23 ديسمبر، 2024 6:28 ص

تشيخوف في ذكريات معاصريه

تشيخوف في ذكريات معاصريه

توجد سلسلة شهيرة جدا من الكتب باللغة الروسية التي صدرت في الاتحاد السوفيتي ( 1917 – 1991 ) آنذاك حول الادباء الروس الكبار في ذكريات معاصريهم من الادباء والاصدقاء والنقاد , وهي سلسلة مهمة جدا وعميقة وعلمية و رائعة وممتعة عن هؤلاء الادباء وما كتب عنهم الاصدقاء والزملاء الذين عاصروهم في زمانهم . وكانت دور النشر السوفيتية في حينها تحاول اصدار نفس ذلك الكتاب بطبعات جديدة منقحة ومزيدة بين فترة واخرى , وتضيف لتلك الطبعات فصولا جديدة وتنقح الطبعات تلك وتغنيها بهوامش وملاحظات جديدة يكتبها كبار المتخصصين في ادب هذا او ذاك من الادباء الروس هؤلاء . لقد كان الهدف من تلك السلسلة هو رسم صورة موضوعية قدر الامكان طبعا و متكاملة لهذا الاديب او ذاك ومن مختلف الجوانب الفنية والنقدية والانسانية , وقد سبق لنا ان عرضنا كتابا صدر ضمن هذه السلسلة عن تولستوي ( انظر مقالتنا بعنوان تولستوي في ذكريات معاصريه ) , ومن جملة الادباء الروس الكبار الذين صدرت عنهم مثل هذه الكتب هو انطون تشيخوف طبعا ( 1860 – 1904 ) , اذ ظهرت الطبعة الاولى حوله ضمن هذه السلسلة من الكتب بعد اكثر من اربعين سنة بعد وفاته , في عام 7194 , اما الطبعة الثانية , التي جرى تنقيحها والاضافة اليها فقد صدرت عام 5219 , وصدرت الطبعة الثالثة عام 5419 (عام الذكرى الخمسين لوفاة تشيخوف ) وهي ايضا مزيدة ومنقحة مقارنة بالطبعة الثانية تلك ,ثم صدرت الطبعة الرابعة عام 1960 منقحة ومزيدة ايضا ( وهو عام الاحتفال في الاتحاد السوفيتي والعالم ايضا بمرور مئة عام على ميلاد تشيخوف ) , ثم الطبعة الخامسة عام 1986 منقحة ومزيدة مثل حال

الطبعات السابقة والتي تم طبع 100 الف نسخة منها , وسنحاول في مقالتنا هذه عرض هذا الكتاب المهم في مسيرة الدراسات البيبلوغرافية و النقد الادبي الروسي عن تشيخوف بطبعاته المختلفة تلك للقارئ العربي , انطلاقا من محاولتنا المتواضعة اغناء المكتبة العربية بمصادر وآراء متنوعة حول تشيخوف – هذا الاديب الروسي و العالمي الكبير , والذي اصبح في الوقت الحاضر واحدا من أقرب الادباء الروس الى القارئ العربي .

تم ترجمة بعض تلك المقالات عن تشيخوف الى العربية , وخصوصا مقالات الادباء الروس المشهورين الكبار , مثل غوركي وكورولينكو وكوبرين وغيرهم هنا وهناك في عالمنا العربي ( انظر , مثلا , مؤلفات تشيخوف باربعة أجزاء , والتي قام بترجمتها المترجم المصري الكبير د. ابو بكر يوسف , والتي نشرتها دور النشر السوفيتية في الاتحاد السوفيتي آنذاك حيث كان كل مجلد من تلك المجلدات يبتدأ بترجمة مقالة من مقالات هؤلاء الادباء الروس الكبار عن تشيخوف ) , ولهذا فاننا سنتحدث هنا عن المقالات الاخرى , التي لم تترجم و لا يعرفها القارئ العربي في تلك السلسلة من الكتب .

مقدمة الكتاب ( طبعة عام 1960 وعام 1986 ) جاءت بقلم كوتوفا , التي أشارت الى ان هذا الكتاب يعكس السيرة الحياتية لتشيخوف وعلاقة الادباء والفنانين الروس تجاهه , وتشير بالذات الى اسماء محددة في تلك الفترة وهم ليسكوف وغريغوروفيتش وكورولينكو وغوركي وكوبرين وبونين وحتى تولستوي من الادباء , ثم تتكلم عن علاقة تشيخوف برجالات الفن الروسي مثل الموسيقار تشايكوفسكي وبالرسامين التشكيليين ريبين وليفيتان والفنان المسرحي ستانسلافسكي وحتى بعلماء الطبيعة مثل تيميريازوف وغيرهم , مؤكدة ان حياة تشيخوف تعكس في الواقع كل مسيرة الفنون والعلوم الروسية في نهاية القرن التاسع عشر , ثم تأتي بعد هذه المقدمة تلك المقالات التي تناولت معظم جوانب حياة وابداع الكاتب وذكريات

هؤلاء الاصدقاء حولها , و تبتدأ قبل كل شئ بطفولة تشيخوف والظروف الصعبة التي مر بها , والتي أدٌت به الى ان يقول مرة كلماته الشهيرة حولها – ( في طفولتي لم تكن لديٌ طفولة ) , وهي جملة مؤلمة جدا نجد صداها في مقالات المحيطين به آنذاك من اخته وبقية اخوته والعوز الذي كانوا يعيشون في اطاره , ولكننا نجد في تلك المقالات ايضا الاشارة الى ذلك التميز عند هذا الصبي الموهوب وبدايات حبه للمسرح والاداب منذ نعومة اظفاره كما يقال ( تم حذف هذه المقالات عن طفولة تشيخوف في طبعة 1986 وذلك لصدور كتاب مستقل لاخيه بعنوان – حول تشيخوف ) , ثم نطالع بعدئذ مقالات متعددة تتناول مختلف الجوانب الابداعية لتشيخوف بقلم ادباء ونقاد وصحفيين روس , عدا تلك الاسماء الكبيرة التي أشرنا اليها اعلاه , ولا يمكن بالطبع التوقف عند كل هذه المقالات وعرضها في اطار هذه المقالة , ولكننا اخترنا – كامثلة ليس الا – التوقف قليلا عند بعضها , ومنها مقالة بقلم غارين – ميخايلوفسكي , وهو اسم معروف في دنيا الفكر الروسي نهاية القرن التاسع عشر . يتحدث ميخايلوفسكي في مقالته تلك عن اهمية القصة القصيرة التي اعطاها تشيخوف للادب الروسي والعالمي ايضا , ويشير الى ان تشيخوف ناضل طويلا وبعناد من اجل تثبيت هذا النوع من القصة القصيرة قائلا – ( .. تشيخوف خالق القصص القصيرة الصغيرة , وهي ألاصعب بين انواع القصص , وقد حمل هذه القصص طويلا في حقيبته , الى ان استطاعت هذه القصص ان تحصل على حق المواطنة …) , وهي ملاحظة صحيحة ودقيقة فعلا , ومن المقالات الاخرى في هذا الكتاب نود ان نشير الى مقالة الرسام التشكيلي الروسي الكبير ريبين , اذ انه يقول عن تشيخوف عندما التقاه مرة , انه يذكره ببطل رواية تورغينيف الاباء والبنون – بازاروف , وهي ملاحظة لم ترد ابدا في مقالات الاخرين عن تشيخوف , ولا يوضح الفنان التشكيلي سبب ذلك , ولكن الملاحظة هذه تبقى طريفة بعيون فنان مثل ريبين تجاه تشيخوف , وربما يمكن استنتاج اهمية رواية تورغينيف في الوعي الفني الروسي آنذاك وربط هذه الصورة الفنية بالموقف من تشيخوف باعتباره اديبا جاء بشئ جديد في دنيا الادب

وقال كلمة جديدة في هذا العالم مثل بازاروف – بطل تورغينيف , ومن المقالات التي نود الاشارة اليها في ختام هذا العرض السريع للكتاب هي ما كتبه عالم الاجتماع الروسي كوفاليفسكي ( 1851- 1916 ),( وهو محامي ومؤرخ وعالم اجتماع أقالته السلطة الروسية القيصرية من وظيفته في جامعة موسكو لافكاره التحررية ( كان بدرجة بروفيسور ) , فسافر الى الغرب وقام بنشاط علمي في باريس وبروكسل ثم اسس عام 1901 في باريس المدرسة الروسية العليا للعلوم الاجتماعية ) , اذ التقى تشيخوف عدة مرات في فرنسا وايطاليا واصبحا قريبين من بعضهما ,وكتب عن تشيخوف مقالة جميلة نشرت في روسيا عام 1915, وهي مقالة غنية بافكارها تناول فيها تشيخوف – انسانا وطبيبا ومثقفا ايضا , ونقدم للقارئ مقطعا من جملة بسيطة من هذه المقالة , تعبربعمق و بصدق عن جوهر افكار تشيخوف – (لم يكن تشيخوف يهتم بقضايا النظام الجمهوري او الملكي .. ولكنه كان يتمنى ان يرى روسيا حرة ..) وما أعظم هذه الكلمات وما أعمقها!.