحل الأمثل يبقى في اعتماد مقاربات دبلوماسية جادة تعترف بضرورة تحقيق التوازن بين أمن إسرائيل وحقوق لبنان السيادية، مع ضمان عدم عودة أي طرف إلى سياسات التصعيد التي قد تعيد المنطقة إلى دوامة العنف والدمار وعدم الاستقرار.

وعلى الرغم من  الإدانات الاستعراضية من قبل الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي فانها لن تردع إسرائيل عن التراجع عن قرارها بالبقاء في المناطق الجنوبية اللبنانية، خاصةً أن وزير الدفاع “يسرائيل كاتس”، كان حازمًا في ردّه ومتمسكًا جدًا برأيه، مؤكدًا أنه:”لا خيار آخر أمام حزب الله سوى التنفيذ ما اتفق عليه”. وأضاف كاتس: “سنستمر في التحرك بقوة ومن دون أي مساومة ضد أي انتهاك (للهدنة) من جانب حزب الله”، مشيرًا إلى أن قرار البقاء داخل الأراضي اللبنانية اتخذ “بناءً على قرار القيادة السياسية… لضمان حماية كافة المجتمعات الإسرائيلية والردع ضد أي تهديدات قادمة من لبنانغير أن العبارة الأخيرة توحي لنا في تصريحه قد وضعت الأمور في نصابها الحقيقي، حيث قال: “يتعيّن على حزب الله الانسحاب الكامل باتجاه منطقة شمال نهر الليطاني، وعلى الجيش اللبناني نزع سلاحه تحت إشراف الآلية التي وضعتها الولايات المتحدة” ومع وجود الرئيس ترامب” في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات عجاف، فإن أي رد فعل من قبل “حزب الله” على هذه العنجهية والغطرسة الإسرائيلية قد يكون بمثابة وضع أول شاهد على قبر مثواه الأخير.

وفي ظل الظروف الحالية التي يمر بها “حزب الله”، والتي تشمل تحديات داخلية وخارجية، يبدو أن احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية شاملة في المدى المنظور مستبعدة إلى حد كبير لنا . ومع ذلك، فإن هذا الاستبعاد الذي نعنيه في سياق ما نرده من قراءتنا للحدث , لا يعني أن الوضع آمن تمامًا، إذ أن أي قرار متسرٍّ ع أو متهور من قبل بعض القيادات، سواء في “حزب الله” أو من خلال قيادات الحرس الثوري الايراني أو في أي طرف آخر، قد يؤدي إلى قلب الطاولة على الجميع، مما قد يُفجر الأوضاع ويُعيد المنطقة إلى دوامة العنف والدمار وهنا تكمن لنا المفارقة المأساوية: ففي حين أن القيادات التي قد تتخذ قرارات متهورة ستكون في مأمن نسبيًا من عواقب هذه القرارات، فإن المواطن اللبناني العادي هو من سيدفع الثمن الباهظ . الخراب والدمار الذي قد ينتج عن أي تصعيد عسكري لن يمس أولئك الذين يتخذون القرارات من خلف طاولاتهم الآمنة ، بل سيقع عبؤه على كاهل المدنيين الذين سيفقدون منازلهم وأرواحهم وأحلامهم.

لذلك، فإن المسؤولية الأخلاقية والسياسية تقع على عاتق جميع الأطراف لضمان عدم الانجرار إلى أي تصعيد قد يؤدي إلى كوارث إنسانية . ففي النهاية، السلام والاستقرار هما الضامنان الوحيدان لمستقبل أفضل للجميع، وليس المواجهات العسكرية التي لا تُجدي سوى المزيد من المعاناة الانسانية والخسائر بالارواح والممتلكات .

صحيح أن إيران تحاول قدر الإمكان إرسال العون المادي والعسكري لـ “حزب الله” ، في محاولة منها لإبقائه واقفًا على قدميه وهو في الرمق الأخير. ولكن في المقابل، تتنازع الأنفاس الأخيرة لقيادات الحزب المتبقية بين خيارين: إما التوجه نحو الداخل وإصلاح وترميم ما تبقى من الخراب والدمار، وإعادة بناء ما يمكن إنقاذه سياسيًا ، أو الاستمرار في محاولة أخيرة للمواجهة العسكرية، التي ستكون أشبه بلعبة قمار محفوفة بالمخاطر، قد تنتهي بضربة قاضية في حلبة الصراع وتكون مميتة بلا شفاء منها .

وفي هذا السياق، يبدو لنا بأن الخيار الأول، رغم صعوبته، قد يكون الأكثر واقعية في ظل الظروف الحالية، خاصة مع تراجع الدعم الإقليمي وزيادة الضغوط الدولية. أما الخيار الثاني، فيمثل مغامرة قد تؤدي إلى نهاية مأساوية ليس فقط لـ “حزب الله “، بل أيضًا للوضع العام في لبنان والمنطقة.

لكن في اعتقادنا، يبقى هناك بصيص أمل مرتقب للبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، يتمثل في البيان الختامي لقمة القاهرة المرتقبة. فنأمل أن يكون هذا البيان على مستوى طموحاتهم في خوض المواجهة المصيرية، وأن يتسم باتخاذ قرارات حاسمة وشجاعة تعبر عن إرادتهم في حل قضاياهم العادلة. كما نأمل أن يعتمد البيان على قرارات الشرعية الدولية وقوانين الأمم المتحدة، كمرجعية أساسية لتحقيق العدالة وإنهاء المعاناة الطويلة التي عاشها الشعبان. هذه القمة تمثل فرصة تاريخية لفرض الرأي الفلسطيني واللبناني في الساحة الدولية، وإعادة القضية إلى مسارها الصحيح، بعيدًا عن التنازلات التي تفرضها التوازنات السياسية والإقليمية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات